كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمعٍ من أهالي محافظة أصفهان 19/11/2022م.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أهلاً بكم. إنّكم عيّنة من أهالي أصفهان الأعزاء الذين يستحقون الثناء حقّاً، مثلما قال السيد طباطبائي نجاد[1] أيضاً وأصاب. إنني سعيد جداً لأننا تمكنّا من رؤيتكم مرة أخرى في هذه الحسينية، خاصة عائلات الشهداء المعظّمة والمضحّين الحاضرين. ومن هنا، أتوجّه بالتحيّة والسلام إلى أهالي أصفهان كافة وأشكرهم على جهودهم وإيمانهم وجهادهم، وميزاتهم الأصفهانية الخاصة بهم.
يُعقد هذا اللقاء اليوم هنا بمناسبة ذكرى «25 آبان» (16/11/1982م)[2]. أود أن أقول بضع جمل حول هذا الموضوع المهم للغاية، وحركة الأصفهانيين عامة وفي ما يتعلق بالجهاد والشهادة. كذلك، سوف أتحدّث عن نظرتنا العامّة ونظرة الثورة والبلاد تجاه المواجهة بين إيران والاستكبار، وماهيّة هذه المواجهة وكيفيتها. ثم سأشير إلى المسائل الأخيرة في البلاد وأعمال الشغب وما إلى ذلك.
أما بشأن أصفهان، فمناقبها ليست واحدة أو اثنتين؛ أصفهان هي مدينة العلم والفن والجهاد. إنها مدينة مفعمة بالحياة. في ما يتعلق بالعلم، وربما في هذه السنوات الأربعمئة الماضية، إذا أردنا أن نذكر أسماء علماء أصفهان العظماء في الفقه والفلسفة والحديث والتفسير وما إلى ذلك - لا علاقة لأهميتهم وقيمتهم وشهرتهم بخصوصية أصفهان، فقد كان بعضهم يعمّون العالم الإسلامي بأسره، وبعضهم يعمّون إيران بأكملها - أو إذا أردنا أن نكتب أسماءهم فقط، فسينتج كتاب عريض. إن كبار علمائنا حتى الأمس القريب، مثل المرحوم النائيني والمرحوم السيد أبي الحسن الأصفهاني والمرحوم الحاج الشيخ محمد حسين الأصفهاني، وكبار العلم كلهم في الأزمنة المختلفة لما قبل هؤلاء إلى نحو أربعمئة عام، هم أصفهانيون. إذن، إنها مدينة العلم، أي مربيّة، وليس في الفقه فقط بل في الفلسفة. بعضهم ليسوا أصفهانيين لكنهم نشؤوا في أصفهان وبرزوا فيها، وأصفهان هي التي خرّجتهم. هذه هي خصوصية أصفهان.
إنها مدينة الإيمان ومحبة أهل البيت (عليهم السلام)، وهذه إحدى الخصوصيات التي قلّما جرى التركيز عليها. فقد كنت أتردد إلى أصفهان كثيراً منذ القِدَم، منذ أواخر عقدَي 1330 و1340 (1950 و1960م) تقريباً، وقد لفتَ هذا المفهوم انتباهي: الأصفهانيون هم من أهل التوسل والتضرّع والتوجه [إلى الله]، وهذا ناجم من الإيمان. فعلى سبيل المثال، في مشهدنا (مدينة مشهد) وخلال تلك السنوات، كان يقام دعاء «كميل»، وللمصادفة أيضاً كان يقيمه عالم أصفهاني حيث كان المرحوم كلباسي في مشهد [يتلو] دعاء «كميل». ربما أولئك الذين كانوا يتجمعون عند منبره لم يصلوا إلى عشرين فرداً. الآن أقول عشرين من باب الاحتياط. ربما كانوا ثمانية أو تسعة أو عشرة مثلاً مَن يقرؤون دعاء كميل. في ذلك الزمان نفسه في أصفهان، كان [مجلس] دعاء «كميل» للمرحوم الحاج الشيخ مهدي مظاهري في مسجد «السيّد» يعجّ بالحضور. هذه مقارنة بين مشهد وأصفهان. أما بشأن مجالس العزاء والمجالس المتعلقة بالأئمة (عليهم السلام) ونحو ذلك، فكل ما يقوله المرء قليلٌ حقاً؛ إنها مدينة الإيمان.
إذن، إنها مدينة العلم، والإيمان كذلك، والفن أيضاً، إذْ يوجد في أصفهان مختلف أنواع الفنون الإيرانية الراقية. إنها مدينة التراث الفني المشرّف والقيّم. لا أتذكر أنه يوجد في أي مكان آخر مثل هذا التراث الفني الذي لدينا في أصفهان. هذه كلها نقاط بارزة لأهالي أصفهان... مدينة ذات هوية إيرانية وإسلامية كاملة. في رأيي، يمكن لصانعي الأفلام الوثائقية الأكْفاء لدينا - إنهم كثيرون ولله الحمد - أن يصنعوا من هذه الأمور، ومع الجزء الذي سأصل إليه في حديثي، الكثير من الأفلام الوثائقية لأصفهان التي ستقرّ بها العيون والقلوب. أما الهوية الثورية... الآن وقد تحدثنا عن [الهوية] العلمية والدينية والفنية، [فنصل] إلى الثورية. بالطبع، كانت هناك جهود ثورية في كثير من مدن بلادنا قبل الثورة، وبالمناسبة كانت جيدة وقوية أيضاً لكن أصفهان كانت متفوقة. على الأقل كانت من المدن الثورية المتفوقة، هذا إنْ لم تكن أفضلها. فقد كانت على الأقل واحدة من أفضل المدن. كانت أصفهان المدينة الأولى التي أُعلنت فيها حالة الطوارئ العسكرية في عهد نظام الطاغوت. حين لم يكن هناك حالة طوارئ عسكرية في أي مكان قبل أصفهان، أُعلنت حالة الطوارئ العسكرية في أصفهان. [هذا] يُظهر أن الناس كانوا يبذلون جهداً أكبر من الآخرين. في «الدفاع المقدس»، كانت لديها فرقتان مشهورتان وكاسحتان لخطوط [الجبهة]: فرقة «الإمام الحسين (عليه السلام)» التي كان قائدها المشهور هو الشهيد خرازي، و«النجف» التي كان أيضاً قائدها المشهور والشهيد هو أحمد كاظمي. بعد استشهاد خرازي، وبعد مدّة على مغادرة الشهيد كاظمي «النجف»، تولّى قادة بارزون آخرون إدارة هاتين الفرقتين، وهم شجعان متميزون حقاً، وقد تعرّفنا إلى كثيرين منهم ورأيناهم من كثب. حسناً، يوجد في محافظة أصفهان نحو 24 ألف شهيد نتيجة هذه النضالات، من بينهم قرابة 7500 مدفونون في روضة الشهداء بأصفهان. هذه أرقام عجيبة، إنها ذات دلالات عظيمة. عشرات الآلاف من الجرحى والمحررين. هؤلاء وثيقة افتخار لأصفهان. هذه الأمور تضع على عاتقكم مسؤولية. لا نريد المديح فقط، فالحفاظ على هذه الأمور العظيمة وهذا الإرث الكبير مسؤولية كل من لديهم ضمير.
أما مناسبة «25 آبان»... لقد تم تشييع نحو 360 شهيداً في مدينة أصفهان في يوم 25 آبان. كيف يمكن لمدينة أن تتحمل هذا؟ 360 شهيداً! أولئك القادة الذين استشهد هؤلاء أمام أعينهم وحاروا كيف يأتون بالشهداء إلى أصفهان لتشييعهم! كم كانت هذه الحادثة كبيرة وعجيبة! في رأيي، إذا جاؤوا إلى الناس بـ 360 شاباً مخضبين بالدماء وشيّعوهم في أي مكان من العالم، فإن تلك المدينة ستصاب بالشلل وتُنهك في ذلك اليوم [لكن] أصفهان لم تشل. وردَ في أخبارنا وتقاريرنا المؤكّدة: توجّه في عصر ذلك اليوم والأيام اللاحقة عدد كبير من الشباب إلى الجبهات. في تلك الليلة نفسها، انطلقت قافلة دعم ضخمة من أصفهان بسبب الشهداء. قد أحضروا 360 شهيداً في ذلك اليوم، ولا بد أن يجلس الناس وينشغلوا بالعزاء ولن يكونوا ملتفتين إلى الجبهة. كلا! لقد انطلقت الحشود في ذلك اليوم نفسه والأيام التي تلته. انظروا إلى هذه الروح! انظروا إلى هذا الدافع! عائلات قدمت شهيدين، وعائلات قدمت ثلاثة، وعائلات قدمت أربعة... عائلات عدة قدمت خمسة شهداء، وعائلات عدة قدمت ستة، وعائلة قدمت سبعة شهداء! هذه [القضية] تتعلق بأصفهان، إنها تفسّر لنا الهوية الثورية والجهادية لأصفهان. هذا جزء من مناقب أصفهان، إذ لديها أكثر من هذا. في هذه العقود الأربعة، كلما لزم الأمر، تصدّرت أصفهان وكانت في المقدمة. لم يتراجع أهالي أصفهان إلى الخلف في أي قضية. أتذكر بعض القضايا على وجه الخصوص والآن لا أريد التذكير وذكر الأسماء. لقد نزلوا إلى الميدان مرات عدة بكل حيوية وبإشارة ولفتة واحدة، وأخمدوا فتنةً.
بالطبع، خصائص أهل أصفهان هذه غير مرتبطة بشكاوى أهاليها. إن هذه [المسألة] التي قالها السيد طباطبائي صحيحة وهو على حق، فقضية المياه في أصفهان قضية مهمة. كنت أتابع هذه القضية أيضاً. لقد كتب كثيرون من الأصدقاء رسائل إلينا، وأحلناها أيضاً [إلى الجهات المختصة]، وقمنا على متابعتها، ولقد تابعتها بنفسي أيضاً في المدة الأخيرة. الحمد لله، إنهم يعملون، أي ثمة أعمال جيدة جارية، خمسة إجراءات أو ستة، ويمكن أن يُقال مثلاً إن بعضها طويل الأمد. حسناً وليكن، ففي النهاية العمل جارٍ على قدم وساق، وهو يتقدم، وإن شاء الله، فستُحل [المشكلة]. طبعاً إنني أوصي المسؤولين المحترمين الذين يسعون حقاً ويعملون أن يبذلوا ما في وسعهم في هذا المجال، وأن يعملوا بأسرع ما يمكن، لأن أهالي أصفهان يستحقون حقاً ألا نعرف الليل من النهار من أجل خدمتهم.
حسناً، كان هذا في ما يتعلق بأصفهان. المدن الأخرى في البلاد أيضاً قد صنعت قيَماً بنحو ما، ولسنا في صدد التركيز على أصفهان فقط. لم تكن كلها على نحو واحد بالطبع، ولا بالمستوى نفسه. كان بعضها في المقدمة، وكانت أصفهان بين المتقدمين. لقد بُذلت جهود جيدة في أماكن أخرى أيضاً. هذه الجهود الشاملة للناس في أنحاء البلاد كافة جعلتنا [ننتصر] في واحد من الاختبارات القليلة النظير. لم يكن دفاع السنوات الثماني اختباراً بسيطاً، بل حادثة مهمة للغاية. كثيرون من شبابنا لا يعرفون ما الذي حدث. لثماني سنوات، قوى العالم كلها في جهة، وإيران في الجهة الأخرى! حسناً، قدْ تحدث حوادث في بعض الأماكن وتتعرض دولة ما لهجمات... [لكن] أولاً لم تكن بذلك النطاق الذي في إيران، وثانياً كان هناك مَن يساعدونهم، ونحن لم يساعدنا أيّ أحد. كان «الناتو» مع صدام، وأميركا على وجه الخصوص، وكان الاتحاد السوفييتي السابق مع صدام، وبعض الدول الأوروبية التي لم تكن معتمدة كثيراً على الاتحاد السوفييتي ولا على أميركا أيضاً [كانت] مع صدام، مثل يوغوسلافيا، فقد ذهبت ورأيت من كثب[3]. هؤلاء أيضاً كانوا إلى جانبه، أي العالم كله كان في جهة، والجمهورية الإسلامية في الجهة الأخرى. فقد تمكنت إيران، وعبر حركة الناس هذه ودوافعهم هذه، من الانتصار في هذه الحرب وذلك بأيدٍ فارغة! لقد حققنا انتصاراً كاملاً ولامعاً في حرب السنوات الثماني. لقد حققنا الانتصار لكن الأمر لم ينتهِ بعد. الآن أودّ أن أدخل في الموضوع الثاني من البحث: قضية النظرة الكلية إلى التحدي بين إيران الإسلامية، والمستكبرين ونظام الاستكبار وعالم الاستكبار.
أرجو منكم الالتفات إلى هذا الأمر: المشكلة من وجهة نظر جبهة الاستكبار تكمن هنا: مشكلة الاستكبار مع جمهوريّة إيران الإسلاميّة هي أنه إذا تقدّمت الجمهوريّة الإسلاميّة وهذا النظام وازدهرت وبرزت في العالم، فإنّ منطق الليبراليّة الديمقراطيّة في العالم الغربيّ سوف يَبطُل. لقد ناقشتُ هذا الأمر مرّة في أصفهان بالمناسبة وأشرتُ إليه وسط الجموع الغفيرة المحتشدة في ساحة أصفهان الكُبرى[4]. منطق الليبراليّة الغربيّة في العالم... استطاع الغربيّون عبر هذا المنطق قبل قرنين أو قرابة ثلاثة نَهبَ العالم كلّه عبر منطق الليبراليّة الديمقراطيّة، فمرّة قالوا: لا توجد حريّة هنا ودخلوا، ومرّة قالوا: لا توجد ديمقراطيّة فدخلوا ونهبوا أموال ذاك البلد وخزائنه ومصادره بذريعة إرساء الديمقراطيّة والذرائع الأخرى، فغدت أوروبا الفقيرة ثريّة على حساب تعاسة كثير من الدول الثريّة كالهند. لقد جعل هؤلاء الهند تعيسة، فلو قرأتم كتاب لمحات من تاريخ العالم لنهرو، فستكتشفون بدقّة ما حدث. كذلك هناك عدد من الدول الأخرى كالصّين وسائر الأماكن [أتعسوها]. طبعاً لم يجرِ استعمار إيران مباشرة إلى ذلك الحد، لكنّهم فعلوا هنا ما في وسعهم أيضاً عبر منطق الليبراليّة الديمقراطيّة، أي نادوا بالحريّة والديمقراطيّة والسيادة الشعبيّة وسيطروا عبر هذا العنوان على الدّول ثمّ فعلوا كلّ ما في وسعهم ضدّ حريّة الدول وسيادتها الشعبية.
من أمثلته الحاضرة أمام أعينكم أفغانستان هذه. قبل 21 عاماً، جاؤوا إلى أفغانستان للإطاحة بحكومة زعموا أنها غير شعبية وتسلب الحرية. جاء الأميركيون وارتكبوا الجرائم في أفغانستان طوال 20 عاماً، لقد ارتكبوا أنواع الجرائم وأشكالها، وسرقوا وسلبوا وأكلوا وقتلوا ودمّروا كل ما في وسعهم وأبادوا العائلات وسحقوا الأخلاق، وبعد 20 عاماً جاءت إلى السلطة تلك الحكومة نفسها التي دخلوا ضدها. سلّموها أفغانستان وغادروا بتلك الفضاحة! هذا مثال حاضر اليوم أمام أعينكم أيها الشباب.
لثلاثمئة عام، تحرك الأوروبيون أولاً، ثم الأميركيون، بمنطق الديمقراطية الليبرالية. الآن، إذا كانت هناك حكومة ونظام في العالم يرفض منطق الديمقراطية الليبرالية ويعطي شعب بلده هوية بمنطق حقيقي، ويحْييهم ويوقظهم ويقويهم ويقف في وجه الديمقراطية الليبرالية، فهذا يُبطل منطق الديمقراطية الليبرالية. الجمهورية الإسلامية هي كذلك. لقد تأسست الديمقراطية الليبرالية على مبدأ نفي الدين، بينما الجمهورية الإسلامية على الدين. زعموا أنهم يتمتعون بالشعبية، لكن الجمهورية الإسلامية نظام شعبي بالمعنى الحقيقي للكلمة.
بالطبع، واضح أنهم ينكرون ذلك في دعاياتهم وقنواتهم التلفزيونية، لكنهم مقتنعون به ويعرفونه. حقيقة أنكم ترون مجموعة هنا تقول إنه لا توجد حرية وليست شعبية... ومن قبيل هذا الكلام، فهؤلاء ينظرون إلى أفواه أولئك، وإلّا الدليل على الحرية هم أنفسهم الذين يقولون هذا الكلام ضد النظام ولا يتعرّض لهم أحد. الدليل على الشعبية أنه منذ ارتحال الإمام [الخميني] حتى اليوم لم تكن هذه الحكومات التي وصلت إلى السلطة، لم تكن منها حكومتان متشابهتان من الناحية الفكرية. جاءت حكومة ما إلى السلطة ثم جاءت الحكومة التالية بفكر مختلف. إذن، من الواضح أنها حرية فكرية. الناس أحرار وهم مَن يختارون. تارة يختارون هذه، وتارة يختارون تلك.
إذن، إن مشكلة الغرب والاستكبار مع الجمهوريّة الإسلاميّة هي أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة تتقدّم وتزدهر، وجميع من في العالم يرون هذا التقدّم ويقرّون به، والغرب لا يقدر على تحمّل هذا الأمر. هؤلاء ليسوا مستعدّين لتحمّل ذلك، وهنا تكمن المشكلة. لو أنّنا لم نتقدّم، ولو أنّنا لم نُظهر الحضور القوي في المنطقة، ولو أنّ صوتنا ارتجف أمام أميركا والاستكبار، وكنّا مستعدّين لقبول غطرستهم وتجبّرهم، لقلّت هذه الضغوط. طبعاً، كانوا سيأتون ويتسلّطون علينا، ولكن هذا الحظر والضغوط، وهذا النوع من التحديات كان سيقلّ. كلما علا صدى اقتدار الجمهورية الإسلامية - فقد كانت الظروف متنوعة خلال هذه الأعوام، وأنتم تعلمون ذلك - كانت مساعي العدو إلى خدش الجمهورية الإسلامية أكبر أيضاً.
لذا، التحدي الأساسي لبلدنا اليوم هو تحدي التقدم والتوقّف والركود، أو لنقل تحدي التقدم والرجوع، لأن التوقف يعني العودة إلى الوراء، وأي شخص يتوقف فهو يعود إلى الوراء بالفعل. لأن العالم يتقدم للأمام، وإذا وقفت، فسوف تتأخّر. هذه هي القضية: نحن نتقدّم، ونحن نسعى وراء التقدّم، [إلاّ أنهم] يريدون لهذا الأمر ألّا يكون، فكافّة قوى الاستكبار في العالم، وهي أميركا وأوروبا أساساً، تغتاظ أمام حركة التقدّم هذه للجمهوريّة الإسلاميّة، يغتاظون ويضطربون ويستاؤون، ولذلك يدخلون الميدان، ويفعلون كلّ ما في وسعهم. طبعاً، يخسؤون في فعل أي شيء. هم أخفقوا حتى الآن، وسيخفقون بعد ذلك أيضاً.
وسط هذه المعركة، تقف أميركا في الخطّ الأمامي للعدوّ. والسّبب وراء تركيزنا وإصرارنا على أميركا هو أنّها تقف في الخطّ الأمامي. الآخرون موجودون أيضاً لكنّهم خلف أميركا. لقد حارب الرؤساء الأميركيّون كلهم الجمهوريّة الإسلاميّة في هذا الخطّ الأمامي طوال هذه الأعوام المتمادية وخلال العقود التي تلت انتصار الثورة الإسلاميّة. أين هم الآن؟ بعضهم لقوا الفناء وتَلفوا وزالوا، وبعضهم يقبعون في مزبلة التاريخ حتى وهم أحياء. لتبدؤوا من كارتر وكلينتون وأوباما الديمقراطيّين حتى تصلوا إلى ريغان وبوش الجمهوريّين وخفيف العقل السابق ذاك[5] وصولاً إلى هذا الرّجل الحالي الفاقد الوعي والتركيز[6] الذي يريد إنقاذ إيران والشعب الإيراني. هؤلاء كلهم وقفوا في وجه الجمهوريّة الإسلاميّة دون استثناء، واستخدموا كلّ من استطاعوا استخدامه من أصدقائهم، وحرّضوا الكيان الصهيوني خاصّة ودعموه. يُقال طبعاً إنّ الكيان الصهيوني الغاصب يُحرّضهم. نعم، قد يكون الأمر كذلك في بعض الحالات، لكنّ [الكيان الصهيوني] كلبهم الذي يُمسكون قلادته. هو كلبهم المسعور في المنطقة ومهمّته الإفساد وممارسة الضغوط، وبعض الحكومات الأخرى في المنطقة تعاونت معه، للأسف. نعم، هم وجّهوا بعض الضّربات أيضاً - ليس الأمر أنّهم لم يفعلوا شيئاً - لكنّهم أخفقوا عامة وعجزوا عن إيقاف الجمهوريّة الإسلاميّة. لم تنجح أيٌّ من مخططاتهم، أي لم تبلغ غايتهم التي سعوا خلفها. صحيح أنّهم أوجدوا بعض المشكلات لكنّ غايتهم لم تتحقّق. لا الحظر، ولا اغتيال العلماء، ولا تقديم الرشاوى إلى بعض الأشخاص كي يتكلّموا ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة في الداخل، ولا تدابيرهم السياسيّة والأمنيّة المختلفة... كلّها لم تقدر على شلّ عوامل التحرّك والتقدّم والاستقامة للشعب الإيراني.
حسناً، إنّنا نواجه مثل هذا الوضع. وإنّني أقول إنّ مسؤوليّتنا جميعاً - سواء مسؤولي البلاد، أو كلّ فرد من النّاس، وأيضاً المثقّفين والشباب الناشطين والنّخب في المجتمع، وكذلك المجتمعات العلميّة: الحوزات العلميّة أو الجامعات - هي أن نعلم أن لا بدّ لنا من التقدّم، فهو مسؤوليّتنا اليوم وفي المجالات كلّها. لا بدّ لنا من التقدّم على المستويات الفنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة. أنواع التقدّم هذه تجعل النظام أكثر صلابةً وتهبه الاقتدار. عندما تكتسبون الاقتدار، لن يقدر العدوّ أن يرمقكم بنظرة تنطوي على السوء. هدف العدوّ أن يزعزع أركان الاقتدار، وأنتم مطّلعون على هذا الأمر، فهم لا يريدون للنظام أن يكون مقتدراً. علينا جميعاً أن نسعى وراء التقدّم لأنّ تقدّمنا يجعلنا مقتدرين ومكتفين ذاتيّاً وذوي صلابة. إذا استمرّ هذا التقدّم - التقدّم على المستويات العلميّة والروحانيّة والأخلاقيّة وأيضاً الاقتصاديّة والسياسيّة، وهذا ما كانت عليه الحال حتى الآن بفضل الله - فإنّ العدوّ سيضطرب. العدوّ يشعر بالرّعب الشديد من هذا الأمر ويوظّف جهوده كلّها من أجل منع ذلك.
حسناً، كيف نتقدّم؟ أدوات التقدّم كثيرة وهناك أدوات متنوّعة. أودّ الإشارة إلى نقطة مهمّة هي الأمل. الأمل أهمّ أدوات التقدّم، والعدوّ ركّز على هذا الأمر. العدوّ يُسخّر طاقاته كلّها من أجل بثّ اليأس والإيهام بالوصول إلى طريق مسدود. قد يرى ذلك أحياناً شاب غير مطّلع على شؤون العالم ويتأثّر به، فيشعر باليأس، وحين ييأس، ينكفئ عن العمل. التقدّم يحتاج إلى الأمل، والعدوّ يركّز على أمل الشّعب الإيراني. هذه الإمكانات الواسعة التي وظّفها العدوّ، ووسائل الإعلام، والأقمار الاصطناعيّة، والساحة الافتراضيّة العجيبة والغريبة، والقنوات التلفزيونيّة العميلة والمأجورة، كلّها ترمي إلى قتل الأمل في أنفس الناس. لحسن الحظّ إنّ الأمل حيّ - سوف أشير إلى هذا الأمر - لكنّهم يريدون منع استمرار الأمل لدى شبابنا، وألا يبقى مسؤولونا يشعرون بالأمل. حتّى إنهم يطْمَعون بالمسؤولين كي يسلبوهم الأمل. للأسف لديهم امتدادٌ في الداخل أيضاً، وأنا مُجبرٌ على قول هذا الأمر. لا يرغب المرء في أن تكون هناك حقيقة شبيهة، لكنّها قائمة. هؤلاء لديهم امتدادٌ في الداخل. امتدادهم هو بثّ اليأس والإحباط وأن «لا فائدة»، و«لن نصل إلى أيّ مكانة»، و«ما الذي يمكننا فعله» ... أنتم تسمعون أمثال هذا الكلام. للأسف، نشاهد في الداخل أيضاً أمثال هذه الأمور في الصحيفة الفلانيّة، ولدى الناشط الفلاني في الساحة الافتراضيّة. هؤلاء أيضاً امتدادٌ لهم.
حسناً، هناك حقيقةٌ مقابل إيهاماتهم. تلك الحقيقة هي أنّنا نتقدّم. نحن نتقدّم إلى الأمام. لدينا مشكلات اقتصاديّة [طبعاً] - لا أرغب في نفي هذا الأمر وإنكار المشكلات الاقتصاديّة، وسوف تُحلّ، إن شاء الله - لكن نحن في حالة تقدّم مستمرّة في سائر الأقسام المختلفة، بفضل الله. نحن في طور التقدّم، وهم يريدون أن يمنعوا اطلاع الجيل الشّاب خاصّة على أنواع التقدّم هذه، ولذلك يكتمونها. هذه هي الحال في هذا الامتداد الداخلي [لهم] الذي تحدّثت عنه. كثيرة هي نماذج تقدّمنا التي يجري التكتّم عليها أو التقليل من أهميّتها.
ما دوّنته لأذكره لكم هو [هذا]. خلال هذه الأسابيع القليلة الماضية حين نزل عددٌ قليل من الأشرار أو المخدوعين إلى بعض الشوارع وأثاروا الشّغب، أُنجزت أعمال عظيمة خلال أعمال الشّغب هذه، ولو أجرينا مقارنة مع الأسابيع والأشهر الأخرى، فسنحصل على نتيجة عظيمة. سوف أعدّد الآن هذه الأعمال التي أُنجزت خلال هذه الأسابيع القليلة: توصّل العلماء الإيرانيّون إلى طريقة جديدة في علاج سرطان الدّم. إذن، هذا تقدّمٌ، وهو مهمٌّ أيضاً، وليس بالأمر الهيّن.
جعل صناعة أحد الأجهزة الأساسية لآبار النفط والغاز محليّةً، فالنّفط والغاز من الثروات الطبيعيّة المهمّة لدينا، ونحن نحتاج من ناحية استخراج النفط والغاز إلى الإبداع، وهذا الإبداع يحدث الآن. منذ أسابيع عدّة، اتخِذت واحدة من الخطوات المهمّة من أجل إنجاز هذا الأمر. إذن، هذا إنجازٌ عظيم.
افتتاح جزء مهمّ من سكّة الحديد في بلوتشستان. كانت سكّة الحديد هذه منذ الأزمنة السابقة، أي بدايات الثورة الإسلاميّة - لم يكن الأمر مطروحاً قبل انتصار الثورة - من الآمال المهمّة بأن نتمكّن من بناء خطّ يربط الشمال بالجنوب، وسكّة حديد بلوتشستان ضمن هذا المشروع، وهي خطّ يربط الشّمال بالجنوب، أي نربط شمالي البلاد بالخليج الفارسي وبحر عمان، وهذا يمرّ من بلوتشستان. في هذه الأيام القليلة الماضية، افتُتح جزء مهمّ من سكّة الحديد هذه. إذن، أُنجز عملٌ عظيم، وهذا تقدّمٌ.
تدشين مصانع عدة، ودُشّنت أيضاً مصفاة خارج البلاد في إحدى الدول، كما شُغِّلت ستّ محطّات للكهرباء خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقد دوّنوا أسماء المدن التي أُنجز فيها هذا الأمر وحددوها، وقدّموا إليّ تقريراً في هذا الصّدد. لا يسعني الآن ذكر أسمائها واحدة بواحدة.
وأُزيح الستار عن واحد من أضخم التلسكوبات في العالم، إذ انتهى العمل على واحد من أكبر تلسكوبات العالم خلال هذه الأيام وجرى افتتاحه وإزاحة الستار عنه. كما أُزيح الستار عن صاروخ حامل للأقمار الاصطناعية، وكذلك عن صاروخ جديد وهكذا دواليك. هذه كلّها أُنجزت خلال الأسابيع القليلة الماضية التي جرت أعمال الشغب خلالها أيضاً، وسوف تَكثر الأمثلة إذا أراد المرء تعدادها واحدة بواحدة. هم لا يسمحون ولا يريدون أن يطّلع جيل الشباب على هذه الأمور، فيصغّرونها ويقلّلون من شأنها، وينكرونها. حسناً، لقد تقدّمنا كثيراً في الإمكانات الدفاعيّة، وقد كانوا ينكرون ذلك ويُظهرون الأمور بصورة معاكسة ويقولون: هذا «فوتوشوب»، وذاك ليس حقيقيّاً. طبعاً، لقد أُجبروا لاحقاً على الاعتراف وليس لديهم مفرٌّ من الإقرار.
حسناً، هذه الأمور التي أشرت إليها هي مهمّة سواء لناحية العمل نفسه أو دلالتها على الحركة في المجتمع. إذن، المجتمع ليس راكداً وهو في طور التحرّك والتقدّم، وكون المجتمع في حالة تحرّك وتقدّم لأمرٌ مهمٌّ جدّاً. الشابّ الإيراني حيّ ومليءٌ بالدوافع حتى خلال أيّام ممارسة العدوّ للشّرور. إذا كنتم محبّين لإيران، فإنّ من المؤشّرات والدّلالات على حبّكم إياها هي أن تبثّوا الأمل، فإذا نشرتم اليأس، فلن يكون في مقدوركم ادّعاء الحبّ لإيران. إن المؤشّر الرئيسي لمعاداة إيران هو بثّ اليأس وحرق الأمل والإيهام بالعجز والوصول إلى طريق مسدود. هذه مؤشّرات العداء لإيران. أولئك الذين يحبّون إيران يتحرّكون في النقطة المقابلة لهذا الأمر. لا تسمحوا لمن هم أعداء إيران بارتداء زيّ تنكّري ضمن إطار الدفاع عن المصالح الوطنيّة، وأن يغيّروا وجوههم ويفعلوا أموراً من هذا القبيل، فلتمسكوا المؤشّرات بأيديكم. أنتم الشعراء والعلماء وعلماء الدين كلّكم تحبّون إيران وتحبّون إيران الإسلاميّة. لذلك، لا بدّ أن تبثّوا الأمل. ولو صدر ما هو خلاف هذا، فلن يكون ممكناً قبول [ذلك] الادعاء.
إذن، القضيّة هي التقدّم. سوف ألخّص البحث. إنّ مشكلتنا مع العالم الاستكباري أنّنا نتقدّم وقد عقدنا العزم على أن نتقدّم، وهو يرى هذا التقدّم مضرّاً به. هذا هو تحدّينا الرئيسي. لا ينبغي لإيران الإسلاميّة من وجهة نظر أميركا والحكومات الاستكباريّة وأمثالها أن تتقدّم. نحن نقول في المقابل: إيران الإسلاميّة لا بدّ أن تتقدّم من أجل إعلاء كلمة الإسلام.
أما الموضوع الثالث الذي ذَكَرته، فمرتبطٌ بأعمال الشغب، وسوف أتحدّث ببضع جُمل. لقد أراد مديرو المسرح الأساسيّون القابعون في الكواليس - وهم غير بعض الذين ينزلون إلى الشوارع؛ إنهم يُديرون الأمور من خلف الكواليس - جلب الناس إلى الساحة، والآن حيث عجزوا عن ذلك، يريدون نشر الشرور لعلّهم يتمكّنون من إرهاق مسؤولي البلاد والأجهزة. هم يخطئون، فهذه الشرور سوف تجعل النّاس يتعبون ويزدادون كرهاً لهم ونفوراً منهم. الآن وبما أنّ الناس مشمئزّون من هؤلاء، أي الأشرار، ستؤدّي مواصلة هذا العمل إلى ازدياد الناس نفوراً.
الموضوع الأول هو أنّ مثل هذه الأحداث - نعم - تُسبّب المشكلات للنّاس بالطّبع. أن تكون مجبراً على إغلاق دكّانك في الشوارع، وتوقف سيارتك وتفعل كذا وكذا... هذا يُسبب المشكلات. طبعاً هم يرتكبون الجرائم أيضاً، ويخرّبون ويفعلون كذا وكذا، لكن سواء هؤلاء الحاضرين في الميدان أو أولئك الذين في الكواليس هم أحقر بكثير من أن يستطيعوا إلحاق أذى بالنظام. سوف يُلملم بساط الشرور دون أدنى شك، وحينئذ سيدخل الشعب الإيراني إلى الميدان أكثر قوة وبروح أكثر حيوية، وسيواصل التقدم في الميدان. هذه هي حقيقة الأمر، وهذه هي طبيعة الشعب المؤمن. نعم، تقع أمامه أحداث لكنّه يصنع لنفسه الفرصة من تلك الحادثة التي يمكن أن تشكّل تهديداً له. إنّه يصنع الفرصة لنفسه من الحادثة والتهديد. كان الأمر على هذا النحو حتى الآن، وقد كان كذلك منذ صدر الإسلام.
هذه الآية الكريمة نفسها التي تلاها أخونا العزيز: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾[7]... حسناً، لم تكن حرب الأحزاب حرباً صغيرة، فقد اجتمعت القبائل العربية كلها من قريش والطائف ومكة وكل مكان وجاءت لقتال المدينة التي يبلغ عدد سكانها بضعة آلاف. كانت حرب الأحزاب، ولا بدّ لهذا أن يهز القلوب. فلما رأى المؤمنون هذا، ﴿قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾. [قالوا:] هذا ليس شيئاً جديداً، الله المتعالي قال إنهم سيأتون. لديكم عدو، والأعداء سيأتون إليكم؛ لقد جاءوا: ﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾. إن ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ هي الفرصة نفسها. لقد كان تهديداً، واستفادوا من هذا التهديد، فزاد إيمانهم، أي عُثر على فرصة لزيادة الإيمان. كان الأمر على هذا النحو في صدر الإسلام، وهو كذلك ودائماً.
الأمر كذلك في قضيّة «الدفاع المقدس». كانت مرحلة «الدفاع المقدس» حرب أحزاب، فهناك أيضاً هاجموا من كل حدب وصوب. صنع الشعب الإيراني فرصة من هذا التهديد. ماذا كانت تلك الفرصة؟ كانت أن بان للعالم كلّه أن الشعب الإيراني لا يُهزم. لقد جاؤوا جميعاً، فقد دعمت أميركا وأوروبا و«الناتو» و«وارسو» في ذلك اليوم - حلف وارسو الذي يخص الشيوعيين - صدام. جميعهم دعموا صدّام [لكن] إيران لم تُهزم، ولم يهزم شعب إيران. كان هذا سابقة، وهذه هي الفرصة. كلما فكّرت القوى العالمية أنّها ستضع وفق تعبيرهم الأوراق كلّها على الطاولة - واحدة من هذه الأوراق هي العسكرية - وكلّما فكروا في هذا، يتذكرون ثماني سنوات من الحرب المفروضة، فيعلمون أن الشعب الإيراني لا يُهزم. دوماً قال الشعب الإيراني لخصومه، لأميركا وللآخرين: إن مجيئكم بأيديكم، لكنّ مغادرتكم ليست كذلك!
قد تتقدمون لكنكم ستعلقون وستدفعون الثمن باهظاً! هكذا استفاد الشعب الإيراني من الحرب المفروضة. استغل أهالي أصفهان [حادثة] الخامس والعشرين من آبان (16/11/1982م) هذه، فتعزّزت دوافعهم، وكما قلت، إن حركة شباب أصفهان الشجعان نحو الجبهة قد تعزّزت.
الأمر كذلك في أعمال الشغب الأخيرة، ففيها، استفاد الشعب الإيراني مما يُسمى التهديد - حيث أنّهم اعتبروا هذا تهديداً للشعب الإيراني - ماذا فعل؟ أظهر حقيقته وتوجّهاته، أين؟ في 13 آبان (4 تشرين الثاني/نوفمبر) [8]. كان يوم 13 آبان هذا العام مختلفاً عن السنوات السابقة كافة. نزل عدد قليل من الناس إلى الشوارع بناء على طلب أميركا [لكن] الشعب الإيراني العظيم نزل في 13 آبان وهتف ضد أميركا. [إذن] أحد النماذج هو 13 آبان. مثال آخر هو تشييع هؤلاء الشهداء. يُستشهد شاب عزيز هذه الأيام - من بين هؤلاء الشهداء الأعزاء شهداء الأمن والتعبئة والشرطة وأفراد الشعب الشهداء - مثل الشهيد روح الله عجميان الذي هو شاب غير معروف، فيخرج باستشهاده حشدٌ عظيم لتشييع جثمانه! هكذا هو رد فعل الناس. إنهم يحوّلون هذا التهديد إلى فرصة، أي يُظهر الناس أنفسهم ويقولون: نحن كذلك. أنتم قتلتم شابنا ونحن جميعاً خلف هذا الشاب. في النقطة المقابلة تماماً لما يريد العدو بثّه وفيه أنّ الشعب الإيراني نزل إلى الشارع، والشعب الإيراني ضد فلان، والشعب [فعل] كذا [لكن] الشعب أظهر نفسه. لقد صنع فرصةً من هذا التهديد.
الفرصة الأخرى التي وقعت هي انكشاف وجوه مديري المسارح [لأعمال الشعب]. تظاهر مديرو المسارح أنهم إلى جانب الشعب الإيراني لكنهم عادَوْا تطلعات الشعب الإيراني ومعتقداته ومقدساته كلها. كانوا معادين للإسلام وأحرقوا المساجد والقرآن، وأبرزوا العداء لإيران، وأحرقوا العلم الإيراني، ولم يحترموا النشيد الوطني الإيراني. لقد انكشفت وجوههم. هم يزعمون أنهم إلى جانب الشعب الإيراني. حسناً، الشعب الإيراني شعب مسلم. إنه شعب القرآن وشعب الإمام الحسين (عليه السلام). أنت عندما تمارس الإهانة والشتيمة والإساءة إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، فهل أنت إلى جانب الشعب الإيراني؟ لقد انكشفت الوجوه الحقيقية لمديري مسرح الشغب هذا. لذلك إن من الأمور التي يمكن أن تقال عن هذه الاضطرابات أن الشعب الإيراني صنع لنفسه فرصاً كثيرة من هذا التهديد.
ثمة موضوع آخر هو كيفية التعاطي مع مديري المسارح. بعضهم مديرو مسرح، وبعضهم مخدوعون، وبعضهم أخذوا أموالاً، وبعضهم ارتكبوا جرائم... ليس هؤلاء كلهم على نحو واحد. ذاك الذي خُدع فقط ولم يرتكب جريمة يجب تحذيره ووعظه وهدايته - سواء أكان طالباً جامعياً أم في الشارع أم في الجامعة - ويجب أن يُسأل: هل يساعد تحركك هذا في تقدم إيران أو ضد تقدمها؟ فليفكّر. هذا بخصوص من خدعوهم، إذ يتوجب عليكم حثّهم على التفكير. وذاك الذي تماشى مع رغبات العدو دون التفات يجب إيقاظه والقول له: العدو هناك. احذر التناغم مع العدو. وبتعبير الإمام [الخميني] (رضوان الله عليه): «صبّوا صراخكم وهتافاتكم كلها ضد أميركا»[9]. حسناً، هذا في ما يخص ذاك الشاب الذي خُدع.
أمّا من يرتكب الجريمة أو القتل أو التخريب أو التهديدات - يهدد صاحب المتجر بأنه يتعين عليك إغلاقه وإلا سوف نشعل النار في متجرك، أو يهدّد سائق السيارة ليتوقف أو يضغط بوق السيارة أو يفعل أشياء من هذا القبيل، وإلا سنفعل بسيارتك كذا... عنصر التهديد - فتجب معاقبة هؤلاء وذلك وفق ذنبهم. مرتكب القتل على نحو، والمُخرّب على نحو آخر، والذي يحثّهم على فعل هذه الأشياء عبر الإعلام كذلك... كل منهم يجب أن يعاقب وفق فِعلته. تجدر الإشارة هنا إلى أن المحاسبة هي عبر السلطة القضائية. لا يحق لأحد أن يعاقب شخصاً ما من تلقاء نفسه. كلا، السلطة القضائية حاضرة وقوية، وبحمد الله هي مقتدرة وحيّة ومفعمةٌ بالدوافع أيضاً وينبغي أن تعاقبهم. لذلك لدينا كل من النصيحة والعقاب، مثل النبي (صلى الله عليه وآله) وأسلوب رسول الله. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله): «طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ، قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ، وَأَحْمَى مَوَاسِمَهُ»[10]. في القِدم، عندما لا تلتئم الجروح، كانوا يعملون على كيّها. كانوا يضعون حديدة في النار وعندما تصير حمراء، يضعونها على الجرح حتى يلتئم. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) إن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أعدّ المراهم وأحمى المواسم، [أي] هيّأ الأمرين، وبتعبير سعدي:
اللين والشدة إن يُلتزما كالجرحُ يشفى إن وضعت المرهما[11]
يُجري الجراحة وكذلك يضع المراهم. كلاهما يجب أن يكون. حسناً، هذا موضوع أيضاً.
ثمة موضوع آخر هو أنّ العدو قد هُزم حتى الساعة، بحمد الله. قصد العدو جلب الناس إلى الميدان، والناس أظهروا أنهم ليسوا معه. بالطبع، يعمد العدو إلى التجييش في الإعلام - التجييش الكاذب - وبثّ سيل من الأكاذيب. ترونه في وسائل إعلامه المختلفة كيف يُقدّم الموضوع بأسلوب يجعل الإنسان الغافل وغير المطلع يتصوّر أنّ هناك خبراً ما حقّاً. واقع الأمر ليس كذلك. ما هو هائل وما هو عظيمٌ ليس إلا وجود الناس في خدمة الثورة وميادين الثورة. نعم، إنّه عظيم للغاية، لكن ذاك الطرف، لا. أرادوا جلب الناس، [لكن] الناس صفعوهم على أفواههم. دعوني أقول هذا طبعاً: في كل يوم لدى العدو كيد ومكر. لقد أخفق هنا [لكن] ليس من الواضح أنه سيتوقف. سيذهب إلى مواضع أخرى وفئات [مختلفة] كالعمال والنساء. طبعاً إن سيّداتنا وعمّالنا الشرفاء شأنهم أعلى بكثير من الاستسلام للعدو أو الوقوع في خداعه. هذا أمر مسلّم.
لذلك، ما كان هدفاً للعدو لم يتحقق، لكنّ واقع المجتمع هو معاناتنا المشكلات، لدينا مشكلات. مشكلتنا الأكثر أهمية وعجالةً اليوم هي الاقتصادية. كما ترون، منذ سنوات وأنا أضع نقطة اقتصادية في شعار العام وأطلب من السلطات التوجه لحل هذه المشكلة ومتابعة هذه النقطة. لم تكن التسعينيات[12] عقداً جيداً لنا اقتصادياً، فقد نشأت مشكلات. لو فعلوا في ذاك اليوم الأشياء والنصائح نفسها التي من المفترض أن يفعلوها الآن، وسيفعلونها إن شاء الله، لكان وضعنا أفضل اليوم. الحظر مؤثر بالطبع، وبعض التدابير مؤثرة، والإدارة أيضاً... ذلك كله مؤثر. أرى - ما يلاحظه الإنسان - أن المسؤولين يسعون حقّاً. إنهم يسعون بجد، ويعملون، وعملهم فعّال في حالات كثيرة. إنه فعال أيضاً في هذا الوضع الاقتصادي لكن هناك مشكلة اقتصادية. طبعاً، تعاني اليوم دول مختلفة في العالم من مشكلات اقتصادية كما نحن. يجب أن نسعى لحل هذه المشكلة، إن شاء الله. هذا سيحدث بتعاون الناس مع المسؤولين، وتعاون الشعب مع الحكومة، وبتعاضدهم وتعاطفهم وتآزرهم، إن شاء الله. وسوف يصفع الشعب الإيراني العدو ضربة على فمه، بتوفيق من الله.
نرجو الله المتعالي أن يشملكم - أنتم الناس الأعزاء - برحمته وبركاته. ونأمل - إن شاء الله - أن يكون أهل أصفهان أكثر سعادة وحيوية واستعداداً وحضوراً في الصفوف الأمامية للثورة، إن شاء الله. ونأمل أن ترضى عنا الروح المطهّرة للإمام [الخميني]، وأن نكون قادرين أيضاً على أداء ما هو واجبنا أمام هؤلاء الناس الأعزاء والخدومين، إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، تحدث بكلمة حجة الإسلام والمسلمين السيد يوسف طباطبائي نجاد (ممثل الولي الفقيه وإمام جمعة أصفهان).
[2] بتاريخ 16/11/1982م، جرى في مدينة أصفهان بحضور شعبي عظيم تشييع 370 شهيداً أصفهانياً استشهدوا في عمليات «محرم».
[3] إشارة إلى زيارة سماحته إلى يوغوسلافيا، بتاريخ 2/1989م.
[4] كلمة سماحته في لقاء أهالي أصفهان، بتاريخ 30/10/2001م.
[5] دونالد ترامب.
[6] جو بايدن.
[7] سورة الأحزاب، الآية 22.
[8] في إشارة إلى اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي، ويوم التلميذ.
[9] الإمام الخمينيّ، صحيفة الإمام، ج11، ص121؛ كلمة في لقاء جمع من «حرس الثورة الإسلامية» في طهران، بتاريخ 25/11/1979م.
[10] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص156، الخطبة 108.
[11] سعدي، روضة الورود، الباب الثامن.
[12] العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.