كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع كبار مسؤولي السلطات الثلاث في البلاد، بتاريخ 2025/04/15م.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.
عيدكم مبارك. إن شاء الله، تتمكّنون أنتم وعائلاتكم من الاستفادة القصوى من هذه النيّات الطيّبة، وأن تُترجموا الأمور التي ذكرها الدكتور عارف -هو شخص مخضرم صاحب خبرة حقاً- إلى واقع عمليّ، وتتحقّق على الأرض[1].
يجدر بي أن أكرّر مرّةً أخرى تهنئتي بالعيد لعائلاتكم، ولا سيّما لزوجاتكم، وأعبّر عن شكري لهنّ، وأنا على يقين بأنّه إذا كانت الزوجات مساندات لأزواجهنّ ومتناغمات ومتكاتفات معهم في المهمّات التي تؤدّونها -سواء أكان الوزراء أم النوّاب في المجلس أم المعاونين أم المستشارين أم رؤساء مختلف الدوائر- ستسير الأعمال على نحو أفضل. هذا الأمر يتوقّف إلى حدٍّ ما أيضاً على سلوككم وتصرّفاتكم. بعض المسؤولين، عندما يدخلون ميدان العمل ويحملون المسؤوليّة، يأسرهم شغف العمل وحبّهم له إلى درجة ينسَون فيها أنّ لهم أبناءً، وأنّ لهم زوجة، وأنّ على عاتقهم واجبات أُسريّة، وأنّ لديهم بيتاً، وأنّ عليهم أن يتناولوا الغداء والعشاء مع أُسرتهم؛ ينسَون ذلك تماماً. لا تنسَوا ذلك!
أودّ أن أعلّق بجملة واحدة على ما تفضّل به الدكتور عارف. إنّ ما قرّرتموه وتتابعونه في الجلسات والاجتماعات العمليّة، أمرٌ جيّد طبعاً، وما ذُكر كلّه هو جيّد جدّاً، ولكن لدينا في البلاد نقصٌ، وهذا أمرٌ مهم. نحن لا نعاني من نقصٍ في القوانين، ولا من نقصٍ في اللوائح، ولا من نقصٍ في المقترحات الجيّدة -بل هناك كثير من المقترحات الجيّدة التي طُرحت ونوقشت وأُقرَّت- لكن ما نفتقر إليه حقّاً هو «المتابعة»؛ المتابعة! فلتتابعوا. بعض الإحصاءات التي ذكرها الدكتور [عارف] تدعو إلى التأمّل. على سبيل المثال، إحصاء استهلاك البنزين وفقاً للرقم الذي ذكره. ربّما يمكن القول إنّ هذا الرقم هو ضعف ما ينبغي أن تستهلكه البلاد. حسناً، لا بدّ من معالجة هذا الأمر، وهو قابل للحلّ. في وقتٍ ما، بلغ معدّل استهلاك البنزين اليوميّ في البلاد نحو 80 مليوناً، أو 75 مليوناً، وقد وصل أحياناً إلى أقلّ من ذلك؛ أمّا الآن، فقد ذكر الدكتور رقماً يتجاوز الـ160 مليوناً! تجب متابعة هذه المسألة وملاحقتها. كذلك الأمر في ما يتعلّق بالمدارس وفي العدالة في التعليم، وفي الشؤون التي تخصّ الفئات الفقيرة والمستضعفة؛ تجب متابعتها. رجائي منكم أن تتابعوها. الاجتماع جيّد، والقرار المتّخذ جيّد، كما إنّ الحماسة واللهفة عند الرؤساء والمديرين جيّدان جدّاً وضررويّان ومباركان، ولكنّهما غير كافيين. أنتم بوصفكم مديرين، لديكم الحماسة ولديكم الرغبة، وتصدرون أمراً لمرؤوسكم، وهو بدوره قد يعطي الأوامر للشخص التالي، ولكن على مدى هذه العمليّة، يبدأ ذاك الأمر في الضغف تدريجيّاً، ويضعف أكثر فأكثر، وأحياناً يصل إلى نقطة لا يحدث فيها أيّ شيء.
أحد الأعمال الضروريّة جدّاً هو التوفير. لقد دوّنت بعض الملاحظات عن مسألة شعار العام وما إلى ذلك، وسأعرضها الآن، ولكن التوفير مهمّ جدّاً، في استهلاك الكهرباء، وفي استهلاك مصادر الطاقة. على الأجهزة الحكوميّة أن تكون الأكثر توفيراً؛ لأنّ المستهلك الأكبر هو الحكومة نفسها، فهي أكبر مستهلك للبنزين وأكبر مستهلك للكهرباء، وكذلك في سائر الأشياء. عوّدوا [أنفسكم] على التوفير؛ فكما قال سعدي:
بدخلك فاحتفظ إن قلَّ واسمعْ صدى الملاحِ إذْ لكَ قد يُزَفُّ
إذا الأمطارُ لم تصبح سيولاً بهذا العامِ دجلةُ قد يَجِفُّ[2]
هذا هو الحال. طبعاً، من أجل بعض من أعضاء المجلس الذين يتحدّثون اللغة الأذريّة: «إذا اختفى النهر اختفت بغداد»[3]. هذا أيضاً جانب آخر من المسألة، وفي النهاية يجب أخذ هذه المتابعة على محمل الجدّ. هذه المسألة الأولى.
لقد دوّنت هنا أنّه يجب أن نضع جدول أعمال مشتركاً عالي المستوى للأجهزة في مجال القضايا الاقتصاديّة، والمساعدة في تحقيق شعار العام؛ بمعنى أنّ «الاستثمار في الإنتاج» يجب أن يكون شعاراً، ويجب أن يشعر الجميع بالالتزام تجاه هذا العمل، فهذا سيساعد في إنقاذ البلاد من مشكلات كثيرة.
لدينا مشكلة في الاستثمار. المال موجود لدى الناس إلى حدٍّ ما، ولكن الإنجاز يكمن في أنّكم -سواء البنك المركزيّ أو وزارة الاقتصاد أو بعض الأجهزة الأخرى- تستطيعون توجيه هذه الأموال نحو الاستثمار والاستثمارات في الإنتاج. تابعوا هذا الأمر، فهو في مهمّ جدّاً. طبعاً، بالنسبة إلى الناس أيضاً؛ أي أولئك الذين يرغبون في الاستثمار، فإنّه لمفخرة أن يكون لديهم المال، ويستطيعوا استثماره من أجل تقدّم البلاد وتحسين أوضاعها؛ ذكّروا الناس بهذه المفخرة أيضاً، ليعلموا أنّه ينبغي أن يفتخروا بذلك. لكن العمل الرئيسيّ هو في عاتق الحكومة؛ أي الحكومة بالمعنى العام، أي السلطات؛ فالسلطة القضائيّة لها دور، والمجلس له دور، والدوائر الوزاريّة المختلفة لها دور في أن يحدث هذا الأمر ويتحقّق.
وفّروا بيئة استثمار آمنة. في إحدى المرّات قبل عدد من السنوات، عقدنا اجتماعاً هنا في الحسينيّة، وتحدّثتُ حينها عن جذب الاستثمار الأجنبيّ وما شابه ذلك. قال أحد الأصدقاء المخضرمين وذوي الخبرة -رحمه الله- إنّ الاستثمار الأجنبيّ يأتي كنتيجة للاستثمار المحلّيّ. إذا أصلحتم الواجهة [الاستثماريّة] هنا، فسيتبيّن أنّ المستثمر المحلّيّ يملك الرغبة والاهتمام والحماسة للاستثمار، وهو مستعدّ للدخول فيه؛ وهذا بدوره سيُشجّع المستثمر الأجنبيّ أيضاً، فيقول: نعم، الفرصة سانحة للاستثمار. أزيلوا معوِّقات الاستثمار الداخليّ، فهذه من أفضل السبل لإبطال مفاعيل الحظر.
لقد قلتُ مراراً إنّ مسألة الحظر لها طريقان للعلاج: أحدهما رفع الحظر، وهذا ليس بأيدينا، بل بيد الطرف الآخر؛ والثاني هو إبطال مفاعيل الحظر، وهذا بأيدينا نحن. ابحثوا عن سُبل إبطال مفاعيل الحظر؛ فهناك طرق عدّة، وفعلاً يمكن ذلك، بل وحتّى إذا ما أحسنّا الاستفادة من المقدّرات الداخليّة، يمكن جعل البلاد منيعة أمام الحظر؛ بمعنى أنّه حتّى لو فُرِض الحظر، فإنّ البلاد ستتمكّن من تجاوز محنتها والخروج من هذا المستنقع؛ فالإمكانات الداخليّة للبلاد لديها هذه القدرة.
إنّ مسألة توسيع العلاقات التجاريّة، التي أشاروا إليها هي من الأمور التي أؤكّدها بشدّة. يجب تسهيل العلاقات الاقتصاديّة مع دول الجوار في الأولويّة، ومع الدول التي تُعَدّ أقطاباً اقتصاديّة في آسيا، مثل الصين وروسيا والهند. طبعاً، بعض هذه الأمور صعبة جدّاً، ونحن نعلم ذلك، ولكن كلّ عمل صعب يمكن إنجازه ببذل كثير من الجهد والتدبير الحسن. لذلك، إنّ مسألة التواصل مع الجيران مهمّة. في هذه [القضايا] أيضاً، تلعب الأيدي الوسيطة دوراً فعّالاً جدّاً؛ أي هؤلاء المديرون الوسطاء الذين اعتادوا أحياناً استيراد سلعة من مكان ما. منذ أيّام عدّة، حدّثت أحدهم عن واقعة حدثت في مدّة رئاستي للجمهوريّة: عندما زرتُ أحد البلدان الإفريقيّة -كان مركزاً متقدّماً في تربية المواشي والزراعة، ولا يزال كذلك- قال لي رئيس تلك الدولة: «اللحم الذي ننتجه هو لحم فاخر، فالأوروبّيّون يأتون ويشترونه منّا، وأنتم تستوردون اللحم من أوروبّا -حينذاك، أي في ثمانينات القرن الماضي، كانت الواردات كلّها تتمّ عبر الحكومة، بما في ذلك استيراد اللحوم- أي الأوروبّيّون يبيعونكم اللحم ذاته الذي يشترونه منّا بضعف السعر!» عندما عدت إلى هنا، أبلغت المسؤولين بذلك، وقلت لهم: اذهبوا وتابعوا هذا الأمر، ولكنّهم لم يفعلوا شيئاً؛ كان هناك ترحيب بالكلام، لا بالفعل. إنّ مسألة التجارة مع الجيران ومع الأقطاب الاقتصاديّة ومع مختلف الدول، وكذلك مع أفريقيا -التي ذكرتها بالاسم- أمرٌ جيّدٌ جدّاً. هذه الاتّصالات التي يجريها الرئيس المحترم[4] مع رؤساء هذه الدول في مناسبة العيد وما شابه ذلك، جيّدة جدّاً، وهي مفيدة، كما إن تحرّك وزارة الخارجيّة، عبر السفر والزيارات، يُعدّ جهداً مميّزاً.
سأتحدّث بكلمة عن محادثات عُمان[5]. هذه المحادثات هي واحدة من -أريد أن أُشير إلى هذه النقطة- عشرات المهمّات التي تتولّاها وزارة الخارجيّة؛ أي إنّ وزارة الخارجيّة لديها عشرات المهمّات، وإحدى هذه المهمّات هي محادثات عُمان والقضايا التي طُرحِت أخيراً. احرصوا على ألّا تربطوا قضايا البلاد بهذه المحادثات. هذا ما أؤكّده. احذروا أن يتكرّر هنا أيضاً الخطأ الذي ارتكبناه في الاتّفاق النوويّ. حينذاك ربطنا كلّ شيء لدينا بتقدّم المفاوضات، أي جعلنا البلاد مرهونة بها. من الطبيعيّ أنّه حين تصبح أمور البلاد معلّقة بالمفاوضات، فإنّ المستثمر لن يُقدم على الاستثمار. هذا بديهيّ! هو سيقول: لنرَ إلى أين ستؤول المفاوضات. هذه المفاوضات هي مجرّد عمل من الأعمال وأمر من الأمور وموقف من المواقف، وهي مهمّة من بين عدد من المهمّات تتابعها وزارة الخارجيّة، وعلى البلاد أن تواصل أعمالها في مختلف القطاعات: في قطاع الصناعة وقطاع الزراعة ومختلف قطاعات الخدمات وقطاع الثقافة والقطاعات العمرانيّة، وسائر القضايا التي وُضعت لها عناوين محدّدة، والقضايا الجارية في جنوب شرقي البلاد. ينبغي أن تتابعوا هذه الأمور بكلّ جدّيّة، فهي غير مرتبطة بتاتاً بالمحادثات التي انطلقت وتحدث في عمان. هذه قضيّة أيضاً.
في المناسبة، يجب ألّا نُغالي في التفاؤل بشأن هذه المحادثات، ولا نُبالغ في التشاؤم أيضاً. هي في نهاية المطاف مجرّد إجراء؛ إنّها خطوة اتُّخذَ فيها قرار وتُنفِّذ، وقد سارت على نحو جيّد في مراحلها الأولى، وينبغي مواصلتها بدقّة من الآن فصاعداً، فالخطوط الحمراء واضحة، سواء بالنسبة إلينا أو إلى الطرف الآخر، وينبغي متابعة المفاوضات بمسار جيّد، قد تنجح المفاوضات وقد تفشل؛ نحن لسنا متفائلين جدّاً ولا متشائمين جدّاً. طبعاً، نحن شديدو التشاؤم تجاه الطرف المقابل ولا نثق به؛ لأنّنا نعرفه جيّداً، ولكنّنا متفائلون بقدراتنا، ونعلم أنّنا نستطيع فعل الكثير، ونجيد الأساليب جيّداً. هذا هو واقع الحال.
مسألة خطّة التنمية السابعة هي أيضاً مسألة مهمّة، وقد انطلقت أخيراً هذا العام بعد تأخّر. ينبغي السعي إلى ألّا تكون بدايتها مثل بداية خطة التنمية السادسة. لقد شهدت بعض جوانب خطة التنمية السادسة انحرافاً منذ البداية؛ لذا، حاولوا ألّا تنحرف الأجزاء المختلفة من خطّة التنمية السابعة. هي ما أقرّه مجلس [الشورى الإسلاميّ]، وتعدّ خطوةً ضروريّة للبلاد، إذ ترتكز على السياسات العامّة للنظام، وهي في مجملها خطّة جيّدة. هي قانون في النهاية ويجب تنفيذه، ولكن ينبغي التدقيق في أن تُنفَّذ وفقاً لمعاييرها وعلى نحو صحيح، وألّا يحدث فيها أيّ انحراف.
سأتحدّث بجملة عن قضيّة غزّة. بشأن قضايا غزّة؛ إنّ هذه العصابة الإجراميّة المتسلّطة على فلسطين قد تجاوزت حدود الإجرام كلّها. لقد تعدّوا الحدود كلّها حقّاً. أنا شخصيّاً لم أرَ قطّ مثل هذا الفعل المتعمّد والموجّه لاستهداف المظلومين خصوصاً، من الأطفال والمرضى والصحافيّين والمستشفيات وسيّارات الإسعاف؛ أي إنّه أمرٌ في غاية الغرابة حقّاً. هذا الأمر يتطلّب قدراً استثنائيّاً من الشقاء، وهو ما تجيده هذه العصابة والجماعة الإجراميّة الخبيثة.
في رأيي، على العالم الإسلاميّ أن يُقدم على تحرّكٍ ما، وأن يفعل شيئاً. ينبغي التنسيق جيّداً -سواء على المستوى الاقتصاديّ أو السياسيّ أو حتّى العمليّاتيّ في حال استدعى الأمر ذلك- وعلى [أبناء] العالم الإسلاميّ أجمعين أن يفكّروا في هذه القضيّة، ويعملوا من أجلها. طبعاً عليهم (الصهاينة) أن ينتظروا سوط الله أيضاً؛ أي إنّ هذا الظلم الذي يمارسونه سيتبعه ردٌّ إلهيّ قاسٍ؛ ولا شكّ في ذلك. لكنّ هذا، بطبيعة الحال، لا يُنقص شيئاً من المسؤوليّة المُلقاة على عاتق الناس، ولا من واجبنا نحن، ولا من دور الحكومات. اللهُ المتعالي يباشر فعله، ولكن علينا نحن أيضاً أن ننهض بمسؤوليّتنا.
نأمل -إن شاء الله- أن يجعل الله المتعالي عاقبة الشعوب المسلمة جميعها والأمّة الإسلاميّة والشعب الإيرانيّ العزيز وأنتم المسؤولين، خيراً، وأن ييسّر الأمور، وأن يرضى الله المتعالي عنّا وعن عملنا، إن شاء الله. ضعوا الله دائماً نصب أعينكم في أعمالكم كلّها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، تحدّث الدكتور محمّد رضا عارف (النائب الأوّل لرئيس الجمهوريّة)، وطرح بعض النقاط.
[2] «روضة الورد» (گلستان)، سعدي الشيرازي، ترجمة محمد الفراتي، ص. 254:
«چو دخلت نیست خرج آهستهتر کن که میگویند ملّاحان سرودی»، «اگر باران به کوهستان نبارد به سالی دجله گردد خشکرودی».
[3] مَثل في اللغة الأذرية: «شط اگر اولماسا بغداد اولماز».
[4] الدكتور مسعود بزشكيان.
[5] إشارة إلى المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأمريكا بشأن الملفّ النوويّ الإيرانيّ ورفع الحظر، والتي عُقدت جلستها الأولى في 12/04/2025م في سلطنة عُمان.