كلمة الإمام الخامنئي في لقائه القائمين على شؤون الحج 16/07/2018م
"صفقة القرن" لن تمرّ والقدس ستبقى عاصمة فلسطين
محاور رئيسية
- حكومات إسلامية تفدي أميركا بنفسها!
- الحج مظهر لامتزاج الدين بشؤون الحياة
- الحكومة السعودية تصدّ عن سبيل الله
- فاجعة "مِنى" قضية لا تنسى
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى
محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحبه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أرحّب بكم كثيراً أيّها الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات، خُدّام فريضة الحج
والحجاج الموفّقين المُعززين، وخدماتكم هذه التي تقدّمونها هي بحدّ ذاتها فخر كبير.
خدمة الحجيج عمل كبير ومقّدّر
إنّ تهيئة المقدمات واللوازم والإعانة على أداء فريضةٍ بعظمة الحج ـ والتي أبعادها،
واقعاً، أوسع بكثير مما نصفه نحن ـ ونفس الخدمة من أجل إقامة هذه الفريضة، يُعدُّ
ثواباً عظيماً وعملاً كبيراً وخدمة قيمة. إنّني أوصي كلَّ الذين يقدّمون الخدمة
ويبذلون الجهود في الأقسام والقطاعات المختلفة ـ سواء في بعثة الحج، أو في منظّمة
الحج، أو في القوافل، أو في الأجهزة المعنية ـ حيث يتولّى كلّ واحد من هذه القطاعات
جزءاً من العمل، أن يعرفوا قدر هذا التوفيق ويشكروا الله ويكونوا حامدين له لأنهم
نالوا هذا التوفيق، وليحاولوا أداء هذا العمل بأفضل شكل [ممكن].
إقامة "الحج الإبراهيمي" يحتاج لمزيد من العمل
هذه التقارير التي قدّمها سماحة السيد قاضي عسكر ورئيس منظّمة الحج المحترم كانت
تقارير جيدة، ولنفترض أنَّ بعض هذه الأعمال تتوقّف في وسط الطريق أو تتعثر، ولكن
مجموع هذه التقارير والأعمال التي تمّ إنجازها يشكّل نتائج ملحوظة؛ لكن ما أريد
قوله هو أنَّ كلَّ ما قيل مقارنة بما هو لازم لإقامة الحجّ الإبراهيمي والحج النبويّ
والحجّ القرآني، لا يزال في منتصف الطريق ولا يزال المجال واسعاً جداً للمزيد من
العمل.
الحج مظهر لامتزاج الدين بشؤون الحياة
ما أودّ الإشارة إليه اليوم، أنه بالإضافة إلى كل الجوانب والأبعاد المتنوّعة
الموجودة في الحج - هذه الفريضة الكبرى – توجد في الحجّ هذه الخصوصيّة أيضاً، وهو
أنه مظهر امتزاج المعنوية بالسياسة، و[امتزاج] المعنوية بالجانب المادي، و[كذلك
امتزاج] الدنيا بالآخرة. «وَمِنهُم مَن يقولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً
وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّار»[2]. الذين يدعون الله في الحج بهذا
الدعاء ويسألونه تعالى الحسنة الدنيوية والحسنة الأخروية هؤلاء ممدوحون ومقبولون في
القرآن. أي إنَّ الدنيا والآخرة قد اجتمعتا في الحج. والحج مظهر مثل هذا الشيء.
- محاولات فصل الدين عن السياسة فشلت
لقد سعى أشخاص لسنوات مديدة ويسعون اليوم أيضاً لأن يفصلوا في الإسلام بين المعنوية
وبين شؤون الحياة وإدارة أمور المجتمعات. وهذا معناه «فصل الدين عن السياسة». وقد
عمل أعداء الإسلام والجهلة الذين لا يعرفون عن الإسلام شيئاً على مدى سنين طويلة ـ
ربما أمكن القول عشرات السنين، أو مائة سنة أو أكثر ـ على هذا الأمر. وعندما ظهرت
الجمهورية الإسلامية وقامت الثورة الإسلامية بطلت كلُّ هذه الأقاويل وتبيَّن أنَّ
الإسلام قادر على إدارة ساحة السياسة وساحة الحياة وساحة إدارة البلاد وساحة تعبئة
الجماهير بكلّ قدراتهم وطاقاتهم على أفضل وجه. وأنّه في هذه المجالات أنجح وأكثر
توفيقاً من الشعارات التي كان الشيوعيّون يطلقونها وصولاً إلى شعارات الليبراليين
والشعارات التي يُطلقها الغربيون. إذن، أخفقت تلك المحاولات التي كانوا يحاولونها
لفترات طويلة، لكنهم استأنفوا عملهم مرّة أخرى. بدأ [بعض] الأشخاص العمل من أجل صرف
الأجيال الصاعدة عن [فكرة] امتزاج الدين بالسياسة، والدين بالحياة، والدين بالعلم،
والدنيا بالآخرة، والمعنوية بالماديات، وهذه كلها موجودة في الإسلام. أي إنهم
يريدون صرف الأذهان عن هذا الامتزاج، والحج ساحة عملية للدلالة على هذا الامتزاج.
الحج ملتقى لتشكيل الأمة الإسلامية
كيف ذلك؟ لديكم في الحج التضرع والدعاء والتوسل والبكاء والطواف والسعي والصلاة
وأيضاً اجتماع الناس؛ وهذا مهم جداً. ليفكروا جيّداً، لو كان الله تعالى في دعوته
الناس إلى الحج يقصد فقط بأن يذهب الناس إلى هناك ويقضوا أيّاماً في رحاب
المعنويّات، لما كان من اللازم أن يحدّد زمناً معيّناً، بل كان يمكن لكلّ شخص أن
يذهب في أيّ وقت أراد من السنة. لكن، لا؛ للحج زمان معين ومحدد. في هذا الزمن
المحدد يجب أن يأتي الناس من كلّ العالم الإسلامي، وليس لسنة واحدة، أو لسنتين، بل
على مرّ الزمن؛ فيجتمع من كلّ أقطار العالم الاسلامي من كانت لديهم الاستطاعة على
مدى أيّام معيّنة في مكانٍ واحد، فما معنى هذا؟ معناه أن نفس هذا الاجتماع بين
المسلمين هو ما يقصده الله تعالى، ويريده. وهذا يعني تشكيل الأمة الإسلامية، وهذه
هي النظرة لاجتماع المسلمين وتجمعهم، والحج مظهر هذا الشيء.
ثم عندما تذهبون إلى هناك «ثُمَّ أفيضوا مِن حَيثُ أفاضَ النّاس»[3]، الكلام هنا
أيضاً عن الناس «سَواءً العـاكفُ فيهِ وَالباد»[4]، لا فرق بين أهل مكّة وغيرهم،
فهنا [هذه الأرض] ملكٌ للجميع، هذه الأرض لكلّ المسلمين. لا ينبغي للبعض أن يتصوّر
بأنَّ هذه الأرض لهم ومن حقّهم أن يتصرّفوا فيها كيفما يحلو لهم. لا؛ فللمسلمين
جميعاً حقّ متساوٍ في الكعبة الشريفة والمسجد الحرام وهذا الموطن الشريف والأجواء
المقدسة للحرمين الشريفين. ما ذُكر في الآية الشريفة هو مكّة لكنَّ الحكم يشمل
المدينة أيضاً، فهي أيضاً لجميع المسلمين لأنَّ الرسول للجميع.
لاحظوا، إنّ اجتماع المسلمين هذا وتعاطفهم وانسجامهم هو أحد الأهداف المهمّة للحج
والذي يجب أن يولى أهمية. ينبغي لهذا الأمر أن يُلحظ في كلّ برامج الحجاج المحترمين
والمديرين المعنيين: الارتباط والتواصل والتفاهم والتوافق. طبعاً الدولة الحاكمة
على تلك المنطقة لا تريد هذا، وتختلق العقبات بأيّ وسيلة ممكنة، والوسائل اليوم
كثيرة. العلاقات وعمليّات التواصل يجب أن تقام واجتماع الأمّة الإسلامية ينبغي أن
يحصل.
الذين يفصلون الدين عن السياسة لا يَعُون حقيقة الإسلام
إذن الذين يفصلون السياسة عن الإسلام ويرفضونها لم يفهموا الإسلام، ولم يفهموا آيات
القرآن. آيات القرآن سواءً ما يتعلّق منها بالحج أو ما يتعلّق منها بالجهاد أو ما
يتعلّق منها بالعلاقات بين الناس في المجتمع، أو ما يتعلّق منها بقيادة الحاكم
الإسلامي للمجتمع، هذه كلّها سياسات تختصّ بالإسلام. وسيادة الشعب الإسلامية التي
تحدّثنا عنها مستمّدة من متن الإسلام ومتن القرآن. «وَأمرُهُم شورىٰ بَينَهُم»[5].
هذه هي النقطة الأساسية في قضيّة الحج.
الحكومة السعودية تصدّ عن سبيل الله
نكتة [أخرى] هي أنه لا ينبغي لأيّ شخص أن يمنع ويحول دون المفاهيم والقضايا
الموجودة في الحج. «إنَّ الَّذينَ كـفَروا وَيصُدّونَ عَن سَبيلِ اللهِ وَالمَسجِدِ
الحَرام»[6] الذين يصدون عن سبيل الله ويصدون عن المسجد الحرام، وهذا الصدُّ والمنع
والحؤول لا يعني فقط أنهم لا يسمحون لكم بالذهاب إلى مكّة، فقد يسمحون لكم بالذهاب
إلى مكّة لكنهم لا يدعونكم تستفيدون من مفاهيم الحج. هذا أيضاً صدٌّ عن سبيل الله،
وهو أيضاً صدٌّ عن المسجد الحرام. الذين يقومون بهذا؛ تلك الدولة وتلك الحكومة التي
ترتكب هذه الحماقة الكبرى إنّما تصدُّ عن سبيل الله. ينبغي معرفة مفاهيم الحج
والعمل والتصرّف طبقاً لها.
حاصل الأمر، أنَّ الكعبة مُلك الجميع. ما نعتقده هو أنَّ الشعب الإيراني بعد انتصار
الثورة وبفضل هداية الإمام الخميني الجليل أدرك واكتشف وفهم معنى جديداً للحج. منذ
السنة الأولى لانتصار الثورة حين توجّه بعض الأشخاص إلى الحج وأرسل الإمام الخميني
الجليل نداءً [للحجاج ولمسلمي العالم] تبيّنت واتّضحت للشعب الإيراني مفاهيم جديدة
[للحج]. فتابع تلك المفاهيم وسار عليها: الحج المصحوب بالبراءة، الحج المصحوب
بالتفاهم مع المسلمين، الحج الذي هو مظهر «أشِدّاءُ على الكفّار» و«رُحَماءُ
بَينَهُم»[7]. ينبغي للحج أن يكون مظهراً لـ «أشِدّاءُ على الكفّار» و«رُحَماءُ
بَينَهُم». والحالة المقابلة لذلك هي أن يخلقوا الخلافات والفرقة بين الإخوة،
لكنَّهم يرتبطون بالاستكبار العالمي وبأميركا. هذه هي الحالة المقابلة لما أراده
الحج من الناس وما أراده للناس، وما شرّعه الشارع المقدّس لخير الناس ولصالحهم.
ينبغي أداء الحج بهذه الروحيّة وبهذه الحال.
والآن، وللأسف، تصطنع الحكومة السعودية المضايقات والعراقيل وتمنع أداء بعض
الواجبات والفرائض التي من الحق أداؤها. ينبغي أخذ هذه الأمور دائماً بعين الجديّة
لأنها مطالب للمؤمنين والمسلمين. قد يوجدون مانعاً ـ وإذا وجد ذلك المانع فستكون
هناك مشكلة طبعاً ـ ولكن ينبغي عدم نسيان تلك المطالب أبداً.
فاجعة "مِنى" قضية لا تُنسى
وكما أوضح السادة الآن في خصوص فاجعة المسجد الحرام ومِنى في سنة 94 [2015 م] فإنّ
هذه القضية لا تنسى، ويجب متابعتها بالتأكيد. ويجب تشكيل مجموعة وهيئة لتقصّي
الحقائق بحضور المُدَّعي الأصلي ـ وهو الجمهورية الإسلامية ـ ومراجعة المجامع
والمحافل الدولية والاستعانة بكل الأطراف الممكنة من أجل إحقاق الحق؛ فقد وقع هناك
ظلم كبير. إنّ حقّ الحجاج الكبير على حكّام تلك المنطقة، هو الأمن. وهذا هو مطلبهم
الأساسي. «الأمن» من الخصائص التي خصّ الله تعالى بها بيته ومدينة مكة والحرم «جَعَلنَا
البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأمنا»[8]، يجب أن يجتمع الجميع هناك ويجب أن يكون
المكان آمناً. أمن الناس وأمانهم من أهم الأعمال، وهذا الأمن لم يُراعَ. وهذا بحاجة
إلى مطالبة ومتابعة، فلا تملّوا من متابعة هذه القضية، بل تابعوها وطالبوا بها. على
المسؤولين المحترمين ـ سواء في بعثة الحج أو في منظّمة الحج أو في الأجهزة المعنية
أو في وزارة الخارجية أو في السلطة القضائية وغيرهم ، متابعة هذه القضية. بحسب ما
وردني من تقارير فإنهم لا يسمحون لعوائل بعض الشهداء المدفونين هناك بالذهاب إلى
هناك وزيارة قبور أحبتهم وشهدائهم! هذا أمرٌ غير مقبول، ينبغي إنجاز شيء على هذا
الصعيد. ودية القتلى أيضاً قضية أخرى.
العالم الإسلامي بحاجة إلى وحدة الكلمة
أيّها الإخوة الأعزّاء أيّتها الأخوات العزيزات: العالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى
وحدة الكلمة، وكل صوت يدعو إلى التفرقة مبغوض يقيناً من قبل الشارع المقدس.
التفرقة ممنوعة من أي جهة، وبأي شكل، وبأي نحو كانت، لماذا؟ لأنَّ العدو يُركِّز
على العالم الإسلامي.
أ ــ "صفقة القرن" لن تمرّ
لاحظوا ما الذي يجري في العالم الإسلامي. فمن جهة، الضغوط التي تمارس ضدَّ اليمن،
شعبٌ مظلوم يتعرّض للهجمات بشكلٍ مستمر منذ سنين، وهم طبعاً شجعان وأقوياء ومقاومون
لكنهم يعانون الصعاب.
ومن جهة أخرى قضية فلسطين وهذه السياسة الشيطانية والخبيثة التي تنتهجها أميركا
حيال فلسطين، والتي أطلقوا عليها اسم «صفقة القرن». وليعلموا طبعاً أنَّ صفقة القرن
هذه التي يفكّرون فيها لن تتحقّق أبداً بتوفيق من الله. ورغم أنوف الساسة
الأميركيّين الذين يسعون بكلّ ما يمتلكون من قوّة من أجل أن يفعلوا شيئاً في خصوص
القضية الفلسطينيّة، فإنّ قضية فلسطين لن تمحى من الأذهان ومدينة القدس الشريفة
ستبقى عاصمة فلسطين وستبقى قبلة المسلمين الأولى. وإنّها لأضغاث أحلام هذه التي
يرونها ويتصورون من خلالها بأنهم سيستولون على القدس الشريف، ويقولون إنَّ ما فوق
المدينة وما تحت المدينة وأعماق المدينة ـ شرقها وغربها و كل مكان فيها ـ يجب أن
يكون في أيدي اليهود، هذه حماقة سخيفة. لن يحدث مثل هذا الأمر، ولا شكَّ أن الشعب
الفلسطيني سيقف بوجهه، والشعوب المسلمة كلها ستقف سنداً للشعب الفلسطيني ولن يسمحوا
لمثل هذا الشيء أن يحدث بإذن الله.
ب ــ حكومات إسلاميّة تفدي أميركا بنفسها!
طبعاً بعض الحكومات الإسلاميّة للأسف ونتيجة لعدم الإيمان بأساس الإسلام ـ ناهيك عن
قضية فلسطين ـ تحوّلوا إلى فدائيّين للأميركيّين، لا تابعين لهم فقط. بل تراهم
يجعلون من أنفسهم قرابين لهم. وذلك عن حماقة وجهل ومطامع وأهواء دنيويّة. هذا هو
حال بعض الحكومات العربيّة للأسف. وهذا أيضاً لن يؤثّر، ولن تكون له فائدة. وهؤلاء
أيضاً سيخفقون وستنتصر الأمّة الإسلامية والشعب الفلسطيني المسلم على أعدائهما
يقيناً بتوفيق من الله. وسنشهد ذلك اليوم الذي تستأصل فيه جذور هذا الكيان الصهيوني
الزائف من أرض فلسطين.
أسأل الله تعالى لكم حجّاً مقبولاً، وأن يذهب حجّاجنا الأعزّاء بالسلامة والأمن،
ويعودوا بزادٍ وفير إن شاء الله، فنكون شاكرين لله.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء تحدَّث حجة الإسلام والمسلمين السيد علي قاضي عسكر (ممثل
الولي الفقيه في شؤون الحج والزيارة) والسيد حميد محمدي (رئيس منظمة الحج والزيارة).
[2] سورة البقرة، الآية 201.
[3] سورة البقرة، الآية 199.
[4] سورة الحج، الآية 25.
[5] سورة الشورى، الآية 38.
[6] سورة الحج، الآية 25.
[7] سورة الفتح، الآية 29.
[8] سورة البقرة، الآية 125.