كلمة
الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقائه القائمين على ملتقى تكريم شهداء محافظة قزوين،
05/11/2018م
بسم الله الرحمن الرحيم
نتقدّم بالشكر الجزيل لإمام جمعة قزوين المحترم، والعميد المكرَّم [محافظ قزوين]
على كلمتيهما. وقد كانت كلمة السيّد إمام الجمعة طافحةً بآيات القرآن الكريمة. من
الحسن جدًّا أن يكون الكلام [مشحونًا بالآيات] من أوّله إلى آخره، وحتّى التعزية
التي تقرؤونها أنتم، [أن تكون] تعزيةً قرآنيّةً. هذه من الأمور الحسنة جدًّا، فلا
تتركوا هذا الأسلوب. طبعًا، هذه الآية الشريفة ﴿الَّذينَ استَجابوا لِله وَالرَّسولِ
مِن بَعدِ ما أصابَهُمُ القَرحُ﴾(1) ليست عن الشهداء، بل هي عن الجرحى والمصابين؛
أي الذين جُرِحُوا بعد غزوة أُحُدٍ، ثمّ جاء جماعةٌ وقالوا: ﴿الَّذينَ قالَ لَهُمُ
النّاسُ إنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لكم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إيمانًا وَقالُوا
حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكيلُ * فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضلٍ لَم
يمسَسهُم سوءٌ﴾(2)، [هذه الآية] تتحدّث عنهم؛ فعلى الرغم من أنّهم كانوا جرحى، ولكن
عندما قال الرسول (ص): ليشارك الذين جُرِحُوا في هذه الحركة، قاموا وشاركوا فيها
وردّوا على العدوّ وعادوا. على كلِّ حالٍ، شكرًا جزيلًا لكلمتكم، وكذلك لكلمة
السيّد المحافظ.
قزوين قدّمت للثورة.
قزوين -وكما أشرتم- هي محافظةٌ تفتخر بموقعها الجغرافيّ وموقعها
التاريخيّ وموقعها الثقافيّ، وكذلك بالامتحان الكبير المتعلّق بفترة الثورة [الإسلاميّة]
والدفاع المقدّس [الذي قدّمَته]، لا شكَّ في هذا أبدًا. والشخصيّات الكبيرة في
قزوين، سواءٌ العلماء السابقون، كالإخوة قرقاني، والشهيد الثالث، والمرحوم الملّا
صالح -جدّ السيّد صالحي- وغيرهم من الذين كانوا في ذلك الزمان، وكذلك الشهداء
البارزون، كالشهيد بابائي والشهيد لشكري والشهيد رجائي والشهيد السيّد أبو ترابي (رضوان
الله عليه) -الأب والابن- وسواهم، كلُّهم مبعثُ فخرٍ واعتزازٍ؛ والواقع هو كما
ذكرتم حقًّا.
صوتُ الشهداء، أنتم!
إنّ الشهداء [هم من] أسباب وعوامل ازدهار الحياة المعنويّة في البلاد.
الحياة المعنويّة تعني الروحيّة والشعور بالهويّة ووجود الهدف، وتعني -كذلك- السير
نحو المبادئ والأهداف، وعدم التوقّف. هذا هو ما قام به الشهداء، وهو ما يعلّمنا
إيّاه القرآن. ما دام الشهداء على قيد الحياة، فهم يدافعون بأجسامهم، وحين
يُستَشهدون، يدافعون بأرواحهم، ﴿وَيستَبشِرونَ بِالَّذينَ لَم يَلحَقُوا بِهِم مِن
خَلفِهِم أَلَّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يحزَنُونَ﴾(3). لاحظوا أنَّ هذا
الاستبشار حالةٌ تختصُّ بما بعد استشهادهم ومفارقتهم الحياة! عندما يكونون موجودين،
تكون أرواحهم وأجسامهم وحركتهم المادّيّة في خدمة الإسلام والمجتمع الإسلاميّ،
وحينما يرحلون، تكون معنويّاتُهم في خدمة الإسلام، وترتفع أصواتُهم بعد رحيلهم.
نُطقُ الشهداء وحديثُهم ينفتحُ بعد استشهادهم، فيشرعون بالكلام مع الناس -﴿بِالَّذينَ
لَم يلحَقوا بِهِم﴾- إنّهم يقولون ذلك لنا، ويجب أن لا تكون أسماعُنا ثقيلةً،
لنستطيع سماع هذا الصوت. هذا العمل الذي تقومون به -أنتم وعوائل الشهداء المعظّمة-
أو يقوم به القائمون على تكريم ذكرى الشهداء في المدن المختلفة -في قزوين مثلًا أو
بيرجند(4) أو أماكن أخرى- هو أن تُوصِلُوا هذا الصوت إلى أسماعنا الثقيلة، فالمهمّ
هو أن نسمع هذا الصوت. وقد جعل الله -تعالى- هذا الصوتَ صوتًا مؤثّرًا. لقد جعله
مؤثِّرًا حقًّا؛ فعندما يُنقَلُ شيءٌ عن شهيدٍ، عندما يُنقَلُ عنه كلامٌ دقيقٌ
ورصينٌ، فإنّه يؤثِّر في القلوب ويغيّرها. وهؤلاء الشهداء الشباب، الذين يذهبون هذه
الأيّام للدفاع عن المراقد، أو ذهبوا واستُشهِدوا -ومنهم شهيدُكم العزيز من قزوين-
كلامُ هؤلاءِ وأفعالُهم وحركتُهم وذكراهم والكلام الذي يُقال عنهم؛ هذا كلُّه ممّا
يوقظ الإنسان وينبّهه ويبثّ فيه الوعي.
أسماعنا ثقيلةٌ، فكيف نسمعهم؟!
إنَّ أسماعَنا ثقيلةٌ، ولا نسمع هذه الرسائل كما يجب. لو أسمعونا هذه الرسائل،
لفارقتنا هذه الميول [التي تشدّنا] يمينًا وشمالًا، ونحو العدوّ والكفر والإلحاد،
وما إلى ذلك. سببُ حالات الضعف هذه، التي تلاحظونها بيننا، أنّنا لا نسمع هذه
الرسالة، ولو سمعنا هذه الرسالة، فستتعزّز المعنويّات والروحيّات [في داخلنا]،
وتكون الحركة حركةً جدّيّةً.
يزدادون حياةً يوما بعد يوم!
على كلِّ حالٍ، إنَّ العمل الذي تقومون به -تكريم الشهداء- هو عملٌ قيّمٌ جدًّا،
وقلنا: إنّه تمضي ثلاثون سنةً على نهاية [حرب] الدفاع المقدّس، ولكن، حتّى لو مضت
ثلاثمئة سنةٍ، فلن يُنسى [ذكر] شهداؤنا الأعزّاء هؤلاء، بل سيزدادون حياةً يومًا
بعد يومٍ! إنّهم يزدادون حياةً في مجتمعنا يومًا بعد يومٍ، والحمد لله! طبعًا،
ثمَّة من حاول الدفع بذكرى الشهداء نحو النسيان، والتشكيك في عظمة العمل الذي قاموا
به، وناقشوا واختلفوا في ذلك، لكنّهم لم يُفلِحوا، وكانت النتيجة عكسيّةً. والشهداء
اليوم، هم نموذجنا وقدوتنا وأسوتنا، ولله الحمد! نسأله -تعالى- أن يحشر شهداءنا
الأبرار مع النبيّ (ص)، وأن يمُنّ عليكم بالتوفيق -أنتم الذين تعتبرون تكريمَ هؤلاء
الأعزّاء واجبَكم، وتخوضون غمار هذه الأعمال- وأن يُجزِلَ لكم الأجر؛ لتستطيعوا
النهوض بهذه المهمّة على أفضل نحوٍ، إن شاء الله!
سيرة الشهداء، اكتبوا عنهم
وكما أشرنا سابقًا بمناسبة شهداء بيرجند، استفيدوا ما استطعتم من ذكرى هؤلاء
الشهداء، واكتبوا عنهم ما استطعتم، واسمعوا عنهم، وسجِّلُوا وأنتِجُوا أعمالًا
فنّيّةً. ولا ضرورة أبدًا للمبالغة حولهم -أرى بعضهم يبالغ أحيانًا، لا ضرورة لذلك
أبدًا- فأعمالُ [الشهداء] نفسُها [هي على قدرٍ] من العظمة بحيث لا تحتاج إلى تجميلٍ
وتزيينٍ ومبالغاتٍ وما إلى ذلك، فأعمالُهم أعمالٌ مهمّةٌ. مَن الذي يتنازل عن حياته؟
نحن الناس العاديّون في الدنيا، مستعدّون لارتكاب حتّى المخالفات، من أجل منفعةٍ
صغيرةٍ، وإذا بهؤلاء [الشهداء] يتنازلون عن أعزِّ شيءٍ بالنسبة للإنسان -أي عمره
وروحه- يتنازلون عنها في سبيل الله، و[هم] في سنيِّ الشباب، في وقتٍ تكون فيه شهوات
الإنسان جامحةً، وتكون فيه آمالُ الإنسان قويّةً. سحقوا آمالَهم تلك، وغضّوا الطرف
عن راحتهم ودَعَتهم الجسميّة، وتحرّكوا في سبيل الله -تعالى-، وقدّموا أرواحهم. هذه
الحركة نفسُها [حركةٌ] عظيمةٌ وجليلةٌ إلى درجةٍ لا تحتاج معها إلى أيِّ مبالغاتٍ.
تابعوا العمل إن شاء الله، وأنجِزوه بهذه الدقّة نفسها، وبهذا الإتقان نفسه. جزاكم
الله خيرًا، ومَنَّ عليكم بالعون إن شاء الله!
والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
- 1- سورة آل عمران، الآية 172.
- 2- سورة آل عمران، الآيتان 173 و 174.
- 3- سورة آل عمران، الآية 170.
- 4- كان أعضاء مؤتمر تكريم شهداء محافظة خراسان الجنوبيّة حاضرين في هذه الجلسة.