إن شريعة الإسلام المقدسة أبدت عناية فائقة بالزواج فقال رسول الله فيه:
"ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج"1.
وكذلك وصلنا متواتراً قول أمير المؤمنين عليه السلام .
"تزوجوا، فإن التزويج، سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه كان يقول: من كان يحب أن يتبع سنتي، فإن من سنتي التزويج"2.
لقد حث الإسلام الذكر والأنثى على الزواج المبكر وأكد أهميته، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم:
"النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني"3.
يجب ألا يمنع الفقر من الزواج
أكد الإسلام التزويج في كل مناسبة تسنح لهذا التوكيد، فقال تعالى:
﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ 4.
يعني أنه يجب ألا يكون الفقر سداً مانعاً لعملية الزواج، فما هذا إلاّ وسوسات شيطانية إذا صدقناها أسأنا الظن بالله تعالى. وسوء الظن بالله من المحرمات.
لقد وعد المولى سبحانه وتعالى عباده أن يفتح أبواب الرزق لمن أراد الزواج وكان فقيراً. وقد قال أبو عبد الله عليه السلام: "من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله عز وجل إن الله تعالى يقول: "إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ".
مباهاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالزواج
إن الزواج وحفظ نسل المسلمين لهو من دواعي فخر ومباهاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه قال: "تناكحوا وتناسلوا فإني أباهي بكم يوم القيامة ولو بالسقط"5.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم غدٍ في القيامة حتى إن السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: لا أدخل حتى يدخل أبواي الجنة قبلي"6.
عدم الموانع في طريق الزواج
لقد أزاح الإسلام عن طريق الزواج موانع وسدود مهمة، فأقرّ الإسلام قلّة المهر، والجهاز المنزلي.
وفي الحقيقة أننا من سلوك النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليه السلام ومسلمي صدر الإسلام نفهم بوضوح كيف أزاحوا العراقيل عن جادة الزواج.
لقد نبذ الإسلام العظيم الأساطير فأكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سحق الخرافات تحت أقدام الإسلام" وما تزويج الإمام علي عليه السلام من ابنته فاطمة وذهاب فاطمة الزهراء سلام الله عليها إلى بيت الزوجية كلها دلائل تشير إلى أن الإسلام حارب الخرافات والجاهلية معاً.
زواج الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام
جاء الإمام علي عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن عرض في محضره أحاديث كثيرة قال: يا رسول الله، أنت ذخري وملاذي في الدنيا والآخرة، يا رسول الله، رغم محبتك لي وعنايتك زوجني امرأة آنس بها وتكون لي أهلاً.
يا رسول الله: جئت إليك أخطب ابنتك فاطمة. فأعقد لي عليها.
قالت أم سلمة: رأيت جبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتلألأ من شدة الفرح، بعدها تبسم بوجه أمير المؤمنين عليه السلام وقال له: يا أبا الحسن، هل لديك مهر فاطمة عليه السلام لأعقد لك عليها؟
فقال علي عليه السلام: فداك أمي وأبي، وهل يخفى عليك أوضاعي وأنت تعلم أن لي سيفاً ودرعاً وجملاً واحداً أحمل عليه الماء. ولا غير هذه الأشياء عندي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنك غير مستغنٍ عن سيفك هذا، لأنك تريد جهاداً في سبيل الله، وتحارب به أعداء الله.
وأما الجمل، فتحمل عليه الماء لتروي به أشجار النخيل، وتحمل عليه متاعك في السفر. إني أزوجك فاطمة عليه السلام بدرعك هذا"7.
جهاز سيدة الإسلام الأولى
لقد كان جهاز فاطمة عليه السلام قميصاً واحداً قيمته سبعة دراهم، ونقاباً قيمته أربعة، وقماشاً من القطيفة أسود خيبرياً، وسريراً نسج بليف النخيل وسطه، وفراشين، وأربعة من المساند من جلود الطائف، وستارة واحدة من الصوف، وحصيراً من الخوص، رحى واحدة، وقدراً من البرونز، وقدحاً لشرب الماء صنع من الجلد، آنية خشبية لجمع اللبن، وقربة ماء، وإبريقاً طلي بالقير، وغطاءً أخضر لآنية، وإناءً خزفياً واحداً لشرب الماء.
عطية الزهراء البتول عليه السلام
عند طريقها إلى بيت علي عليه السلام وهي عروس تزف، صادفت فاطمة الزهراء عليه السلام امرأة محتاجة، فأعطتها- سلام الله عليها لباس عرسها ولبست هي لباس المرأة المحتاجة، وبهذا اللباس البالي ذهبت إلى بيت زوجها.
وفي صبح اليوم التالي جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيتها فرآها بغير لباس عرسها، فقصت عليه ما حدث بالأمس، ففرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قال: "فدتك أمي وأبي يا ابنتي".
والتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي وقال له: "يا علي، إن فاطمة هذه هي كفؤ لك، ولم لم تكن لما وجدت من تكون كفؤاً لك. ثم قال لفاطمة الزهراء عليه السلام: يا زهراء، إن علياً هذا هو كفؤ لك ولو لم يكن لما وجدت من يكون كفؤاً لك.
مثال للزواج في صدر الإسلام
كان الزواج في صدر الإسلام يسيراً.
وإذ ذاك جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم امرأة وقالت له: "تزوجني يا رسول الله".
ولم يكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم راغباً في ذلك، ولا في ردها بغير احسان إليها، فطأطأ رأسه إلى الأسفل، وإذا بأحد الأصحاب ينهض من الجمع يا رسول الله: إن كنت لا ترغب في زواجها فزوجنيها.
فرفع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رأسه ونظر إليها وقال: ما تقولين؟
فقالت: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال الرسول للرجل: ما عندك؟
فأجاب: ليس لي إلا هذا القميص الذي يسترني.
فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أتحفظ القرآن؟
فقال: احفظ منه سورة الواقعة.
فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمرأة: هل ترضين بسورة الواقعة تعليماً مهراً لك؟
فأجابت بنعم فقرأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خطبة العقد لهما وقال للرجل: لا أريد أن أراك إلاّ وماء الغسل يقطر من رأسك.
البدعة في أمر الزواج
لقد أزال الشرع المقدس الإسلامي عن طريق الزواج كل الموانع والعوائق التي تطرقنا إليها سلفاً، وكل بدعة يأتي بها الإنسان ويلصقها بالإسلام يجب أن يعطي الدليل عليها يوم القيامة، والمبتدع ومروج البدعة شريكان في الذنب.
لقد وكد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الزواج برفعه الموانع من طريقه.
الزواج نوع من أنواع الجهاد
للزواج أثر حسن في المجتمع والنسل الجديد فإدارة الزوجة البيت في نظر الإسلام جهاد في سبيل الله، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جهاد المرأة حسن التبعل8.
وكذا الأمر بالنسبة للرجل، فربوبية الأسرة ثوابها كبير وكما عبر المعصوم عليه السلام: "الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله"9.
ولقد جاء في الخبر ما مضمونه: كل قطرة تسقط من غسل من بدن الرجل أو امرأته يبدلها الله بملك يستغفر لهما إلى يوم القيامة.
وقد رفعت الموانع والخرافات في ظل الجمهورية الإسلامية، فعلينا جميعاً ألا ندعها تعود إلينا منغصة حياتنا بكدرها وشرها الحاجب للنجاة من الآثام.
الحاجة إلى الزواج عضوية
عضوياً، يحتاج من يبلغ سن الرشد من فتى أو فتاة إلى الزواج، وإذا لم يبلغ حاجته اضطرب فكره وشعوره وبدنه، فظهر مجتمع مريض وفاسد.
طبقاً لأحكام التكوين الإلهي، عند العطش يشرب الماء، وإذا تحمل الإنسان وعانى مشقةً معاكسة للتكوين الإلهي بحركة هو يسعى لها، سوف يسلم أمره مجبوراً في النهاية ويتناول الماء أو يموت.
وهكذا الحاجة الفطرية إلى الولد، فهي في صميم الفتيات والفتيان إذا بلغوا سن الرشد.
فإذا عوملوا خلافاً للتكوين العضوي انجرفوا إلى شاطئ الفساد، وبذلك يفسد المجتمع.
وما نراه في المجتمعات المدعية بالرقي والحضارة من فساد هو ثمرة للعمل على خلاف الفطرة، إذ يجر الحرمان والابتذال الجسديان إلى الكآبة والشقاء والتوتر العصبي المدمر للطمأنينة والاستقرار.
أسباب أهمية الزواج من منظار إسلامي
ترجع أهمية الزواج في الإسلام إلى نقطتين:
1- ارضاء الغريزة
فالزواج يفي بحاجة جسدية ماسة جداً وفاءً سليماً طاهراً مما يشين النفس ويتلف البدن. أي أنه يصون الإنسان نفساً وجسماً من مخاطر الكبت والابتذال الشهويين.
هذا الإنسان مثلما يحتاج للماء عند العطش وللغذاء عند الجوع ويحتاج للنكاح عند الشبق. والزواج هو السبيل لسد هذه الحاجة الأساسية الماسة، ولذا شرعه الإسلام بضوابط حكيمة تضمن سرور الزوجين ببعضهما وتحابهما الدائم.
2- التربية الإنسانية
إن السبب الثاني الذي أكد عليه الإسلام في تشكيل الأسرة وهو أمر مهم جداً ألا وهو التربية.
لقد بينا سابقاً أن جو الأسرة هو مكان حي للتربية تنشأ فيه النفوس الطيبة وتزدهر فيه المكارم، وتنزاح الرذائل، إذا يتعاون الزوجان البصيران على إظهار الخير والحق والجمال، ومحو الشر والباطل والقبح في بناء أسرة متحابة متماسكة.
وهذه الغاية تفرض علينا أن نعطل كثيراً من رغباتنا في البيت، لأن هذا التعطيل للرغبات وغض النظر عن بعض الاشتباهات في محيط الأسرة، ضروري جداً لتكوينها وتهذيبها.
وإذا ما صبرت المرأة وزوجها قربة إلى الله تعالى وتحمل أحدهما الآخر في سبيل الله، آتاهما الله أجراً وثواباً كبيراً وفي الخبر جاء ما مضمونه: "من صبر على سوء خلق المرأة أعطاه الله ثواب أيوب في بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها ثواب آسيا"10.
1- وسائل الشيعة ، ج14 ، ص3 .
2- وسائل الشيعة ، ج14 ، ص4 .
3- وسائل الشيعة ، ج14 ، ص4 .
4-سورة النور، الآية: 32
5- بحار الأنوار ، ج44، ص169 .
6- تحرير الأحكام ، العلامة الحلي ، ج3 ، ص414 .
7- راجع بحار الأنوار ، ج43 ، باب تزويج فاطمة الزهراء .
8- الهداية ، الشيخ الصدوق ، ص60 .
9- الدروس ، الشهيد الأول ، ج3 ، ص160 .
10- مكارم الأخلاق ، الطبرسي ، ص313 .