كلمة الإمام الخامنئي في لقاء حشد من طلاب الجامعات، في اليوم الثاني عشر من شهر
رمضان المبارك[1] 28/05/2018م
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفى
محمّد وعلى آله الطّیّبين الطّاهرين المنتجبين لا سیّما بقیّة الله في الارضين.
أتوجّه بجزيل الشكر للأعزّاء؛ الأخوة والأخوات الذين شرّفونا هنا، وبالأخصّ الذين
قاموا بإجراء هذا البرنامج؛ ومن المقدّم المحترم الذي أدار هذا اللقاء بشكل جيّد
جداً حتى هذه الساعة. الحمد لله؛ فقد كانت كلمات المتحدّثين الأعزّاء متنوّعة؛
شملَت المسائل العلمية والسياسية والاجتماعية كذلك. انتقاد، عتب، اعتراض، تأييد؛ من
كلّ شيء بحمد الله؛ لقاء طلابي جامعي بالمعنى الواقعي للكلمة.
بيئة جامعيّة مُفعَمة بالنشاط
بالطبع من مجموع هذه الأبحاث التي قدّمها الأصدقاء ــ الجامعيّون من
الشباب والشابات ــ هناك نقطة بارزة وقد لفتَت نظري، وهي أنّه على الرغم من كلمات
العتب والقلق وما شابه، فإنّ لقاءنا اليوم أظهر أنّ البيئة الطلابيّة هي بيئة
مُفعَمة بالنشاط والحيوية؛ على عكس ما يهدف إليه الأعداء. الأجانب يريدون والبعض
يُظهرون بأنّه "يا سيّد، الجامعة مكتئبة، الجامعة يائسة"؛ كلّا، إن الجامعة حيّة
وحيوية. نعم، أنتم لستم كلّ طلاب جامعات البلاد- لدينا أكثر من أربعة ملايين طالب
جامعي- ولا أقصد القول إنّ أربعة ملايين طالب في الجامعات يتمتّعون بهذه الروحية؛
أنا أعرف أن الوضع ليس هكذا. لكن هناك تيّار حيويّ فعّال ونشيط جدّاً في البيئة
الجامعية – لديه أفكار متعدّدة وذو اتّجاهات متنوّعة، لكن الجميع يتحرّك بدافع قوي
وإحساس بهويّة مؤثّرة – وهذا بالغ الأهمية بالنّسبة لي. فالطالب يشعر بأنّه يجب أن
يؤثّر ويترك تغييراً في القضايا المتعدّدة؛ فيقوم ويتكلّم ويعبّر عن أفكاره.
كثيرٌ من الانتقادات مقبول؛ للعمل على المُثُل العليا
حسناً، لديكم اعتراضات على كثير من قضايا البلاد والكثير من هذه
الاعتراضات واردة ومقبولة – وليست غير واردة – غاية الأمر أنّ هناك فرقاً بينكم
أنتم الشباب المفعمين بالحماسة وبيني أنا الذي عايشت الدهر طويلاً، وهو (ترجمة شعر)
"لقد بقيت طويلاً في هذه الدار القديمة حتى شيّبتني أحاديث "دي " و"بهمن""[2].
أنتم تقومون ببيان المُثل العليا والأهداف الكبرى براحة وسهولة، أنا العبد أرى
وألمس- عن تجربة- المسافة والفرق بين الوضع الموجود والمُثل العُليا على صعيد
الظروف والمـُعيقات؛ هذا هو الفرق فقط. نعم، الكثير من هذه الإشكالات واردة ومحقّة،
لكن رفع هذه الإشكالات ليس بهذه السهولة؛ إذ يتطلّبُ عملاً؛ وبذل جهدٍ ويحتاج إلى
مقدمات. ومن هذه المقدّمات المطلوبة نفس وجودكم هذا، أفكاركم وتفكيركم، عملكم
وكلامكم، وأنا هنا قد دوّنت بعض العبارات والمطالب، أستعرضها معكم ويمكن أن تساعد
في هذا المجال. بالطبع أنا سجّلت رؤوس أقلام، وإن شاء الله أتابع هذه النقاط؛ وخاصة
الأقسام المرتبطة بإدارتي أنا العبد؛ مثل القضايا المتعلّقة بالقوّات المسلّحة وما
شابه حيث تُطرح إدارة القائد؛ أي أنّ القائد يمارس الإدارة في مجال القوات المسلحة؛
والمسألة في هيئة الإذاعة والتلفاز ليست كذلك، في السلطة القضائية ليست كذلك. نعم،
القائد هو من يعيّن رئيس القوة القضائية، ولكنّه لا يُدير القوة القضائية؛ ينبغي
التفريق بين هذَين الأمرين. القائد لا يدير هيئة الإذاعة والتلفاز؛ وبالطبع أنتم
تعلمون بأنّني في مواجهة الإذاعة والتلفاز، لدي دائماً موقف انتقادي؛ سواءً للإدارة
الحالية أو للإدارات السابقة. لطالما كنت أنتقد أشياء وأموراً مختلفة؛ ومنها هذه
الأمور التي ذكرتموها في كلماتكم وهي في ذهني وأنتقدها دوماً. ولا يريد المديرون
بدورهم أن يعاندونا مثلاً؛ كلّا، إنّهم يريدون أن يقوموا بالمطلوب ولكن التنفيذ أمرٌ
صعب، المشكلة في الإجراء والعمل.
الشباب المؤمن الثوريّ في المؤسسات
العمل الأساسي المطلوب الذي يجب القيام به ،والذي ورد أيضاً خلال كلمات
بعض الاصدقاء، هو ضخّ وتعيين الشباب المؤمن والنشيط والمندفع والثوري في جسم هذه
المؤسسات. وإن شاء الله فهم ينوُوْن القيام بهذا العمل. أنا العبد؛ أكّدتُ على هذا
الأمر؛ سواءً بالنسبة إلى الهيئة العامة للإذاعة والتلفاز، أو لقسم من القطاعات
الأخرى؛ مثل مركز أئمّة الجمعة وغيره من المؤسسات الأخرى، وإن شاء الله ستتقدّم
الأمور على هذا المنوال.
اعلموا هذا الأمر جيداً؛ نحن نتحرّك ونتقدّم للأمام. حركتنا تتّجه للأمام من دون شك
ولا تردّد؛ والشواهد كثيرة. بناءً على هذا لقد سجّلنا تلك الملاحظات، وما هو متعلّق
بنا وبإدارة القيادة نفسها، إن شاء الله سنتابعها؛ لقد جرى الاعتراض على نظام خدمة
العلم بشكل كلي، لا أعرف تفاصيل الاعتراض، فليرسلوا تقريراً وأنا أتابع الموضوع؛
وكذلك بعض المسائل في القطاعات الأخرى.
أصل القضية هو هذا؛ أن تحافظوا أنتم على هذه الروحيّة والأحاسيس والدوافع. أن يكون
لديكم هذا الاندفاع لمثل هذا الحضور؛ فإنّ أمَلَنا في هذه الخصائص.
إدارة الغد بأيديكم؛ مع الانتقادات؛ لقاءاتنا بُشرى!
حینما أقول وأكرّر بأنّ المستقبل لكم، وإنّكم يجب أن تعدّوا أنفسكم
لإدارة الغد، فهذه العبارات ليست مجاملات، ليست مزاحاً، هذه حقيقة وواقع. بالطبع؛
يجب أن تنتبهوا وتراقبوا أنفسكم لتتقدّموا في مسيركم على هذا الصراط المستقيم؛ أي
أن تحافظوا على هذا الدافع. كان هناك الكثير من الأشخاص والآن هناك الكثير أيضاً،
ممّن يتكلمون يوماً بحماسة واندفاع وإحساس، ثمّ يتغيّرون بعد ذلك في ظروف أخرى؛
احذروا أن تصيبكم هذه الحالة. فالحركة هي حركة مستمرّة، لا تعرف التعب، تعتمد على
العوْن الإلهي وتأمُلُ بالثواب الإلهي؛ تحرّكوا هكذا وعندها فإنّ حركتكم ستبقى
وتستمر في الاتجاه الصحيح. وحينها سيكون غدُ هذه البلاد بأيديكم، أنتم الآن تنتقدون
الأوضاع، وسيكون الغد جيّداً مشرقاً؛ حين تنطلقون بهذه الدوافع، فلا شكّ بأنّ الغد
سيكون أفضل. فالنتيجة ممّا تقدم حتى الآن، ومع أنّنا نجد الانتقادات والاعتراضات
والعتب في كلماتكم، إلّا أن هذا اللقاء يحمل في مجموعه بشارة كبرى، بُشرى عظيمة،
أملاً كبيراً جداً؛ فهو يظهر بأنّ شبابنا – وبالحدّ الأدنى تيّار من شبابنا الجامعي-
يتمتّعون بدافع وإيمان وغيرة وعزم وهمّة للعمل والحركة. هذا أمر جيد جداً؛ إنّ
لقاءنا هذا يحمل هذا المعنى. فلينظر أولئك اليائسون من المستقبل بهذا [المنظار] إلى
هذا المشهد وهذا الوضع، وليصحّحوا نظرتهم وأفكارهم بناءً على هذا. حسناً، أودُّ أن
أطرح بحثاً معرفيّاً، للتأكيد على تلك النقطة التي طالما كرّرتُها، وهي عبارة عن
البقاء في الحالة الثوريّة والتحرّك بثوريّة. أستعرض هنا بياناً معرفيّاً حول هذه
القضية. كذلك لدي مطالب حول المسائل الطلابية والجامعية والمنظّمات الطلابيّة وما
شابه، سأطرحها إن شاء الله إن سمح الوقت.
إنّ الثورة كانت لإسقاط النظام؛ تفكير خاطئ
من بدايات الثورة؛ كان يوجد بين العناصر الثورية بعضٌ ممّن لديهم تفكير
خاطئ، وهو أنّ الثورة مطلوبة فقط لغاية إسقاط نظام وتأسيس نظام جديد؛ وحين يقام
نظام وتستقر المؤسسات والأنظمة والبيروقراطية وما شابه، فلا حاجة عندها للثورة،
ولتذهب إلى غير رجعة! فلا حاجة للثورة بعد الآن؛ وهؤلاء يفسّرون الثورة بأنّها
توتُّر وصراع وضجيج وأعمال غير قانونية و.... هذا التفكير ليس وليد اليوم، بل كان
موجوداً عند البعض منذ البدايات ويوم انتصار الثورة؛ هذا تفكير خاطئ.
مراحل الثورة الأربعة
إنّ للثورة مراحل؛ ما حدث في العام 57 ه. ش(1979م)، هو المرحلة الأولى
للثورة، وهي انفجار هائل في وجه نظام طاغوتي باطل وسيّئ، ومن ثمّ إيجاد نظام جديد
قائم على أساس المُـثُل العليا والقِيَم الجديدة، نظام يحمل لغة وتعابير ومفاهيم
جديدة؛ كانت هذه المرحلة الأولى من الثورة. في المرحلة الثانية، يجب على هذا النظام
أن يحقّق هذه القِيَم؛ هذه القِيَم والمُثل العليا والأهداف الكبرى التي سأشير إلى
بعضها خلال كلامي، يجب أن تتحقّق في المجتمع. إذا كان لهذه القيم أن تتحقّق عملياً،
فهناك حاجة إلى جهاز إداري، وهو ما سیکون الحکومة الثوریة، وعليه فإنّ المرحلة
التالية للنظام الثوري هي إيجاد حكومة ثوريّة. وهي الحكومة التي تؤمّن مؤسّساتها
وقطاعاتها من صميم القلب بالثورة وتتحرّك باتجاه مسير الثورة. وبعد أن تقوم هذه
الحكومة الثورية، ينبغي أن تتحقّق كلّ هذه المُثل العليا والقِيَم والآمال الثورية
الكبرى المطروحة، في المجتمع بواسطة الإجراءات والتنفيذ الجيد – قانون جيد وتطبيق
جيد- وعندها سيتحقق المجتمع الثوري؛ إيجاد المجتمع الثوري هو المرحلة الرابعة.
حركة ثورية، نظام ثوري، حكومة ثورية، مجتمع ثوري؛ هذا رابعاً. عندما يتحقّق المجتمع
الثوري، ستتهيّأ الأرضيّة اللازمة لإيجاد الحضارة الثورية والإسلامية. وأنا الآن قد
استخدمت تعبير" ثوري" ويمكنكم استبداله بتعبير "إسلامي"، أي إنّ الحكومة الإسلامية،
المجتمع الإسلامي، الحضارة الإسلامية؛ هذه هي المراحل المطلوبة.
لا توقُّف للثورة؛ في صيرورةٍ دائمة!
وبناءً على هذا؛ فإنّ الثورة لا تنتهي، الثورة مستمرّة دائماً، الثورة
لا تتوقّف. توجد هناك صيرورة؛ صيرورة تعني تغيّراً دائماً، تحوُّلاً دائماً؛ في
مسيرة الثورة يوجد صيرورة دائمة مستمرة. وهذه الصيرورة الدائمة تحقّق وبشكل تدريجي
تلك المُثل العليا والأهداف الكبرى والقِيَم السامية في المجتمع.
حسناً، ما هي هذه المُثل العليا؟ سأذكر هنا ستة أو سبعة من هذه الأهداف الكبرى
والمُثل العليا؛ بالطبع هذه ليست كلّها بل بعضها.
أولاً، العزّة الوطنية؛ وهي أحد مُثل الثورة؛ [هو] أمر بالغ الأهمية! العزّة
الوطنية تعني الشعور بالافتخار الوطني، وأن يكون هذا الافتخار ناشئاً من حقائق
الواقع، من وقائع موجودة في المجتمع وعلى الأرض، ولا يعتمد على الأوهام والتصوُّرات
الذهنيّة؛ وإلّا فإنّ هناك في بعض الأحيان شعور افتخار بحكومة "كيان" و[سلالة]
"الهخامنشيين[3]" وأمثالهم؛ وهذه تصوّرات واهية وتوهُّم، هذا ليس فخراً ولا عزّة.
العزّة الوطنيّة هي الشعور بالافتخار المعتمِد على الواقع؛ هذا أمرٌ بالغ الأهمية.
هذه العزّة الوطنية هي من جملة أمور، إذا زالت واندثرَت في بلد من البلدان، فإنّ
هوية ذلك الشعب ستزول ويتمّ القضاء عليها؛ وبعدها لن تقوم لهذا الشعب قائمة.
ثانياً، الثقة الوطنية بالنفس؛ وأنا العبد قد عرضْتُ في السابق بحثاً مفصّلاً ، في
السنوات الماضية وأمام حشود جماهيرية كبرى، هذه المسألة. وقلتُ بأنّ هذه الثقة
الوطنية بالنفس تُغلق باب التبعية. إذا وجدت هذه الثقة بالنفس، فلن يشعر الشعب
بالحاجة للتبعية والارتهان للخارج، بل إنّه سينفُر ويتجنّب التبعية للآخرين.
[ثالثا]؛ الاستقلال السياسي، الاستقلال الاقتصادي، الاستقلال الثقافي؛ هذه من
المُثل والأهداف العليا لأيّ شعب؛ فإذا وجد الاستقلال- وكل من الاستقلال السياسي
والثقافي والاقتصادي له مجاله الخاص والكبير- فإنّ ذلك الشعب لن يكون مجبوراً على
تحمُّل هيمنة وتسلط المستبدّين والطامعين في العالم. الاستقلال هو من الأُمنيات
والآمال الكبرى.
[رابعًا]؛ الحرية، حرية الفكر، حرية البيان، حرية العمل. وبالطبع؛ فإنّ أحد
الأعزّاء قد تحدث وقال عبارة عن الحرية وهي صحيحة بشكل كامل. إنّ الحرية هي من
المقولات التي تحتاج حتماً إلى قانون وإلى إطارٍ خاص؛ لأنّ طبيعة الحرية هي أنّها
تتجاوز الحد إنْ لم يكن هناك قانون وإطار محدّد، حينها ستتعدّى حدودها وستنجرّ إلى
الاعتداء والفوضى والتسيّب وتصل إلى أماكن سيئة. وأنتم حاليّاً تشاهدون نماذج من
هذا الوضع في الغرب.
إن لم توجد حرية فلن يحدث رشد ونضج. إن لم يكن هناك حرية فكر وحرية بيان وحرية عمل
في المجتمع، فإنّ رُشد هذا المجتمع سيتوقّف. إنّ رشد المجتمع – الرشد المعنوي
للمجتمع- وتقدّم المجتمع، بحاجة من دون شكّ إلى هذه الحريات.
[خامسا]؛ إقامة العدالة، رفض التمييز، مواجهة الفروقات الطبقية؛ هذه من الآمال
العظمى. وفي الأصل، إنّ إقامة القسط والعدل هي المسألة الأساسية والهدف الرئيسي
للأنبياء: "ليقوم الناس بالقسط"[4]. ونحن أيضاً نسير في طريق الأنبياء، إنّنا ننتهج
سبيل الإسلام وخطّ الأنبياء. بناءً على هذا، وبشكل قطعي، العدالة هي من أهم، بل
لعلّه يمكن القول إنّها المثل الأعلى والهدف الأسمى والقيمة الكبرى التي نسعى
لتحقيقها. والعدالة لا تتحقّق بالكلام. بالطبع إنّ العدالة أمر صعب؛ إقامة العدالة
هي من أصعب الأعمال والمـَهمّات.
[سادسا]؛ التقدُّم المادي والحضاري ببركة العلم والتقنية؛ من هذه المُثل والأهداف
الكبرى أيضاً. أي أن ينجو البلد من التخلف.
[سابعا]؛ من المُثل العليا الأخرى، رُشْدُ أخلاقيات العِشْرة، أن تكون علاقات الناس
ومعاشرتها أخلاقية. وتتمثّل في الرحمة والإيثار والتعاون والمساعدة وأمثالها. رُشد
هذه الأخلاقيات ونموّها يرتبط بمعاشرة الناس لبعضها البعض في المجتمع.
إعداد الأجواء لرُشد المعنويات والتحرّر من عبودية الشهوة والغضب لدى الأفراد
اللائقين؛ هذه من أعلى الأمنيات والآمال التي يتمّ الغفلة عنها غالباً! يجب أن تصل
الأجواء لمستوى يمكن للأشخاص المستعدّين من ذوي اللياقة أن يتحرّكوا في هذه
الفضاءات، فينمو أمثال الحاج ميرزا علي القاضي وأمثال العلامة الطباطبائي والشخصيات
البارزة بهذا الشكل. [هؤلاء] من الأفراد المـُتعالين والراقين الذين استطاعوا أن
ينطلقوا من هذا الجو المادي ويتساموا ويحلّقوا للأعلى. يجب إعداد الأجواء لهذا
الرُّشد والسموّ المعنويّ. بالطبع؛ لا نمتلك كلّنا مثل هذا الاستعداد، ولكن يوجد
بيننا من لديهم الّلياقة لهذه الحركة، وخاصة في مرحلة الشباب.
قال له: أنت عبد عبيدي؛ فكيف أقِفُ لك!
في تلك الحادثة المعروفة عن "ديوجانس" الحكيم[5]، حيث خاطب الاسكندر:
أنت عبد لعبيدي! كان الإسكندر يسير على طريق وكان الحكيم جالساً، فلم يلتفت له ولم
يَقُم احتراماً. انزعج الإسكندر وقال لحراسه: اُنظروا من هو هذا؛ أحضروه؛ سأله
لماذا لم تقِف احتراماً لي؟ قال: ليس عندي أيّ سبب لأقوم لك، فأنت عبد لعبيدي! قال
الإسكندر: ماذا تعني؟ أنا الإسكندر عبدٌ؟ قال : نعم، الشهوة والغضب هم عبيدي وتحت
تصرّفي، وأنت عبدٌ للشهوة والغضب، فأنت عبدٌ لعبد! الإنسان المطلوب [المنشود] هو
الذي يتمكّن من النجاة من عبوديّة الشهوة والغضب. حسناً، هذه مُثل عُليا وأهداف
كبرى.
الأصل أن نبقى ثوريين؛ والمدى الطويل
من البديهي أنّ هذه المُثل والغايات لا تتحقّق على المدى القصير؛ إذا
أردنا أن تتحقّق هذه الآمال في المجتمع، فالمطلوب حركة على المدى الطويل. ماذا يعني
هذا ؟ يعني حياة الثورة. اُنظروا! حينما نقول علينا أن نكون ثوريّين ونبقى ثوريّين،
فهذا هو المعنى المقصود. إذا استمرّت الثورة وتابعت مسيرها، سيكون مُمكناً تحقّق
هذه المُثل العليا؛ إذا تلازم هذا الاستمرار مع الوعي والذكاء ودقّة النظر وما شابه،
فسيكون تحقّق المُثل والاهداف الكبرى حتميّاً ومؤكّداً. لكن، إن وصلنا في منتصف
الطريق إلى هذه النتيجة، بأنّه لا حاجة للثورة بعد الآن، فمع التشكيلات الرسمية
والبيروقراطية، لن تتحقّق تلك الأهداف. فهل قمنا بالثورة في الأساس، لنقضي على
أولئك الحكام، وتصبح الدولة والحكم بأيدينا؟ هل قُمنا بالثورة لنأخذ الحكم؟ أولئك
الذين كانوا يكافحون، الذين ذاقوا ألَم سياط التعذيب، الذين دخلوا الزنازين، ما لم
يفكّروا به ولم يكن يخطر على بالهم، أن تنتصر هذه الثورة في يوم من الأيام ويصبحوا
مثلاً وزراء ومديرين عامّين ورؤساء وقادة وما شابه؛ كانوا يتحرّكون للوصول إلى هدف
ويبذلون جهودهم من أجله. ولم يكن الهدف أن يقوم البعض بتسليمنا الإدارة، فنبدأ نحن
مثلاً بتولّي الإدارة، وغاية الأمر أنّهم كانوا سيّئين، ولكن نحن جيّدون! لو كان
الأمر كذلك لم نكن لنبقَ جيدين؛ الإنسان لا يبقى جيداً بهذا الشكل. بناءً على هذا،
يجب على الثورة أن تستمر وتكمل طريقها. اُنظروا! أنا أقدّم استدلالاً عقليّاً بأنّه
على الإنسان والمجتمع أن يكون ثورياً ويبقى ثورياً وأن يتحرّك بشكل ثوري، وبالطبع
فإنّ لهذا الأمر مُستلزمات؛ الحركة الثورية تحتاج إلى مُستلزمات ضرورية.
تقدّمنا وما زلنا نتقدّم في مختلف المجالات
وبالطبع فأنا أقولها لكم؛ أنا العبد لديّ اطّلاع على قضايا البلاد.
والحال أنّ البعض يقول بأنّ فلاناً تتحكّم بمعلوماته أقنِيةٌ خاصة وما شابه؛ كلّا،
الأمر ليس كذلك؛ أنا العبد، أطّلع على التقارير- تقارير رسمية وتقارير غير رسمية –
وكذلك لدي تواصل مع الناس بطرق مختلفة، لدينا علاقات شعبية ومكتب تواصل شعبي. أنا
مطّلع على قضايا المجتمع إلى الحدّ الذي يمكن لشخص مثلي أن يطّلع. وأنا العبد أعتقد
بأنّنا قد تقدّمنا للأمام في كلّ المجالات والمُثل التي ذكرتها واستعرضتها. أن يأتي
شاب إلى هنا ويقف ليقول " أيها السيّد، الوضع سيئ جداً، القضية الفلانية والفلانية،
نحن نتراجع للوراء"، أنا أدرك أحاسيسه وأؤيّد تلك الروحية، ولكنّي لا أوافق على
كلامه أبداً، الوضع ليس هكذا؛ أنتم لم تشاهدوا النظام الطاغوتي، ولم تشهدوا كذلك
أوضاع أوائل الثورة. نحن اليوم قد تقدّمنا وخطَوْنا للأمام في كلّ المجالات وكل
المُثل والأهداف التي ذكرتُها وعدَدتُها. بالطبع؛ كنت قد قلت سابقاً بأنّنا ما زلنا
متخلّفين في مجال العدالة، لكن هذا لا يعني بأنّنا لم نتقدّم؛ بل معناه أنّنا لم
نتقدّم بالمقدار المطلوب والواجب تحقيقه؛ وإلّا فإنّنا في قضية العدالة قد تقدّمنا
أيضاً.
لا للتأييس؛ فرق من الأرض للسماء!
أنتم لا تعلمون ماذا كان يجري في هذه البلد! حسناً، نحن عشنا وكنّا في
مثل أعماركم، شهِدنا أيّاماً صعبة وشاقّة. لقد تحدّث الآن هذا السيد من سيستان
وبلوشستان. حسناً، أنا عشتُ لفترة في سيستان وبلوشستان، لقد اختلف وضع سيستان
وبلوشستان من سنة 56 و57 (1978 و79م) حين كنت هناك مع وضعها الحالي من الأرض للسماء.
لقد قال بأنّه ليس لدينا هواء؛ ماذا يعني ليس لدينا هواء؟ يعني أنّ هناك غباراً
وعواصف رملية في زابل، كلّ سنة يمرّ ثلاثة أو أربعة أشهر بهذا الشكل؛ ما يقوله صحيح؛
هذه كانت ولا تزال واحدة من مشاكل هذه المنطقة؛ في ذلك الزمان كان الناس في شقاء
وتعاسة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى! بعد الثورة، تمّ إنجاز أعمال كثيرة؛ حيث
قُدّمت خدمات كبرى وشهِدنا تقدّماً؛ ليس في سيستان وبلوشستان فقط، بل في كلّ أنحاء
البلاد؛ لقد تحقّقت إنجازات عديدة في مجال العدالة.
الحرية في أوسع مداها!
أنتم وللأسف لا تطالعون الكتب ولستم من أهل قراءة الكتب[6] أنا العبد
قارئ للكتب، أطالع الكثير من الكتب، وحقّاً، أودّ من كلّ قلبي أن تقرأوا الكتب أيها
الشباب. في تلك التقارير لمذكرات "علم مع الشاه"[7]؛ حيث نقلتُ قبل أيّام أمراً
أيضاً من تلك المذكّرات[8] يعترض محمد رضا شاه على "علم" قائلاً إنّ الفرق بين الحد
الأدنى للأجور والحد الأعلى هو مئة ضعف! هذا اعتراف على لسان محمد رضا شاه؛ الفرق
مئة ضعف! اليوم مثلاً يجري الحديث عن اثني عشر أو أربعة عشر ضعفاً، وبالطبع فهذا
الفارق أيضاً كبير جداً، ولكن في ذلك الزمان كان مئة ضعف. كنا قد شاهدنا في الواقع
أشياء لا يمكن وصفها، من أوضاع الناس والشقاء الذي كانوا يعيشونه، وضع الحرية؛ الآن
يعترض البعض قائلاً إنّه لا يوجد حرية! وإنّه لماذا لم يستطع فلان أن يحضر على
التلفاز ويطرح المسألة الفلانية؟ كلّا، هذا ليس دليلاً على عدم وجود الحرية. حسناً،
لو تمكّن أن يأتي ويعبّر عن موقفه لكان أفضل، نعم، ولكن هل يمكن مقارنة هذا مع
مرحلة ما قبل الثورة؟ كان لدينا صديق من أولئك العلماء المناضلين، وكان قد فرّ إلى
باكستان وقضى فترة هناك؛ جاء مرّة إلى مشهد وتحدّثنا معاً، كان يقول أنّه مثلاً في
إحدى الحدائق العامّة في إحدى المدن الباكستانية كنّا نسير ونوزع هذه البيانات؛ قلت
له متعجّباً: بيان في حديقة عامة؟! كان من غير الممكن لدينا مجرّد تصوّر توزيع
بيان في مكان عام؛ كانت الأجواء هكذا في الواقع. على سبيل المثال انظروا إلى مقالات
ناقدة في صحيفة ما – وفي الفضاء الافتراضي هناك انتقاد إلى ما شاء الله – وحتى في
برامج الإذاعة والتلفاز- والذي اعترضتم الآن بأنّه لماذا لا يوجد انتقاد – فإنّ
المسؤولين الرسميين هم بالعكس منكم، يأتون إليّ أنا العبد ويشتكون بأنّ أخبار[9]
20:30 تقول كذا وصرّح فلان بكذا[10]. إنّهم يشتكون مراراً وتكراراً في الواقع، أي
إنّهم يشتكون لي من هذا الوضع؛ والحال أنّكم تشتكون في المقابل وهم يشتكون من الجهة
الأخرى! كلمة واحدة ممّا يقال في أخبار 20:30 وفي برامج الانتقاد في الإذاعة
والتلفاز وفي المناظرات وسائر التصريحات، لو كانت قد كتبت على ورقة في ذلك الزمان،
فهل كان ليجرؤ أحد على حملها بيده؟ لكانوا لاحقوه، وإن وجدوه أحالوا حياته جحيما؛
لقد ذكرت في إحدى المرات، ولا متّسع من الوقت الآن، الوقت ينقضي بسرعة[11] هكذا
كانت الأوضاع والأحوال.
وفي العلوم والتقانة؛ تقدّم كبير
وبناءً عليه، هذه هي النتيجة – وأريد أن أقول هذا – لقد تقدّمت الثورة
وخطّت للأمام في جميع المجالات التي ذكرتها، أي القِيَم والمُثل والآمال الكبرى.
ومثال على هذا ما تشاهدونه في مجال العلم والتقنية. والآن مثلا قال أخونا هذا:
إنّني في "مؤسسة رويان" (لأبحاث الاستنساخ). "رويان" هي نموذج، حيث قام بعض الشباب
المثابرين والمـُجدّين بدراسة وتعلّم مسألة الخلايا الجذعية وأدخلوها إلى البلاد
وأسّسوا لصناعة إنتاج الخلايا الجذعية وتكثيرها، في وقت لم تكن موجودة إلّا في
ثلاثة أو أربعة بلدان فقط. لقد استطاع هؤلاء الشباب أن يحقّقوا هذا الإنجاز؛ وهكذا
كان الأمر في المجالات الاخرى؛ يوجد العديد من هذه النماذج وحالات التقدّم الصناعي
والعلمي والتقني. وعليه فهناك تقدّم قد حصل.
ولا يكن الامر بأن نقوم بأنفسنا بتعقيد الأمر على أنفسنا، فنقول " أيها السيد، لا
فائدة من كل هذا، لنتقدّم ولا يمكننا أن نتقدّم!"؛ كلّا، لقد تقدّمنا، وإن شاء الله
سنتقدّم اكثر فأكثر؛ هذا العمل، هو عمل جديّ؛ فلا نصوّر الأمر على أنّه كالجّادة
ذات الاتّجاه الواحد المغلق. إنّ امامنا جادّة وبمقدورنا أن نتحرّك؛ وخاصة بواسطة
الإمكانات التي يتمتّع بها البلد؛ موارد بشرية ومصادر طبيعية، تكلمت عنها بالتفصيل
في ذلك اللقاء مع المسؤولين[12] وشرحت إمكانات وطاقات البلاد في المجالات المختلفة.
حسناً هذه نقطة. والآن يجب أن يستمر المسير ويتابع بقوّة وشدّة أكبر، أي أنّنا لا
نقنع بهذا الحد فقط.
عوامل مساعدة؛ ومعيقات في الطريق
هناك عوامل موجودة وتساعدنا، وهناك معيقات أيضاً وينبغي لنا الانتباه
إلى هذه المعيقات.
الدولة هي من العوامل المساعدة، الدولة هي من عوامل التقدّم نحو هذه الآمال، أي
الدولة الثورية، النظام الثوري، الحكومة الثورية من هذه العوامل. فإذا حدث خلل فيها،
ستقع مشكلة في المسير بالتأكيد. يجب أن تقوموا بما من شأنه أن يجعل حركة البلاد
والحكومة – حين أقول الحكومة أقصد بها المجموعة المديرة للشأن العام- ومسؤولي
البلاد، حركة ثورية كي تتقدّم هذه المُثل والأهداف.
الفئات المؤثّرة؛ - الفئات العلمية، الفئات الاجتماعية بما تشمل من جامعيين
وحوزويّين وعلماء وفنانين – ينبغي عليها أن تكون فعّالة نشِطة في هذه المجالات.
وطاقات الشباب؛ أي مجموعتكم، حيث إنّ عناصر الشباب هي الرائدة المتقدمة؛ هم في
الواقع يقومون بدور القاطرة، التي عندما تتحرّك، تتحرّك مقطورات القطار خلفها بشكل
طبيعي. بالطبع، إذا قام الشباب بالمهام المطلوبة منهم بشكل صحيح.
ثلاثية "الأمل والعزم والتخطيط"؛ والتأييس عمل عدواني!
والمطلوب بالطبع روحية "الأمل والعزم والتخطيط" – هذه الثلاثية – أوّلا
ينبغي أن لا تفقدوا أملَكم أبداً. أن يتمّ ضخّ اليأس بشكل دائم في المجتمع – وهذا
يجري الآن- فهذا عمل عدواني؛ والحال أنّ من يقوم بهذا قد لا يكون عدوّاً، ولكنّه
يقوم بعمل عدواني، حين يقول "أيها السيّد، لا فائدة من كلّ هذا، كلّ شيء فوضى بفوضى".
كلا، هذا عمل عدواني. إنّ "الأمل" هو شرط لازم؛ وهو أحد الشروط. وكذا "العزم"،
الإرادة واتّخاذ القرار- يجب اتّخاذ القرار، هذه الأعمال يلزمها قرارات- ومن ثم "التخطيط"؛
فمن دون تخطيط لا يمكن إنجاز العمل؛ عليكم امتلاك هذه الثلاثية.
المعيقات؛ داخلية وخارجية!
وكذلك؛ فإنّ هناك مُعيقات [موانع]؛ بعض هذه المـُعيقات داخلية عندنا؛
والحال أنّ البعض يقول بأنّ فلاناً يلقي بكل المشاكل والاشكالات على عاتق أميركا
وغيرها! وبالتأكيد لعنة الله على أميركا وبريطانيا الخبيثتان، هما سبب الكثير من
مشكلاتنا. لكن كلّا، إنّني أُرجع أغلب الإشكالات إلينا. نحن بأنفسنا. أغلب المعيقات
هي معيقات داخلية؛ وهؤلاء الأعداء يستغلّون هذه المعيقات الداخلية؛ هناك مُعِيقات
داخلية.
أحدها عدم فهم القضية بشكل صحيح؛ عدم فهم قضايا البلاد وقضية البلاد، وقضية الثورة؛
وهذا يوجب عليكم أنتم الطلّاب وأهل الفِكْر أن تعملوا على حلّ هذه المسألة.
لقد قال لي أحد الأخوة الأعزّاء "أوصوا أهل الفكر بأن يعملوا مع طلّاب الجامعات".
نعم، بالطبع هذا ضروري ومطلوب، سواءً من الحوزة أو من الجامعة، ابحثوا عن الأفراد
المؤمنين الثوريين من أصحاب الفكر وتابعوهم، وكذلك فكّروا أنتم. وعليه؛ فإنّ عدم
فهم القضية بشكل صحيح هو أحد المعيقات.
[وثانيها] عدم فهم البيئة بشكل صحيح؛ هذا من معيقات العمل. البعض لا يعرف الواقع
والجو بشكل صحيح؛ عندما لا نعرف البيئة، سيزيد احتمال الخطأ والاشتباه؛ حين لا يعرف
المقاتل أين هو موقعه وأين يوجد العدو، أين هم الحلفاء، فمن الممكن أن يوجّه سلاحه
نحو القوات الصديقة ظنّاً منه أنّ العدو هو من يطلق النار؛ يجب معرفة البيئة
والواقع المحيط، يجب رؤية الاصطفاف على الجبهات والتعرّف إليها بدقّة. بعض الأعمال
التي يقوم بها البعض، شبيهة بما ذكرته من شخص يغلب عليه النعاس فينام في المتراس،
ثم يستيقظ فجأة ويسمع أصواتاً وانفجارات، فلا يعرف العدو من أي جهة ولا الحليف،
يقوم هكذا وبشكلٍ اعتباطيّ ويوجّه سلاحه أو مدفعه أو بندقيّته إلى جهة ما.
وبالمصادفة تكون جهة القوات الصديقة ويبدأ بإطلاق النار. عمل البعض شبيه بهذا الوضع!
لا يفهم هو في حرب مع من وضدّ من؛ وعليه فإنّ معرفة البيئة المحيطة ذات أهمية كبيرة.
من المعيقات، ضعف الإرادة؛ وكذلك الكسل هو واحد منها، قلة الصبر؛ يا عزيزي! هذا
الغذاء لا يصبح طعاماً جاهزاً للأكل بمجرّد وضعه على النار! لابدّ أن تصبر لكي ينضج.
هذا ما يحدث أحياناً؛ بعض الأنشطة التي يقوم بها الثوريون الطيبون من الأخوة
والأخوات في بعض الأماكن ناتجة من عدم صبرهم! الصبر مطلوب؛ والصبر هو أيضاً من
الخصال الثورية. نعم، نحن لدينا غضب ثوريّ، ولكن لدينا أيضاً صبرٌ ثوري. مظهر
العدالة الأكمل والأتم هو أمير المؤمنين، لا يوجد من هو أعدل منه، ولكنه قد صبر في
مواقف كثيرة؛ أنتم ترَوْن وتعرفون تاريخ حياة أمير المؤمنين وسيرته. حيث يقول :
فَصَبَرتُ وفِی العَینِ قَذًی وفِی الحَلقِ شَجا[13]؛ وفي موقف آخر يصبر في مقابل
ضغوط الخوارج في حرب صفين ويسلّم بالتحكيم. وعليه؛ فإنّ الصبر ضروري ومطلوب في
أماكن ومواقف؛ يكون الصبر أحياناً من باب العجز وقلّة الحيلة، وفي أحيان أخرى، كلا،
ليس عجزاً، بل هو موقف؛ مطلوب وضروري أن يتحلّى الإنسان فيه بالصبر.
من المُعيقات أيضاً، الالتهاء بأشياء مدمّرة ومخرّبة ومضلّة؛ مثل الاختلاف حول
مسائل لا معنى لها ولا قيمة. اختلافات صغيرة وذرائع واهية، تتعاظم لتصبح أحياناً
سبباً لاختلافات كبرى؛ مثل المسائل الهامشية. أعتقد بأنّي أشرْتُ في العام الماضي،
في مثل هذا اللقاء أو في لقاء مماثل في شهر رمضان، إلى مسألة هامشية كانت مطروحة في
ذلك الوقت. وأرى اليوم بأنّ الهامش يأخذنا ويشغلنا به أكثر من المتن الأصلي! قضية
الفضاء الافتراضي هذه؛ وشبكة التواصل الفلانيّة وما شابه؛ كلّ هذه مسألة هامشيّة.
حسناً، هناك عمل يجب أن يتم، وهناك عمل يجري القيام به؛ هذا التعامل الإفراطي
والمبالغة فيه – من هذا الطرف بشكل ما ومن ذلك الطرف الآخر بشكل مختلف- هذه حواشٍ
على الهامش؛ وغفلة عن العمل الأساسي المطلوب. بناءً على هذا، هذه مُعيقات داخلية.
أما المعيقات الخارجية؛
وكذلك فإنّ لدينا معيقات خارجية. أهمّها؛ ضخّ اليأس، تلقين العجز وما
شابه، حيث [يطلقون شعارات] "لا يمكن، لا فائدة، وأنتم لا تقدرون"، حالياً وبشكل
متكرّر- وكما تقولون أنا لا أريد استخدام تعابير أجنبية، ولكنّي مضطرّ هنا – يتمّ (
pompage) "ضخّ" هذه المفاهيم بشكل دائم؛ الشعور باليأس وكذلك الشعور بالعجز.
التبيين الكاذب، يقومون بتبيين قضايا، على خلاف الواقع وعكس الحقيقة. تحريف الحقائق
التاريخية؛ بالطبع لا يختص هذا الأمر بهذه الأيام فقط، منذ عدة سنوات هناك حركة
مؤذية قد بدأت بتطهير النظام الطاغوتي والنظام البهلوي. وليت هناك ما يمكن تطهيره!
لا شيء قابل للتطهير؛ هؤلاء أنفسهم الذين يكتبون أشياء يحاولون فيها تزيين تلك
الشخصيات، ولكنّهم في بعض الأحيان مضّطرون للاعتراف ببعض الأشياء. نظام فاسد وفي
الوقت نفسه كان نظاماً ضعيفاً ومنحرفاً، وتابعاً للخارج أيضاً. نظامٌ غير شعبي بشكل
بارز، وكانت شخصياته تسعى للنفع الشخصي بشدّة، هل يمكن الدفاع عنه؟ هل يمكن الدفاع
عن" هويدا"[14]؟ هل يمكن الدفاع عن "محمد رضا"؟ كل هذا ليقولوا؛ حسناً، أنتم لم
تكونوا في ذلك الزمان؛ يجري القيام بحركة في هذا المجال والهدف منها أن يقول شاب
اليوم "عجيب! هؤلاء لم يكونوا سيّئين، لم تكن الأوضاع سيئة؛ فلماذا قمتم بالثورة؟"
وبالأصل؛ فكلّ هذه الأعمال تدور حول التشكيك بالثورة؛ وهذه أمواج يجري توجيهها من
الخارج.
مُعيقات عمليّة؛ الحظر والخداع والتضخيم
ثم هناك إيجاد المعيقات العملية في وجه الحركة نحو المُثل العليا؛ مثل
الحظر والعقوبات- منع المواد وحظر التقنيات- يقومون بالعديد من الألاعيب والخُدَع،
يصوّرون الانتصارات وكأنّها هزائم، يُبرزون نقاط الضعف الصغيرة وكأنّها كبيرة خطيرة،
ينسبون كلّ ضعف إداريّ إلى النظام. يظهر المدير الفلاني في القطاع الفلاني ضعفاً أو
يقوم بعمل أحمق مثلاً، فيحملون المسألة ويبالغون في نشرها وترويجها بهدف التشكيك
بنظام الجمهورية الإسلامية والنظام الثوري! هذا ما يقوم به العدو حالياً؛ ويجب
عليكم الانتباه والحذر الشديد منه.
مئات الحفلات الموسيقية في البلد!
أحد الأصدقاء ذكَر هنا قضية الحفلات الموسيقية. على سبيل المثال، ومن
بين آلاف الحفلات قد يتمّ إلغاء خمس حفلات؛ فيقومون بتعميم هذا، ويبدأ الصراخ
والفوضى والاعتراض بأنّ "الحفلات يجري منعها وتوقيفها"! وهناك الآلاف أو المئات من
الحفلات قد جرت وتمّت ولم توقف؛ وما توقّفَ هو بضع حفلات! يقوم مدير ما ومدير آخر
وثالث بارتكاب خطأ ما – عشرة أو خمسة عشر أو عشرون شخصاً مثلاً- أخطأوا، ارتكبوا
حماقة ما، سلكوا طريقاً سيئاً، فيتمّ تعميم هذا، ليس فقط على الفئة الإدارية في
البلاد، بل على كلّ مجموعة نظام الجمهورية الإسلامية! هذه أعمال يقوم بها العدو
وتجري وفق تخطيط وبرامج ممنهجة.
سيادتنا الشعبية لا مثيل لها!
يدّعون بأنّ السيادة الشعبية الشاملة هي ديكتاتورية؛ والواقع برأيي – أي
بالمعرفة والمعلومات التي أملكها – لا يوجد في العالم سيادة شعبيّة حقيقية كالسيادة
الشعبيّة الموجودة عندنا. علاقة المسؤولين بالناس وأُنسهم بالشعب، انتخابهم بواسطة
الشعب هو الأكثر تمثيلاً وواقعية من أيّ مكان في العالم؛ إلى الحد الذي لدي اطّلاع
عليه. العدو حالياً يقوم وبشكل دائم ومستمر بإظهار هذا النظام الشعبي كأنّه
ديكتاتورية، حسناً هذا عملهم وهكذا يظهرون القضايا. وعليه فهذه من الأعمال التي تعدّ
معيقات خارجية والتي يمكن لأعدائنا أن يمارسوها.
لا قيمة لنظام بلا منهج ثوري!
بناءً على هذا كلّه، انتبهوا إلى أنّ النظام يتعرّض لحملات هائلة. حين
قلت إنّ علينا أن نعرف موقعنا ومكاننا، أن ندرك القضيّة بشكل صحيح، أصل المسألة هو
هذا : أنتم وسط ميدان يتعرّض للهجوم، هناك حملات كبيرة، يجب أن تستشعروا هذه الحملة،
يجب أن تعرفوا الطرف المقابل وهكذا يتمّ تحديد تكاليفنا جميعاً. لا قيمة للنظام من
دون المسار والنهج الثوري؛ حقاً لا قيمة له! إن لم يسير النظام على النهج الثوري،
فلن يصل إلى تلك الآمال والمُثل ولن يتحرك لتحقيقها، وعندها لن يختلف عن الأنظمة
السابقة في تاريخ البلاد، ولن يكون له أي قيمة.
الثورية؛ مسار صحيح عاقل في إطار النظام لتحقيق الاهداف
وبالطبع؛ فإنّ الثورية بدورها ليست مُمكنة إلّا في ظلّ النظام وإطاره؛
انتبهوا إلى طرف المعادلة من هذه الجهة أيضاً. وليس الأمر أن يرفض البعض النظام
ويقول أنا ثوري! ويقوم أشخاص بالتشكيك في قِيَم النظام وأركانه وأعمدته، بعنوان
أنّهم ثوريون. الثورية لا تعني التدمير والتخريب. الثورية هي مسار صحيح وعاقل ومفعم
بالأمل والشجاعة يتّجه نحو الأهداف السامية؛ هذا هو تعريف ومعنى الثورية؛ وهو ممكن
فقط في إطار النظام وتحت ظله وفي مسير النظام الإسلامي، أي النظام الموجود؛ ولا
يمكن تحقيقه خارج هذا النظام. الثورة ليست كسراً للقوالب؛ تدمير النظام لا ينتج من
الثورية. هذه نقطة أخرى أيضاً.
حسناً، إن ما أريد التأكيد عليه، هو الحاجة الماسة إلى أن نكرّر ونطرح اليوم المُثل
والأهداف الكبرى في مجتمعنا، أن نقولها ونستمر في الكلام عنها والعمل عليها
لتحقيقها، علينا أن نطالب بها بشكل مستمر. إنّ هذه المطالبة هي أمر جيد جداً.
المطالبة بالمُثل العليا والأهداف الكبرى، أمر ينبغي أن لا نتخلّى عنه ولا نتركه
أبداً. لو لم تواجَه هذه الأمواج الهائلة من الحملات لأعداء الثورة وهجومهم على
الرأي العام بهذه المطالب والمطالبات، لكانت مدمّرة حتماً. التذكير بالمُثل والآمال
العظيمة، طرح هذه المُثل وطلبها والمطالبة بها، تقف سدّاً منيعاً في وجه تخريب
الرأي العام وأجواء النخب- حيث إنّهم وللأسف يعملون على أجواء النخب أيضاً-
والأجواء الإدارية؛ حيث تمكّنوا من التأثير في بعض الحالات. هنا يتطلّب الأمر جيشاً
من الشباب المؤمن والثوري، بحيث ينزلون إلى الميدان ويطالبون بتحقيق المُثل
والأهداف العليا ويساعدون للوصول اليها. وبالتأكيد فإنّ طبيعة هذه المساعدة
وكيفيتها تحتاج إلى بحث؛ ولعله إن وصلتُ إلى القسم الثاني من كلمتي، يمكن لنا عرض
بعض النقاط في هذا المجال.
إصرار وتأكيد على المُثل العليا؛ بصراحة وشجاعة
وعليه، هناك حاجة للتذكير بهذه المُثل العليا، بواسطة هذه اللغة الخاصة
للشباب المؤمن الثوري الذي يتميّز بالصراحة ويتحلّى بشجاعة القول؛ حيث ينطق كلماته
وأفكاره بشجاعة. وهذا ما كان اليوم واضحاً بشكل عام؛ لقد أحسسنا بأنّ هناك محفّزات
شجاعة ليطرح [بعض الحاضرين] عدداً من القضايا. ومع أنّني لا أؤيّد بعض الكلمات،
ولكنّي أؤيّد الشجاعة وأؤمن بها؛ أنا أؤمن بشكل كامل بهذا الشعور، بروح الهجوم لدى
الشاب الجامعي والشاب الثوري. يجب أن تجري المطالبة دوماً بهذه القِيَم بشكل صريح
وذكي من قبل الشباب الفعال الناشط.
مواجهة الأرستقراطية؛ أي رفض الأرستقراطية لدى الرأي العام. رفض التبعية الفكرية.
وهنا يوجد بحث البضائع الإيرانية؛ المشكلة الأساسية التي واجهتها أنا العبد، هي
مشكلة ذهنية في التعامل مع البضائع الأجنبية وهي موجودة، للأسف، في أوساط فئات
واسعة في البلاد، وهي من المواريث النجسة والمشؤومة للنظام الطاغوتي البائد؛ حيث
كانت العيون تتطلّع للمنتجات الأجنبية، وأنّ كل ما هو أجنبي هو أفضل وأجمل! وبالطبع
في تلك الأيام لم يكن هناك بضائع ومنتجات محليّة جديرة بالذكر؛ ولقد بقيت هذه
الخصلة. وهذه المشكلة هي مشكلة فكرية؛ يجب خلق حركة فكرية لإحداث تحوّل في هذه
المشاعر والتصوّرات. فلو استطعنا مثلاً أن نمحو من الأذهان هذه الفكرة "أنّ المنتج
الاجنبي هو الأفضل"، فالناس حينها سيتّجهون بشكل طبيعي نحو البضائع المحليّة
وتتحقّق خيرات وبركات هذا العمل.
المطالبة بنمط الحياة الإسلامي – الإيراني، المطالبة بالثقافة الدينية، مواجهة نزعة
اللامبالاة ونزعة عدم الاهتمام والكسل وضعف الهمة، مواجهة الهجوم على الدين؛ وكل
هذا بمثابرة وصبر وتدبير.
الصبر الثوري؛ والعاقبة للمتّقين
وكما ذكرت في سياق الحديث، المثابرة الثورية والصبر الثوري، مثل الصبر
الثوري. عندما عاد النبي موسى بعد النبوة إلى مصر وقام بتلك المعجزة وطرح الدعوة –
حسناً، إنّ بني إسرائيل كانوا منتظرين أيضاً، وكان لديهم معلومات وأخبار قديمة
بظهور مُنَجٍّ، وأن هذا المُنَجِّي هو موسى؛ وها قد أتى موسى، كانوا يتوقّعون أنّه
بمجرد ظهور موسى فإنّ حكم الفرعون سيزول على طريقة "كن، فيكون"، وهذا لم يكن قد حصل
– يذكر القرآن بأنّهم جاؤوا إلى النبي موسى وقالوا له «أوذینا مِن قَبلِ أن
تَأتِیَنا ومِن بَعدِ ما جِئتَنا»[15]؛ فماذا اختلف بمجيئك؟ ما هو الفرق؟ كنّا
معذّبين سابقاً وها نحن الآن مضّطهدون كذلك. لاحظوا هذه الحالة من عدم الصبر عند
بني إسرائيل؛ قال النبي موسى اصبروا: "إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده
والعاقبة للمتقين"[16].
إن تحليتم بالتقوى، فالعاقبة ستكون لكم؛ الصبر مطلوب. ينبغي أن تخرجوا من هذه
الحالة؛ أن نقول لماذا لم يتمّ هذا الأمر، ما الذي حدث، نضرب أرجلنا بالأرض، كل هذا
ليس صحيحاً. هذا ما أردنا عرضه في هذا المجال.
والسلام عليكم ورحمة الله
[1] في بداية اللقاء الذي أُقيم في شهر رمضان المبارك أَلقت مجموعة من الطلاب كلمات
وقدّمت آراءها.
[2] ناصر حسرو.
[3] الاخمينيون في القرن التاسع قبل الميلاد
[4] سورة الحديد، الآية 25.
[5] ديوجانس الكلبي؛ فيلسوف يوناني(421-323 ق م)
[6] ضحك القائد والحضور.
[7] أسد الله علم كان رئيس حكومة ووزير البلاط خلال العهد البهلوي
البائد(1962-1977)؛ ومن أكثر المقربين للشاه حينها.
[8] كلمته في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه 23/5/2018.
[9] نشرة الأخبار المسائية على القناة الإخبارية الايرانية.
[10] ضحك الحضور والقائد.
[11] في جوابه على الذين اقترحوا اكمال الجلسة بعد الافطار قال القائد: السادة
يعطون من كيس الخليفة! يقولون بعد الافطار [ضحك الحضور].
[12] كلمته في لقاء المسؤولين في النظام في 23/05/2018م.
[13] نهج البلاغة، الخطبة 3.
[14] امير عباس هويدا (أحد رؤساء حكومة الشاه محمد رضا بهلوي المقبور).
[15] سورة الأعراف، الآية 129.
[16] سورة الأعراف، الآية 129.