الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات
كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه رئيس وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه رئيس وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي بمناسبة بدء أعمال الدورة العاشرة لمجلس الشورى الإسلامي _ 05-06-2016

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الأطیبین الأطهرين المنتجبین، لا سیّما بقیّة الله في الأرضین.

أرحّب بكم خير ترحيب أيها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين ستمارسون دوراً مفصلياً في مسيرة تقدّم البلاد إن شاء الله، وتشكّلون أحد أكبر أركان البلد والثورة. وأبارك لكم جميعاً هذا النجاح الذي حققتموه، وبحمد الله تعالی قد أعطاكم هذا التوفيق، وبوّأكم هذه المكانة السامية.

اعرفوا قدر هذه الفرصة!
أبدأ حديثي بجملة؛ هذه هي الأيام الأخيرة من شهر شعبان، ونحن علی أبواب شهر رمضان. فلنوجّه قلوبنا إلی كسب مرضاة الله والنهوض بالمسؤولية الإلهية. أقول لكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! اعرفوا قدر هذه الفرصة، واعلموا أنها سرعان ما تنقضي، وأن السنوات الأربع تمرّ كلمح البصر. حالها حال أعمارنا، فإن المرء إذا ما أجال ببصره إلی ما ورائه، يرى أن هذه الفترة قد انقضت كالبرق الخاطف، وانتهی كل ما فيها من أفراح وأتراح وشدائد ومرارات وحلاوات وملذات ومحن. ولو تسنی للإنسان أن يضع في هذا الملف الكبير الطويل -البالغ بشأن أمثالي أنا الحقير سبعين إلی ثمانين عاماً علی سبيل الفرض- نقطة يستطيع أن يحتسبها عند الله سبحانه وتعالی وأن يرجو منها خيراً، فما أجمل هذا؛ وأما إذا افتقدنا في هذا الملفّ الكبير الطويل إلی عملٍ يكون بوسعنا الدفاع عنه أمام الله سبحانه وتعالی - فإنّ الإنسان معرَّضٌ للحساب حتماً- فإن الحياة ستكون خسارة، وهذا هو: ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ1؛ الإيمان والعمل الصالح؛ فإن اشتملت الفترة التي انقضت من أعمارنا علی الإيمان والعمل الصالح، فليس هناك خسارة، وإنما هو ربح بنفس ذلك المقدار، وأما إن لم تشتمل عليهما لا سمح الله، أو أن الإنسان إذا ما حاسب نفسه، ووجد أنّه بالإمكان الإشكال عليه عند الحساب والنقاش في صحة عمله، فحينها سيكون وضع الإنسان صعباً جداً.

"... إلا أن ترحمني أنت!"
في دعاء أبي حمزة الثمالي، يخاطب الإمام  ربَّه قائلاً: «اَللّهُمَّ ارْحَمْنِي إِذا انْقَطَعَتْ حُجَّتِي، وَكَلَّ عَنْ جَوابِكَ لِسانِي، وَطاشَ عِنْدَ سُؤْالِكَ إِيّايَ لُبِّي»2؛ ارحمني في ذلك الوقت الذي تسألني فيه ولا يوجد لديّ جواب أقدّمه بين يديك - وذلك حين يبدأ حساب الأعمال، وينبغي علی الإنسان أن يتمكن من الجواب - «كَلَّ عَنْ جَوابِكَ لِسانِي»، و«انْقَطَعَتْ حُجَّتِي» وانتهى استدلالي - فإنّ لكلّ إنسان أدلة يقدمها: "قمت بهذا العمل لهذا الدليل ولذاك السبب"، ولكن بعد أن تُردُّ كل واحدة منها، يبقی صفر اليدين - «وَطاشَ عِنْدَ سُؤْالِكَ إِيّايَ لُبِّي»، وبقي عقلي وقلبي وروحي أمام هذه الأسئلة المتتالية في حيرة وضياع؛ هذا ما يحدث. أنا العبد لله قد جرّبته بنفسي، هذه تجربتي، وما كنتُ ناوياً من قبل ذكرها، ولكنها الآن خطرت على بالي، وجرت علی لساني، وسأذكرها لكم: عندما تعرّضتُ لتلك الحادثة (محاولة الاغتيال) عام 1360ه.ش (1981م) في مسجد أبي ذر، أصابتني حالة الإغماء. خلال الفترة التي حملوني فيها من داخل المسجد إلی السيارة، استفقتُ مرتين أو ثلاثاً، ورجعت إلی حالة الإغماء، حتی دخلتُ أخيراً في غيبوبة كاملة. في إحدی تلك الحالات التي استرجعت فيها وعيي، شعرت بأن هذه هي اللحظات الأخيرة، أي إنّني أحسست بالكامل بأنها لحظات الموت. فجأة تجسّدت كل حياتي السابقة أمام عيني. وفكّرت في نفسي: ماذا لدي الآن لأعرضه؟  فكّرت وفكرّت كثيراً، وجدت أن أعمالي كلها بالإمكان أن تتعرض للبحث والنقاش. حسناً، لقد جاهدنا، ودخلنا السجون، وتعرّضنا للتعذيب، وقمنا بالتعليم والتدريس، بذلنا جهوداً -هذه هي الأمور التي تخطر في ذهن الإنسان- ولكنّي رأيتُ في تلك اللحظة أنّ بالإمكان أن يناقشوني في كل واحدة منها، قائلين بأنك في القضية الفلانية من الممكن أن تكون قد خلطت نيّتك بنية غير إلهية، وبهذا يتبدّد العمل! فجأة أحسستُ بأني معلَّقٌ بين السماء والأرض، كالإنسان الذي لا يجد لنفسه أي ملجأ ولا مأوی. فقلت: يا إلهي! إن وضعي هو هذا، وأنت تری حالي، الظاهر أنّي لا أملك شيئاً، وحين أحاسبُ نفسي، أجد أنني صفر اليدين، إلا أن ترحمني أنت. هذه الحالة تحدث للإنسان. فلنحاول اغتنام هذه الفرص.

تحقّقوا وتفحّصوا وطالبوا!
لقد توافرت لكم فرصة جيّدة؛ أربعة أعوام في مجلس الشوری الإسلامي؛ المكان الذي تتم فيه  إدارة البلاد وعملية التشريع وسنّ القوانين، وهي عملية في غاية الأهمية، تقوم في الحقيقة -كما ذكرنا مراراً- بوضع السكك لحركة القطار. فإنكم تقومون أولاً بوضع السكك لحركة الحكومة، ثم تستطيعون، من خلال الصلاحيات التي منحها الدستور لكم -ومنها عمليات التحقيق والإشراف والتفحّص المصرّح عنها في الدستور- أن تضمنوا إنجاز هذه الحركة على مسارها، ليس  بالتوصية فحسب، بل بمقدروكم وفق الصلاحيات القانونية متابعة الأمر والتقّصي والتحقيق والتفحص، وهذا لا ينافي التعاون والتنسيق مع الحكومة مطلقاً. هذا اعتقادي ورأيي، ولطالما كنت أحمل هذه القناعة في جميع الحكومات ولا أزال أعتقد بضرورة أن يتعاون المجلس مع الحكومة، لكن هذا التعاون لا يعني تنازل المجلس عن حقوقه؛ يجب عليكم استيفاء حقوقكم، حققوا وتحققوا وتفحصوا وطالبوا: لماذا لم يطبق هذا القانون؟ ولماذا تحقق قليلٌ منه؟ ولماذا تحقق بصورة أخری؟ هذه فرصة بالغة الأهمية، فاعرفوا قدرها.

"اهتموا بالمجلس"
في بداية الثورة، حينما بدأ يدور الحديث عن الانتخابات الرئاسية، وجرى طرح أسماء مختلف المرشحين، ذهبت أنا وأحد أصدقائنا، من طهران إلی قم للتشرف بخدمة الإمام -حيث كان حينها في قم-، وكان ذلك في وقتٍ ضيّقٍ عصيبٍ، كان الإمام في بيته، قلنا يجب أن نلتقي بالإمام مهما كانت الظروف. لأنّ الإمام كان قد طلب عدم طرح اسم معمّمين وأن لا يترشحوا لرئاسة الجمهورية، فذهبنا لنتباحث معه ونُحاججه، كي نقول له ارفع هذا المنع، لنطرح السيد بهشتي؛ حيث كنا نری أن الشهيد بهشتي (رضوان الله عليه) أفضل من الجميع. ذهبنا للتباحث مع سماحته حول هذه القضية، تحدثنا وسمعنا، وقلنا وقال، وطرحنا أشياء، أخيراً قال لنا اذهبوا وحافظوا علی المجلس لأهميته، اهتموا بالمجلس؛ ولم تكن انتخابات مجلس الشورى قد جرت حينها، قال اذهبوا نحو المجلس، فالمجلس مهم. فكانت هذه هي توصيته لي ولصاحبي، ومعناها عدم الإصرار من قِبَلنا علی قضية الحكومة، كان المجلس بنظره أهم من الحكومة والسلطة التنفيذية.

والآن ينبغي لكم أن تسألوا الله وتستعينوا به حقاً! ها هو شهر رمضان علی الأبواب، الصيام  فرصة، الدعاء فرصة، إحياء الليل فرصة، صلاة الليل التي غالباً ما يُوفَّق المؤمنون لأدائها في هذه الليالي أكثر من غيرها فرصة. اُدعوا الله وتضرّعوا إليه واسألوه أن يوفّقكم للقيام بهذه المهمة الكبری.

حسناً، سأطرح عدة نقاط: إحداها حول أساس واجبات المجلس ووظائفه، وأخری حول قضية القانون، ونقطة خاصة في مجال الاقتصاد، ونقطة خاصة في مجال الثقافة، ونقطة حول السياسات العامة وقضايا السياسة الخارجية، وما إلی ذلك. هذه  مواضيع سأطرحها عليكم  ببضع عبارات إن شاء الله.

«المجلس علی رأس الأمور»
لقد تم تكليفكم في الدستور بمهمة الدفاع عن مكاسب الثورة ومباني الإسلام، وهذا ما جاء في قسمكم لليمين. ولقد ذكرت في بياني لكم3 أنّ اليمين هذا هو قسم يمين حقيقي؛ بمعنی أن نقض هذا اليمين يستوجب كفّارة. فقد أقسمتم أن تحافظوا علی مباني الإسلام ومكاسب الثورة. حسناً، هذا أمرٌ هام. لكن متى سيكون هذا ممكناً؟ حين يقف المجلس علی رأس الأمور حقاً؛ هذا الأمر بأيديكم أنتم. لا نُجامل في قولنا «المجلس علی رأس الأمور»، بل يجب أن يكون المجلس حقاً علی رأس الأمور، وهذا يعني أن يتخذ القرارات، وأن يتم تنفيذ قراراته.

وأقولها لكم بأنه في مختلف الحكومات -سواء الحكومة الحالية، أو الحكومة السابقة، أو الحكومات التي سبقتها بعد رحيل الإمام، أو حكومتي في زمن الإمام – يحدث أحياناً أن تمرّ علينا وعلی الحكومات أزمات فكنّا نصرّ والحكومات الآن تصرّ كذلك على الاستفادة من صلاحيات الولي الفقيه؛ هذا موجود، ولكني كنت دوماً في هذه الأزمات مراقباً لئلّا تؤدي هذه العملية إلى المساس بمقرّرات المجلس ما أمكن. حدث في إحدی الحكومات السابقة أن جاؤوا وطالبوا بأمر هو علی النقيض تماماً من قانون الموازنة لذلك العام؛ حينها لم يكن هناك برنامج الخطة الشاملة، ولكني رغم كل إصرارهم لم أرضخ لطلبهم؛ مع أنهم كانوا يعانون من  المشاكل، لكني قلت لهم بأن لدينا مجلس شورى ونواباً قد اجتمعوا واتخذوا القرار وصادقوا علی قانون الموازنة بكل هذه الجهود والمشاق، والآن تأتون وتريدون بكلمة واحدة أن  نقلب القانون بأسره رأساً علی عقب؛ هذا غير ممكن. يجب أن يكون المجلس علی رأس الأمور، يجب أن تُحفظ حرمة المجلس ووقاره وهيبته.

 هذا هو اقتدار المجلس وهيبته..
قلت يوماً -علی ما يبدو للسيد لاريجاني أو لأحد رؤساء المجلس- بأن المجلس كان يسير هكذا من أول المشروط4 حتی سيطر رضاخان علی كرسيّ الحكم، بعد أن تسلّم رضاخان مقاليد الأمور، تبدّد المجلس والقانون والعملية والتشريعية واختفى كل ما يدور في فلكه؛ قبل مجيء رضاخان -حيث كانت قضية التشريع قائمة وكان هناك مجلس ومجلس شوری، وكانت الحركة الدستورية قد انطلقت لتوها، وبالتالي قبل أن يتسلم رضاخان زمام السلطة– تولى رئاسة المجلس في دورته الثانية أو الثالثة مؤتمن الملك5، وكان رجلاً حسن السمعة في عهد القاجار، وأخوه مشير الدولة6 كان رئيساً للوزراء، وهو الآخر أيضاً ذو سمعة طيبة؛ أي إن هذين الأخوين كانا يتّسمان نسبياً بسمعة حسنة في نهاية عهد القاجار وبداية العهد البهلوي. إذاً فالأخ الأكبر وهو مشير الدولة كان رئيساً للوزراء، والأخ الأصغر وهو مؤتمن الدولة كان رئيساً للمجلس. ذات يومٍ طلب رئيس الوزراء من المجلس موعداً ليأتي ويلقي خطاباً ويقدم تقريراً، في الساعة الثامنة صباحاً علی سبيل المثال. صارت الساعة الثامنة صباحاً، ومشير الدولة لم يصل بعد، فنظر مؤتمن الملك إلی ساعته، ووجد أنها الثامنة وخمس دقائق، فقال لا تسمحوا لرئيس الحكومة بالدخول! بعد خمس دقائق وصل مشير الدولة إلی المجلس، فمنعوه من الدخول! فقد تأخّر رئيس الوزراء عن الموعد المقرر خمس دقائق، وإذا برئيس المجلس، وهو أخوه –أخوه الأصغر أيضاً-، يمنعه من الدخول، هذا هو اقتدار المجلس وهيبته؛ وهو ما يجب المحافظة عليه، وهذا الأمر بأيديكم أنتم وأنتم يمكنكم القيام به.

المجلس يراقب نفسه
إن من الأمور التي بوسعها أن توفّر ذلك وتضمنه للمجلس بمعناه الحقيقي، هو إشراف المجلس علی نفسه؛ وهذا ما ذكرته لأعضاء المجلس الثامن. فعلی المجلس أن يتولی مهمة الإشراف علی نفسه. في نهاية الأمر، فإن المجلس يتكوّن من مجموعة من الأشخاص، ونحن  البشر كلنا معرَّضون للخطأ؛ وهذا ما لا يتحمل المزاح، ولا يعرف صغيراً أو كبيراً، ولا شيخاً أو شاباً، فجميعنا معرَّضون للخطأ والزلل. من الذي يجب عليه الوقوف أمام هذه الزلات؟ المجلس بنفسه. هناك أنواع الزلات وأقسامها يمكن تصورها، فلو قام المجلس بالإشراف، وحال دون زلّة النائب، واستطاع النائب أن يحافظ على نزاهته وطهارة نفسه علی مدی هذه السنوات، عند ذلك سينطلق لسانه، وسيتمكن من بيان ما يشهده من نقاط ضعف في أيّ مكان، فعلی المجلس أن يراعي هذا الأمر. أنا أتمنى منكم ألّا تستهينوا بقضية إشراف المجلس علی نفسه ولا تستخفّوا بالرقابة الذاتية، حافظوا على هذا الأمر.

نوعية القانون ثم طريقة وضعه
حسناً، هناك مسألة حول القانون، إن تشريع القوانين يمثل مهمتكم الرئيسية، ولكن يمكن سنّ القوانين ووضعها على نمطين: حسن وسيّئ، فبالإمكان وضع القوانين بصورة حسنة، وبالإمكان وضعها بصورة سيئة. ولا يقتصر الحُسن والسوء على أن يكون القانون حسناً أو سيئاً، بل قد تضعون قانوناً حسناً، ولكن الوضع بنفسه يتم بصورة سيئة، لماذا؟ لأنه لم تُراعَ الدقة في كيفية وضع هذا القانون، وفي انسجامه مع سائر القوانين، وفي وضوحه وشفافيته. فلا بد أولاً أن يكون القانون نوعياً وذا جودة عالية، كمية القوانين وكثرتها ليست بالأمر المطلوب كثيراً، بل يجب أن يتسم القانون بالجودة والنوعية. وما ذكره الدكتور لاريجاني هنا من وجود تخصصات مختلفة، أفرحني حقاً، والحمد لله! فإن لوجود المتخصصين والعلماء والمطّلعين والعقلاء في المجلس قيمة بالغة، ومن هنا فعليكم التدقيق أولاً في أن يكون القانون متقناً؛ أي أن تكون دلائل سنّ هذا القانون بالطريقة التي إذا ما نظر المرء إليها، وجد بأن هذا القانون يتسم بالإتقان. وأن يحمل نظرة شمولية، فالنظرة الجزئية وعدم الاهتمام بالجوانب المختلفة، يُخرج القانون من حيّز الانتفاع. وأن يكون واضحاً بحيث لا يحتاج إلى تعديلات متكررة، وإلى استعلامات واستيضاحات متواصلة تصل إلى المجلس، فإن لم يكن القانون واضحاً وشاملاً، تتعاقب عليه الاستفسارات: هل مرادكم منه هذا أم ذاك؟ وأحياناً تكون نتيجة الاستعلام الصادرة عن المجلس مناقضة لمضمون القانون نفسه، فإن هذا القانون ليس بالقانون الجيد؛ بمعنى أن مضمونه قد يكون جيّداً، إلا أن طريقة وضع هذا القانون ليست جيدة، وإنما تمت بصورة سيئة. ولذا يجب أن يتسم القانون بالنوعية الجيدة.

.. الأساس النوعيّة والشمولية
وكذلك تعارض القوانين، فإن واحداً من الأمور التي نعاني منها؛ هذا القدر الهائل من القوانين في شتى المسائل! وقد أشار الآن السيد الدكتور لاريجاني إلى قضية التخطيط المكاني7، وهي قضية طُرحت، منذ أن كنتُ رئيساً للجمهورية، في مجلس الوزراء آنذاك، وقد مضى على ذلك الوقت ثلاثون عاماً ونيّف –حتى إننا تداولنا حينها البحث حول الكلمة نفسها «آمايش» بأنها هل هي كلمة فارسية أم لا، وما هي جذورها وأصولها! - وتقرر أن يتابعوا هذه القضية في ذلك الحين، والحكومات بأسرها تابعت هذه القضية، ولكنها لم تتحقق بعد. وقد وضعنا القوانين لتحقيقها، فهل من الصحيح أن تعمدوا الآن إلى إضافة قوانين أخرى جديدة عليها! لا بد من اختيار الطرق السريعة والمختصرة. وعلى سبيل الفرض، تريدون الآن وببركة هذا التخطيط المكاني، ومن خلال التعرّف الى المواهب والطاقات المتاحة في المحافظات أو المناطق، أن تستثمروا الإمكانات والطاقة الكامنة في كل محافظة أو منطقة، هذا جيّد جداً، ولكن إن لم يتم إنجاز هذا العمل عن هذا الطريق، فهناك طريق آخر. وعلى سبيل المثال، صحيح أن التخطيط العلمي لم يتحقق في محافظة خراسان مثلاً، غير أن المحافظ والمسؤولين المحليين فيها يعرفون عن إمكانات تلك المحافظة ما لا يعرفه الساكن في العاصمة، وهذه فرصة بحد ذاتها، ويجب الاستفادة من هذه الطرق. ومن هنا أريد القول بأن تراكم القوانين وازديادها كمياً لا يعدّ مدحة، والأساس هو أن يتصف القانون بالنوعية والشمولية.

وراقبوا القوانين الباعثة للفساد
كما ويجب منع سنّ القوانين التي تشكل أرضية للفساد! لا بد لكم من مراقبة هذه القضية بدقة. فإن من الأمور التي لا تختص بمجلسنا -علماً بأنها حدثت أحياناً في مجلسنا أيضاً لعدة مرات على ما في ذهني خلال هذه السنوات- ولكنها شائعة في مجالس النواب في العالم، هي وضع قانون ونسخه بعد عشرة أيام ووضع قانون غيره، خلال هذه الأيام العشرة، يكسب البعض المليارات! قانون باعث على الفساد. وعلى سبيل المثال يمنعون في هذا القانون بيع سِلعة أو استيرادها أو تصديرها، ويستغل هذا القانون من كان يخطط لأن يستغله، وبعد عشرة أيام حين يُرفع هذا المنع، يصبح البعض من أصحاب المليارات بين ليلة وضحاها، هذا قانون باعث على الفساد، وله وجوده بالفعل. فراقبوا بأن يكون القانون الذي تضعونه، قانوناً مضاداً للفساد.

النقطة الأخرى المرتبطة بالقانون هي ترجيح المصالح الوطنية على القضايا المناطقية. وبالطبع فإن للناس توقّعاتهم منكم أنتم الوافدين من مختلف مناطق البلد، لكن هذه التوقعات غير مقبولة بشكل كامل، وإنما هي مقبولة إلى حدّ ما. فأن يتصوّروا بأن دخولكم إلى المجلس من منطقتهم، سيؤدي إلى معالجة الطرق والماء والكهرباء والميزانية الحكومية وكل شيء يعنيهم، فهذا أمرٌ متعذّر. ولا شك أنكم تشعرون بالمسؤولية حيال مطالب أهالي منطقتكم وتوقّعاتهم، وهذا لا إشكال فيه إلى حدّ ما، لكن ما لم يتعارض مع المصالح الوطنية، ففي بعض الأحيان يتعارض معها، على سبيل الفرض، لو كان هناك إصرارٌ على بناء مطارٍ في المحافظة الفلانية - والمطار من المشاريع والبنى التحتية الباهظة الكلفة- وأنّه من الأمور الضرورية لمحافظتهم. وأنتَ تنظر في هذه القضية وترى أن المطار في الحقيقة ليس أمراً ضرورياً لتلك المنطقة، رغم أنه يعدّ امتيازاً لها، ولكن يوجد مطارٌ في جوارها من هذا الجانب أو ذاك، وهذا ذكرته على سبيل المثال، فهل نصرف أموال وإمكانيات وفرص البلد في أمرٍ ليس له الأولوية! في مثل هذه الحالات نقوم بترجيح المصلحة الوطنية على تلك المصلحة المحلية والمناطقية. من هنا فإني لا أطالبكم بالإعراض عن المطالب المحلية، وهذا أمرٌ غير ممكن، ولكن لو تعارضت مع المصالح الوطنية، يتعيّن عليكم مراعاة المصلحة الوطنية في سنّ القوانين بالتأكيد.

هناك نقطة أخرى أود أن أطرحها عليكم في باب القانون، هي أن تستفيدوا من التخصصات والخبرات. إن من الأجهزة الهامة التي يمكنكم أن تستفيدوا من التخصص فيها، هي الجهاز الحكومي؛ ذلك أن للحكومة في مختلف القطاعات أهل تخصص وخبراء جيّدين. فاستفيدوا بالتأكيد من متخصصي الحكومة، سواء في منظمة التخطيط والبرمجة أو في شتى القطاعات الأخرى، ولكن لا يختص الأمر بهم، ففي خارج الحكومة أيضاً إذا ما أجلتم بأبصاركم، لوجدتم متخصصين خبراء في القضايا الاقتصادية -التي سأتعرض إليها باختصار– ليسوا في الحكومة، وإنما هم أساتذة في الاقتصاد يدرّسون في الجامعات أو علماء اقتصاد. هؤلاء متخصصون، يجب الاستفادة من جمع الخبراء المتخصصين لاتخاذ القرارات بالتأكيد.

قانون مطابق للسياسات المعلنة
اسعوا الى أن يتطابق القانون مع الوثائق العليا الحاكمة والسياسات الـمُعلنة. على سبيل المثال فإن الخطة السادسة (تخطيط استراتيجي لخمس سنوات تابع لخطة أفق 1404ه ش العشرينية) في جدول أعمالكم، وهي بالغة الأهمية. أقولها لكم بأن هذه الخطة في غاية الأهمية، ولا يجوز التقصير والتغاضي والتساهل مطلقاً فيما يتعلق بها، وهذا يعني ضرورة إتمام هذه الخطة بصورة كاملة وجيدة ودقيقة. حسناً، تمرّ علينا وعلى البلد في الوقت الراهن أوضاعٌ خاصة؛ سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، ولذا فإن الخطة التي تضعونها لمدة خمسة أعوام، يجب أن تكون كاملة بكل ما في الكلمة من معنى. وبالتالي حين يتم تصميم هذه الخطة، ستدخل في عداد الوثائق العليا، والقانون الذي تضعونه، لا بد وأن يتطابق مع هذه الخطة أو الخطط الأخرى كالسياسات العامة للمادة 44 وأمثالها.. هذا ما يرتبط بقضية التقنين والتشريع، وهي قضية ستولون اهتمامكم بها إن شاء الله.

.. فرصة وليست تهديدًا
حسناً، ألاحظ أنّ بعض الأصدقاء يكتبون في الصحف وأمثالها، أنّ عدداً كبيراً من الأعضاء الذين دخلوا هذا المجلس، هم من الأعضاء الجُدد، وليس لديهم خبرة ومعرفة بالمجلس؛ باعتقادي هذه المسألة هي فرصة وليست تهديداً، وبالأصل، فإن الانتخابات وحالات التبديل والتغيير، تمثل فرصة بحدّ ذاتها؛ فأن تنزل إلى الساحة مجموعة جديدة لم تكن قد تعوّدت على المجلس، إلى جانب عددٍ من  النواب القدامى ذوي الخبرات الذين ينقلون تجاربهم إليهم؛ أي التركيب بين القديم والجديد في المجالس، يعتبر أمراً مطلوباً وفرصة مغتنمة، فانتهزوا هذه الفرصة ما استطعتم، بكل رغبة وحيوية ونشاط، وبالاستفادة من تجارب الآخرين. هذا ما يتعلق بالقضايا القانونية التي أعتقد أنها تفوق أهميةً كل شيء.

أما في مجال الاقتصاد.. انظروا أيها الإخوة الأعزاء، والأخوات العزيزات! في الواقع إن قضية الاقتصاد هي القضية الرئيسية في بلدنا، ليس في الوقت الحاضر فحسب، وإنما منذ خمسة أو ستة أعوام وأنا أؤكّد عليها. كما وقلت قبل خمس أو ست سنوات في حديثي بداية السنة (عيد رأس السنة الهجرية الشمسية)، إنّنا نتعرّض للتهديد من جانبين؛ أحدهما -ولعله هو الأهم- الجانب الاقتصادي، وهذا هو الواقع الحالي أيضاً. في ذلك الوقت الذي لم يكن قد فُرض علينا الحظر والعقوبات. إنّ العدوّ قد استخدم الاقتصاد كسلاح ضدّنا، ولعلنا تصرّفنا قليلاً بشكل طائش كالمبتدئين الهواة، وأظهرنا خوفنا وانزعاجنا الكبير من هذا السلاح، فتشجع العدو أكثر على استخدام الاقتصاد كسلاح ضدنا وشقّ طريقه مكملاً. على أي حال، فالقضية الاقتصادية قضية فائقة الأهمية، ويجب علينا معالجتها. علماً بأن التنفيذ بيد الحكومة، وهي التي يجب عليها أن تخوض الميدان وتعمل في وسط الساحة، ولكن بمقدوركم أن تساعدوا كثيراً في هذا المجال. ولا بد من التأكيد في الدرجة الأولى على قضية الركود الاقتصادي، وعلى مسألة الإنتاج الداخلي المحلي التي تحظى بأهمية فائقة. ولقد ذكرت في خطاب قبل عدة أيام8 بأن على الحكومة، في أي حركة  تقوم بها في المجال الاقتصادي، أن تبيّن لنا أين محل هذه الحركة من الاقتصاد المقاوم. فإن الاقتصاد المقاوم جدولٌ متألّفٌ من خانات متعددة، وأي خطوة نقوم بها، يجب أن يتضح أين تقع بين خانات هذا الجدول. في إحدى الصفقات التي أرادت الحكومة إبرامها، تم الاتصال من قِبَل مكتبنا، مع المسؤول المعني، وسألوه أين تقع هذه الصفقة من الاقتصاد المقاوم؟ عليهم أن يشرحوا ويوضحوا موضعها من الاقتصاد المقاوم، أن لا تكون مخالفة للاقتصاد المقاوم، ليس هذا وحسب، بل أن لا تكون محايدة أيضاً، ليس فقط أن لا تكون مخالفة. إذاً فإن من الأمور الهامة جداً، مسألة الإنتاج المحلي ومعالجة الركود الاقتصادي.

قضية توفير فرص العمل، هي الأخرى من القضايا الفائقة الأهمية، التي لها صلتها بالإنتاج المحلي وأمثاله. ولقد بتنا نكرّر ونقول جميعاً، فالمدير الحكومي يقول، والنائب في المجلس يقول، وعالم الاقتصاد الحر في الصحيفة يقول، بأن كذا بالمئة من المعامل معطّلة، أو أنها تشتغل بأقل من نصف طاقتها. ولكن ثمّ ماذا؟ بالتالي يجب أن تعمل هذه المعامل وتشتغل، وبذلك سوف تتوافر فرص العمل. إن الخجل الذي ينتاب النظام بسبب بطالة شابٍّ، يفوق خجل الشابّ نفسه في  بيته وأمام أفراد أسرته؛ اعلموا هذا. أنا العبد حين أفكر بهذا الشابّ العاطل من العمل أشعر بالخجل.  نسبة البطالة في بعض المدن عالية. علماً بأننا نحدد نسبة البطالة في حدّ ما، وحسب ما يذكر من 13% بالمئة أو 10%،-كما يقال حالياً- غير أن هذا يدل على متوسط النسبة. حين يرى الإنسان هذا يشعر بالخجل؛ أي إن شعوري أنا العبد الحقير بالخجل، من مشاهدة هذه الأرقام ومطالعة هذه الوقائع، لا يقلّ عن خجل ذلك الشاب العاطل من العمل، الذي يعود إلى منزله خالي اليدين، بل إن خجلي أكبر من خجله؛ هذا ما يجب معالجته.

التهريب؛ كمن يطعنك من الخلف
وقضية التهريب التي أشاروا إليها، ولطالما أشرتُ إليها أنا أيضاً، قضية في غاية الأهمية والجدّ، وهي في الحقيقة كالخنجر الذي يطعن النظام من الخلف. هناك من يقوم بسحق مصالح البلاد عبر التهريب تحقيقاً لمنافعه الشخصية، وهذا ما يجب مكافحته والتصدي له. ومن البديهي بالطبع أن هذه المواجهة ليست بالعملية الهيّنة، لأن أولئك الذين يحصلون على أرباح بالمليارات من التهريب، لا يكفّون عن عملهم بهذه البساطة. فلا بد من مكافحة هذه الظاهرة، وهي مهمة تقع بالطبع على عاتق الحكومة، بيد أن المجلس هو الظهير والمساند لهذا التصدي الحكومي. فإن من واجبكم أنتم أن تطالبوا، يجب أن تأخذوا القرارات، يجب أن تضعوا الخطط والبرامج. هذا أيضاً يرتبط بالاقتصاد.

القضية التالية هي قضية الثقافة. وبالطبع فإن الثقافة هي أهم بكثير من الاقتصاد، على المدى البعيد؛ فإن الاقتصاد يمثل قضيتنا الفورية وأولويتنا الحالية، لكن مسألة الثقافة هي مسألة دائمة مستمرة وبالغة الأهمية، الثقافة مهمة حتى في قضية الاقتصاد.

.. نحن مقصّرون
أيها الإخوة الأعزاء، وأيتها الأخوات العزيزات! في مسألة الثقافة، أنا أشعر بوجود نوعٍ من التسيّب والضياع! لقد سادت الأجهزة الثقافية -الحكومية منها وغير الحكومية- حالة من التسيّب والإهمال في أمر الثقافة؛ نحن نقصّر سواء في إعداد وتقديم المنتجات الثقافية المفيدة، أو في الحؤول دون إيجاد المنتجات الثقافية المضرة! إن أهمية المنتجات الثقافية لا تقلّ عن البضائع الاستهلاكية الجسدية، بل هي أهم منها. وعلى سبيل المثال، يكرّرون التحذير من أكل رقائق البطاطس المقلية لضررها، ولكن كم هو ضررها، وما هو هذا الضرر، وما هي نسبته، وكم بالمئة من الناس يتضررون به؟ هذا ما يكرّرونه دوماً، ولكن لا أحد يجرؤ على التحذير من ضرر الفيلم الفلاني، أو الكتاب الفلاني، أو اللعبة الكمبيوترية الفلانية، وأمثال ذلك، لئلّا يُتهم بالوقوف أمام حرية المعلومات وحرية تداولها. صدّقوا أن أولئك الذين يُعتبرون هم الأساس في هذه الأمور، يتشدّدون أكثر منا في هذه القضايا. فإن أكثر مناطق العالم حرية في تداول المعلومات، افرضوا مثلًا: الدول الغربية ومنها أمريكا، ومع هذا فإن الأخبار الدقيقة والواضحة التي تصل من أمريكا في السيطرة على معلومات الأشخاص وتوجيه الأصابع إلى الأمور التي يتحسّس منها النظام، تثير تعجّب الإنسان حقاً؛ ونحن لم ولا نمارس هذا الضبط على المعلومات بمقدار عُشر ما هم يمارسونه. ورغم هذا، بمجرّد أن يُمنع بث فيلم هنا أو يتم تحديد أو إغلاق إحدى الشبكات الكمبيوترية، يعلو ضجيجهم وصراخهم، ونحن أيضاً نصدّق بأننا حقاً قد أخطأنا!

كلا، أيها السيد، يجب مراقبة هذه الأمور! إن واجبنا هو إنتاج الإصدارات الثقافية المفيدة النافعة، والحؤول دون المنتجات الثقافية المضرة. وإني أشعر بنوع من التسيّب واللامبالاة في هذا المجال، وهذا ما يجب عليكم أنتم أن تأخذوه بنظر الاعتبار، وأن تولوه الأهمية اللازمة..

فيما يخص السياسات..حسناً، أنتم كمجلس الشورى الإسلامي، مؤسسة ثورية؛ مجلس الشورى الإسلامي هو مؤسسة ثوريّة ومنبثقة من الثورة، ولذا يجب عليكم أن تعملوا بروح ثورية. يجب أن تكونوا ثوريين وتصمدوا وتبقوا ثوريين. علماً بأن للثورية صوراً وأشكالاً، وقد تحدثتُ قبل يومين في حرم الإمام قليلاً في هذا المجال9، إنْ كنتم حاضرين أو سمعتم الخطاب فستلتفتوا لهذا. وبالنهاية، إن للثورة ضوابطَ ومبانيَ. على كل حال، اِعملوا بشكل ثوري في تشريع القوانين وفي اتخاذ المواقف. اتخاذ المواقف أيضاً على نمطين: الأول اتخاذ المواقف الفردية التي تظهرونها في خطاباتكم، والآخر اتخاذ المواقف العامة. وللإنصاف فإن المجلس التاسع قد ترك سجلاً مشرقاً في هذا المجال. فلا بد من اتخاذ المواقف لمواجهة التيارات السياسية المعارضة للثورة والمعتدية عليها.

لا وجود "للتراجع"!
ااُنظروا على سبيل المثال إلی الكونغرس الأمريكي- لا شك في أن سلوك الحكومة الأمريكية معنا هو سلوك عِدائي بالكامل، وهذا ما أقوله لا عن عصبية أو عن ظن وتخمين، وإنما أقوله عن معلومات واضحة دقيقة، فإن الحكومة الأمريكية تتعامل مع الجمهورية الإسلامية تعاملاً عدائياً شديداً- ومع هذا فإن الكونغرس الأمريكي، يعترض على الحكومة قائلاً: لماذا تتعاملون مع إيران بهذا التساهل والمداراة! ويصدّرون القرارات باستمرار، ويتحدثون، ويفعلون ما يفعلون. ولكن من الذي يجب عليه أن يقف مقابلهم ويرّد عليهم؟ من الذي يتعيّن عليه أن ينزل إلى ميدانهم؟ ومن الذي يجب عليه أن يغلق أفواههم؟ إن العدوّ في الساحة السياسية يحسب لردود الأفعال حسابها. فلو أنه قال شيئاً ولزمتم الصمت، سيحسب بطريقة، ولو لزمتم الصمت وطأطأتم برؤوسكم أيضاً، سيحسب بطريقة أخرى، ولو لزمتم الصمت وطأطأتم برؤوسكم وهززتموها، سيحسب بطريقة مغايرة، ولو رفعتم رأسكم وواجهتم كلامه بكلام قوي، سيحسب بطريقة أخرى. فإذا شعر العدوّ أنكم من أهل الانفعال والتنازل والانسحاب، فإنه لا يتراجع. وفي عالم السياسة أساساً لا وجود "للتراجع"، العدو يتقدم دوماً ويضاعف أطماعه، وهذا ما تشاهدونه في شتى القضايا، ومنها في المفاوضات النووية الأخيرة، حيث باتوا دوماً يطالبون، ويطمعون، ويهدّدون، وأخذوا يكرّرون  نفس ما كانوا يقولونه ويكررونه باستمرار آنذاك بشأن الحركة النووية وتخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمئة وما إلى ذلك من أن خيار الحرب على الطاولة، وهذا ما نجده يتردد مجدداً على لسان رجال حكومتهم، وكذلك نواب مجلسهم، ومرشحيهم لرئاسة الجمهورية، فإن هؤلاء المرشَّحَين أو الثلاثة الذي بقوا في الساحة الانتخابية، يكررون أيضاً بأننا لو تسلمنا مقاليد الأمور، سنفعل كذا وكذا!

احذروا صدوع الزلازل!
هناك نقطة ينبغي للأعزاء أن يلتفتوا إليها جيداً، وهي أن لدينا في داخل البلد أنواعاً من الفوالق وصدوع الزلازل؛ صدوع قومية وأخرى عقائدية - كالسنة والشيعة علی سبيل المثال -، صدوع بين التيارات - كالتيارات الموجودة والتي تشاهدونها -، خطوط الفوالق هذه، ما لم يتم تفعيلها، لا يحدث زلزال، ولا إشكال في ذلك. فإن وجود الاختلافات لا إشكال فيه. ولكن إذا تم تفعيل هذه الصدوع، فإنه سيؤدي إلی وقوع الزلازل، مساعي العدو منصبّة على تفعيلها، فكونوا علی حذر. إنهم يعملون دائمًا علی إذكاء نيران الاختلاف لتأجيجها أكثر فأكثر، اسعوا لإفشال ذلك. فلتكن لكل واحد منكم عقيدته، وانتماؤه إلی التيار «ألف» أو التيار «ب» أو التيار الفلاني الآخر، لا بأس في ذلك. ولكن لا ينبغي أن يؤدي هذا إلی الاشتباك والتخاصم والمهاترة باللسان، وأحياناً تؤدي إلی الصراع بالأيدي،- «فإن الحرب أولها اللسان»10. الحروب كلها تبدأ بالتراشق الكلامي أولاً- فكونوا علی حذر لئلا يعمد العدوّ إلی تفعيل فوالق الزلازل تلك. هذه هي إحدی النقاط الهامة.

توافر الاستقرار؛ ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ
ولا إشكال مطلقاً في أن تُدلي أنتَ برأيك في المجلس بشأن القضية السياسية الفلانية وفق رؤيتك السياسية، والآخر بحسب سياسته، ولكن لا تجرّوا ذلك إلی إثارة الصراع والنزاع، وهذا بعينه ما أطالب به بين الحكومة وغيرها، كالحكومة والمجلس، والحكومة والشعب. إذ من الممكن أن يرفض الناس بعض سياسات حكومةٍ أو غالبيتها أو كلها، ولا بأس في ذلك. من ذا الذي لا يوجد لديه مخالف ومعارض ومنتقد؟ فإن لدينا بأجمعنا مخالفين ومعارضين ومنتقدين، ولا إشكال في ذلك. وإنما الإشكال في أن تُفضي هذه المعارضة إلی المشادات والمهاترات، واحذروا من أن لا يحدث هذا في المجلس، ولو حدث التوتر والتشنج في المجلس - كما حدث في بعض الدورات السابقة - لانسحب هذا على أبناء الشعب، ولساد التوتر والتشنج بينهم، ولو من الناحية النفسية. وأما إذا كان الهدوء والاستقرار هو الحاكم في المجلس، فإنه سينعكس علی الناس أيضاً، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ11. هذه هي خاصية السكينة، التي تعني الهدوء والطمأنينة الروحية وعدم التزلزل والاضطراب، حيث تؤدي   ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ، وتوفّر للمرء فرصة ازدياد إيمانه، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية.

تكلّموا وافضحوا وجه الاستكبار!
حسناً، إن العدوّ علی صعيد الرأي العالمي العام يحاول توجيه التهم لإيران الإسلامية، وعلی الصعيد الداخلي يسعی لتفعيل صدوع الاختلاف، وعلی الصعيد الإقليمي - في منطقة غرب آسيا- يسعى لإمرار مشاريعه الخطيرة والهامة في هذه المنطقة الحساسة، ويعمل على إزالة المانع الذي يعترضه، -وهو عبارة عن إيران الإسلامية التي تقف حائلاً دون تحقيق مخططاته- هذا ما يهدف إليه العدو. إن له مخططاته في العراق ومخططاته في سوريا ومخططاته في فلسطين وكذلك في لبنان. وقد ظهر ذات يوم في فلتات لسانهم اسم الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الحديث، وهذا ما ذكرته تلك السيدة التي كانت علی رأس سياستهم الخارجية قبل أعوام. وقد أخطأووا في إفصاحهم عن هذا الأمر. وهذا «الشرق الأوسط» علی حدّ تعبيرهم - وهو تعبير خاطئ ونابع بشكل كامل من الفكر والذهن الغربيّ المتكبر، بمعنی أن كل ما هو قريب من الغرب وأوروبا، يسمی الشرق الأدنی، وكل ما هو بعيد عنهم، يسمی الشرق الأقصی، وكل ما هو وسط هذا وذاك، يسمی الشرق الأوسط، أي أن المعيار أوروبا، وآسيا بكل هذه العظمة ليست معياراً- حيث عبّروا عنه بـ«الشرق الأوسط الكبير» و«الشرق الأوسط الجديد»، يدل علی أن لهم مخططاتهم في هذه المنطقة، والسبب في ذلك يعود إلی أن هذه المنطقة حساسة للغاية من جهات مختلفة، كوجود المسلمين والدين الإسلامي ووجود الكيان الصهيوني، وتوافر المصادر النفطية الهائلة، والممرات المائية الدولية الهامة -هنا مضيق هرمز، وهنا مضيق باب المندب، ومعابر أخری بالغة الأهمية في العالم، من حيث الجغرافيا السياسية، ومن الناحية الاستراتيجية- ولذا فإن لهم حساسيتهم تجاه هذه المنطقة، ولهم مشاريعهم ومخططاتهم، ويريدون إمرارها من دون أي عرقلة ومانع. والجمهورية الإسلامية قد نزلت إلی الساحة وحالت دون تحقيق مشاريعهم، فهم كانوا يريدون ابتلاع العراق، والجمهورية الإسلامية لم تسمح لهم بذلك، وهذا ما أثار استياءهم، وبدّد مشاريعهم. العراق بلدٌ ثريٌّ جداً؛ هل تعلمون؟ إنه بلدٌ غنيّ للغاية، وكان هدفهم ابتلاعه والسيطرة عليه، ليتمكنوا من خلال ذلك من تهديد إيران باستمرار. كما إنهم من جهة الشرق، كانوا يريدون التهديد بطريقة أخری. إلا أن سياسات الجمهورية الإسلامية وقفت حائلاً ومانعاً أمامهم، وهم يعملون على إزالة هذا المانع. وشبيه هذا سوريا ومثله في فلسطين أيضاً. هذه هي سياساتهم، يجب عليكم أن تقفوا في وجه هذه السياسات، افضحوا وجه الاستكبار، أعلنوا الحقائق المتوافرة أو التي تتوافر لديكم بشأن الاستكبار ونظام الهيمنة، تكلّموا واصنعوا الأجواء في خطاباتكم وفي مواقفكم العامة.

واحذروا..
وكونوا علی حذر لئلّا تصبّ أقوالكم وأعمالكم في خدمة الأهداف الأمريكية. هذا ما حدث أحياناً في الماضي، حيث تكلم نائبٌ في المجلس بكلمة، كانت تصب مئة بالمئة في خدمة أهداف الكيان الصهيوني. مئة بالمئة وليس تسعين بالمئة! وكأنه قد أُمليت كلماتهم عليه، وقام هنا بقراءتها. هذا ما حصل بالفعل ولو بشكل نادر؛ فاحذروا لئلّا تحدث مثل هذه الأمور.

لقد طال بنا الكلام، وليس من عادتي أن أتحدث كثيراً في هذه الجلسة. نسأل الله أن يوفقكم ويعينكم. وأنا بدوري أدعو لكم، كما طلب السيد الدكتور لاريجاني، فإني حقاً أدعو لكم أنتم السادة، من الإخوة والأخوات. وأسألكم أن تدعوا لنا أيضاً، لنتمكن من القيام بهذه المسؤولية الملقاة علی عاتقنا، وهي مسؤولية ثقيلة وليست بالحمل الخفيف.

اللهم! نسألك بحق محمد وآل محمد أن تهيّئ لنا موجبات رضاك، وأن توفّقنا لكسب مرضاتك، وأن تجعل قلب ولي العصر (أرواحنا فداه) مسروراً منا وراضياً عنا، وأن تحشر شهداءنا الأعزاء مع النبي.

والسلام علیکم ورحمة الله


1- سورة العصر، الآية 2، وجزء من الآية 3.
2- مصباح المتهجّد، ج ۲، ص ۵۹۲.
3- بيانه بمناسبة بدء عمل الدورة العاشرة لمجلس الشورى الإسلامي.
4- النهضة الدستورية
5- حسين بيرنيا.
6- حسن بيرنيا.
7- Spatial planning  نوع من التخطيط  والتقييم الشامل لأراضي البلاد والمناطق جغرافياً واقتصادياً واجتماعياً بهدف الاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية والبشرية لتقدم المجتمع.
8- خطابه في الذكرى السابعة والعشرين لرحيل الإمام الخميني 3-6-2016.
9- خطابه في الذكرى السابعة والعشرين لرحيل الإمام 3-6-2016.
10- شطر من بيت شعر (مع بعض الاختلاف)
11- سورة الفتح، جزء من الآية 4.

15-06-2016 | 12-37 د | 1390 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net