كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في ختام المراسم لعزاء الأربعين الحسينيّ، بتاريخ 17/09/2022م.
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّني سعيد جدّاً، وأشكر الله المتعالي أنّنا رأينا مرّة أخرى هذا اللقاء النورانيّ والمبارك في هذه الحسينيّة واستفدنا منه. إنّ قلوبكم الطاهرة النقيّة، قلوبكم النيرة، تُضفي جودة على الدعاء والنصح والموعظة وقراءة الرثاء وكلّ شيء. فأصل القضيّة هو القلب، القلب النيّر والنقيّ الّذي أنتم منشؤه ومنبعه، بحمد الله. لقد أبدى هذا القارئ المحترم ذوقاً جميلاً، وقرأ لنا هذه الآية: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾[1]. إن شاء الله، فستكونون مصداقاً لهذه الآية الشريفة. الشباب الذين آمنوا ترسّخ الإيمان في قلوبهم. ولهذا، زاد الله المتعالي هدايته لهم. فلنسعَ أن نكون على هذا النحو.
الأربعون هي الراية الشامخة للحسين بن عليّ (عليهما السلام). لقد أُقيمت [مراسم] الأربعين هذا العام على نحو أكثر جلالاً وعظمة من السنوات وفترات التاريخ كلّها. حقّاً وإنصافاً، يجب القول: إنّ حادثة ومسيرة الأربعين، وهذا الحضور الواسع للمسلمين ظاهرة إعجازيّة. هذا ليس أمراً طبيعيّاً. لم يمكن ولا يمكن أن تتحقّق مثل هذه الحادثة بأيّ تخطيط وتدبير ويد وسياسة؛ إنّها يد الله فقط!
حسناً، هذه بشرى. هذه بشرى وبشارة لي ولكم. من الواضح أنّ يد الله المتعالي تعمل على تقدّم داعية الإسلام والتوجّه الإسلاميّ، وأنّ الله المتعالي يُعلي أكثر الراية لإسلام أهل البيت (عليهم السلام) يوماً بعد يوم. هذه دلالة على أنّ الطريق الذي أمامنا طريق جليّ ويُمكن طيّه، إن شاء الله.
أيّها الشباب الأعزّاء، أوصيكم أن تعرفوا قدر هيئاتكم. أنا دائماً أقول للشباب: اعرفوا قدر شبابكم. وهذا مطلوب اليوم أيضاً. اعرفوا قدر [مرحلة] الشباب، ولكن اعرفوا قدر هذه الهيئات. إنّها كنز. هي حقّاً كنز مهمّ وقيِّم. الهيئة الحسينيّة تعني التذكّر والتبيين. إنّها التذكّر والتبيين معاً. فينبغي للهيئات أن تكون على هذا النحو: أن تحيي الذكرى وتكون مركزاً ومقرّاً للتبيين أيضاً. هذا ضروريّ ليومنا هذا. أنتم تعلمون أنّ هناك قطّاع طرق لا يعجبهم أمثال حركتكم، أنتم الشباب. هناك قطّاع طرق لا تعجبهم حادثة مثل مسيرة الأربعين بين النجف وكربلاء، ولا يعجبهم هذا الحضور الحماسيّ للناس. [لذا] هم مشغولون بالسعي والعمل [ضدّها].
يجب أن تكون القلوب مستعدّة، وأن نكون جاهزين للعمل جميعاً. فكلّ شخص لديه مسؤوليّة؛ أنا لديّ مسؤوليّة، وأنتم لديكم مسؤوليّة، والمسؤولون المحترمون في البلد لديهم مسؤوليّات أيضاً، فكلّ شخص لديه مسؤوليّة ما. اسعَوا إلى أن تعرفوا مكانكم، وأن تحدّدوا مسؤوليّتكم لأنفسكم. اعرفوا ما عليكم فعله.
في رأيي، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[2]، هاتان جملتان مصيريّتان وأساسيّتان وأبديّتان من القرآن، وهما فرض أساسيّ عندنا إلى الأبد، وفي يومنا هذا أكثر من أيّ وقت مضى. لا تنسَوا التواصي بالحقّ، ولا تنسَوا التواصي بالصبر. الصبر يعني الثبات والصمود والمثابرة، والتمنّع عن رؤية النفس في طريق مسدود؛ هذا معنى الصبر. اسلكوا طريق الحقّ واجلبوا الآخرين أيضاً إلى طريق الحق. ابذلوا الجهود. فليسعَ الشباب المؤمنون المسلمون المهتمّون، وأبناء الهيئات، وبالمعنى الحقيقيّ للكلمة، القرآنيّون والإسلاميّون، فليسعَوا للتأثير في البيئة الجامعيّة والبيئات المختلفة، وأن ينوّروا البيئة ويلوّنوها بتلك الصبغة نفسها التي يعتقدون بها، أي بالنهج الإلهيّ. هذا التواصي ضروريّ لكم ولنا. اليوم، فلتتواصَوا بالحقّ ولتتواصَوا بالصبر أيضاً. لا تدَعوا البيئة تصير بيئة مرهقة ومعطّلة.
أسأل الله المتعالي التوفيق لكم جميعاً. أعتذر من الإخوة والأخوات أنّنا لم نتمكّن من التحضير لجمعٍ أكبر من الموجود في هذه الحسينيّة بسبب ظروف المرض وكورونا والقيود وما إلى ذلك، أبعث سلامي إليهم جميعاً. وأبعث سلامي أيضاً إلى كلّ الذين عبّروا عن لطفهم تجاهي، وبعثوا سلامهم إليّ من بُعد، وأسأل الله لهم التوفيق.
أسأل الله أن تكون روح الإمام المطهّرة راضية عنّي وعنكم، وأن تكون الأرواح المطهّرة للشهداء راضية عنّا، وأن تكون الروح المطهّرة لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) راضية عنّا، وأن يكون القلب المقدّس لإمام زماننا (عجّل الله فرجه) راضياً عنّا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] سورة الكهف، الآية 13.
[2] سورة العصر، الآية 3.