القرآن بشكل كلي يحث الإنسان على ستر عيوب الآخرين، وليعلم هذا الإنسان أنه خطاء وكله عيوب ونقص من مفرق رأسه وحتى أخمص قدميه؛ ولو كشف الله ستار العيوب عن أنظار الناس، لافتضح هذا الإنسان بشكل تشمل الفضيحة معه الخاص والعام.
فينبغي للإنسان أن يشكر المولى على هذه النعمة العظيمة حين أعمى البصائر عن نقائص وأخطاء الآخرين ليكم بذلك الأفواه عن فضح العيوب؛ وحري بالزوجة خاصة أن تهتم بهذا الأمر المهم ولتعلم أن الفقر والغنى كليهما ابتلاء للإنسان.
فبالغنى والفقر يمتحن الله مخلوقاته
فعلى الزوجة أن لا تنتقص من زوجها ولا تنظر إليه من منظار مادي، وتسعى جاهدة أن لا تقارن بين حرمانها الحياتي مع غنى أقاربها ومعارفها حتى لا تتبدل حلاوة الحياة بمرها، فيطغى ذلك مؤثراً في نظام الأسرة.
وقد جاء في الأخبار أن أمير المؤمنين عليه السلام دخل بيته المتواضع أحس بالهدوء والطمأنينة وسكنت آلامه في الزهراء عليها السلام التي كانت تبذل قصارى جهدها لتخفف عنه أعباء الحياة وأذى الناس.
أما، إذا كانت الزوجة بعيدة عن الصلاح ولا تتصف بما عرضناه من صفات النساء الصالحات، ولا تؤدي ما عليها لزوجها فما الحل لهذا المشكل؟ الجواب: الموعظة فقط.
الخلافات الناتجة من اهمال الزوجين
يمكن أن نجمل ما نريد أن نقول: عند مشاهدة اهمال من الزوجة يمكن أن تتلافى الفوضى الأسرية باسداء النصيحة من غير ان تسيء الأدب لأحد من الأسرة، لأن الكلام غير المناسب يتلف الثمرة المرجوة.
إن أغلب المشكلات التي تحدث الخلل في النظم الأسري ليس فقط من المرأة فقد تكون من الزوجين كليهما.
ويمكن أن نرجح أكثر الاختلافات والمشكلات في الأسرة إلى الرجل، لأنه يتصرف بخشونة واستعلاء.
إذا كنا نروم اصلاح المرأة، ينبغي أن لا نغفل عن أنفسنا، إذ من المهم أولاً أن نترفع عن المعاصي والأخطاء ونربي أنفسنا قبل اصلاح غيرنا ولا سيما الزوجة التي تتأثر بما تشاهد من أفعالنا أكثر من تأثرها بما تسمع من أقوالنا النصح والموعظة. وبهذه الطريقة فقط يمكن أن نقلل من ظهور المشكلات وبروز الاختلافات.
إن ضغوط الحياة والعمل والمجتمع لا ينبغي أن تنعكس على محيط الأسرة لتطفو المشكلات على سطح الحياة البيتية، لما لسوء الخلق والتخاذل الذي يبديه الأب والأم من أثر سلبي على الأولاد.
لقد أشار علماء النفس كثيراً إلى أن التعامل الحاد والخشن والضرب قد يضر الأولاد ويدمر شخياتهم، ربما أدى إلى ضياعهم ضياعاً لا يؤثر فيه الإصلاح والتهذيب.
ما يحفظ سلامة الأسرة
أولاً: البيت أول مدرسة لتقويم الإنسان
يجب أن يكون المنزل هو الدرس الأول لتربية الأولاد، فيشع ألواناً طيبة من التفاهم والمحبة والانسجام والايثار والتجاوز عن أخطاء الآخرين.
ولا يليق أبداً أن يكون مكاناً لنزاع الأبوين. لأن هذا النزاع يكون بداية لضياع أهم الحقوق التي يجب أن تكون حكراً على الأولاد.أو لم يكن الظلم الذي ألحق بأولادكم مرجعه إليكم؟ أو لم تكونوا السبب الرئيسي في خيبة أولادكم وعصيانهم لكم؟!
لا ينبغي للأبوين أن يغفلا أبداً عن أن أي عمل مهما كان صغيراً سوف يكون له الأثر الفعال في الأولاد، فالبيت أو المنزل هو الباعث الأساسي لتكوين شخصية الأولاد.
وإذا ما أهملنا أو تقاعسنا في هذا الأمر كنا مصداقاً للآية الشريفة التي تقول: ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ 1.
أعزائي، حافظوا على الهدوء داخل المنزل لضمان سلامة المحيط العام للأسرة.
حافظوا على الابتسامة مع الأهل والأولاد بشكل موقر حين التعامل معهم، وابتعدوا عن القلق والاضطراب في المنزل.
وإن كان لابد وأن يظهر عليكم، فلا بأس أن يكون خارج حدود المنزل، وفي أثناء مواجهتكم للمعضلات والمشاكل ينبغي بكم أن تكونوا حديين وجادين في قطع دابر المشكلة من الأساس. ولتعلموا أن الهم وتجرع الغصص مثلها كمثل الأفعى والعقرب فإن لم تسارعوا إلى إبادتها، ابادتكم.
واحفظوا ألسنتكم ولا تهدموا بيوتكم بالكلام الجارح الذي يعمل على تكدير الصفاء عن المنزل ناهيك عن تخريبه لنظام الأسرة. واسعوا أبداً أن لا تكونوا السبب في امتعاض الأهل والأولاد والأصدقاء منكم.
أحبوا أهليكم وأولادكم، وتقربوا إليهم بالحديث الطيب مظهرين لهم محبتكم التي تنم عن عواطفكم الجياشة تجاههم وكونوا كما قال الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "قول الرجل لأمرأته إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً"2.
وبهذه الكلمات القليلة يمكن للرجل أن يتلافى كثيراً من المشكلات الثقال التي قد تثار من قبل الزوجة، بل إن هذه العبارة تسهم إسهاماً فعالاً في تنشيط الزوجة وتعطيها زخماً أكبر مما كانت عليه يساعدها في إدامة تربية الأطفال.
وأنتم جديرون أن تعلموا أن أساس استحكام نظام الأسرة يقوم على الود والاحترام المتقابل بين الرجل والمرأة.
وهذا الود والاحترام سيساعد في تنمية نور الرأفة والمحبة والحنان في قلبيهما، وبقائه مضيئاً.
الأولاد قد لا يشكون من الحرمان المادي بقدر ما يعانون من الاختلافات والتعنت الذي قد يحصل في الأسرة، لما لهذه الأمور من تأثير مباشر في كسر شوكة المعنوية والعطف.
التوادد والتحابب والرأفة يمكن أن تسد المكان الخالي من الفقر والحرمان والفاقة.
عليكم أن تعلموا أيها الأعزاء: أنه إذا ما قدر أن تنعدم الرفقة والمحبة المتبادلة بين الزوج والزوجة.
وكذلك العطف الذي يبديه الزوجان تجاه أولادهما، وإذا ما فقدت البشرية المحبة بين أفرادها، تلاشت المجتمعات الإنسانية، أو وقعت في مستنقع الضجر والرذيلة.
وما مشاهداتنا لكل هذه الجرائم، الظلم، الاعتداء، الاغتصاب، حالات الطلاق والخلافات بين الشرقيين والغربيين إلا نتيجة واقعية لغياب الروح العنوية والالتزامات النفسية مما جر إلى تبديل الروح الإنسانية بروح آلية مادية فقدت روحها وبقي منها ما يشبه الجماد فلا ود ولا صفاء نفسي ولا حتى آثار للعاطفة والرحمة.
ثانياً: المحبة منشأ العفة
لن تكون هناك عوامل أو أسباب تخرج المرأة أو الزوجة عن مسيرة العفة والطهارة إذا أحبت زوجها، لأن أغلب الانحرافات والخلافات التي يمكن أن تحدث للنساء أو للأولاد تبدأ من ضآلة ما يبديه الرجل لأمرأته وسائر الأسرة من محبة واحترام.
لاشك أن كل فرد في الجتمع الإنساني يحتاج إلى المحبة ، وهذه الحاجة تظهر بوضوح عند النساء أكثر وأقوى مما نجده عند الرجال وأساس هذه المحبة فطرية.
فعلى الرجل أن يعمل بجهده ويبذل ما في وسعه لأن تحظى هذه المسألة بعناية خاصة داخل محيط الأسرة. فيسلك مختلف الطرق للفوز باعتماد الزوجة الذي ينبع من إظهار الود والمحبة لزوجته وأسرته جميعاً، حتى إذا عظم الود في نفوسهم تفادوا وضحى كل منهم من أجل الآخر.
وهذا ما نشاهد أثره في تنظيم سلوك الأسرة، وطالما ذكر الأئمة الأطهار به، قال الصادق عليه السلام: "من أخلاق الأنبياء حب النساء"3 .
وفي أحاديث أخرى للإمام الصادق عليه السلام يذكر فيها ما معناه أن: كلما زاد حب الرجل لزوجه كان إيمانه بالله أكثر"4 .
وقال عليه السلام:"كل شخص كان بنا أهل البيت رحيماً كان بزوجه أرحم"5 .
وكذا قال الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله" 6.
من هنا، يتبين لنا أن العظماء أرادوا أن نتعلم من هذه التوصيات كيفية الحفاظ على المحيط الأسري وجعل المنزل مكاناً للأمن والاطمئنان، والابتعاد عن الأنظمة الاجتماعية الأرضية التي ما فتأت تفسد حياة الأسر وتسعى لتفتيت القوانين الاجتماعية بشكل عام والأنظمة الداخلية أي على صعيد الأسرة مما يسهم في اضمحلال وفساد وتمييع المجتمع البشري العالمي.
1-وسائل الشيعة، ج7، ص10.
2-الزمر: 15.
3-وسائل الشيعة، ج7، ص10.
4-لكسب معلومات أدق عليك بمراجعة مقالة الجمال، مقالة الحب والعبادة من كتاب "الفطرة" للشهيد مطهري.
5-وسائل الشيعة ج7 ص9 كتاب النكاح.
6-وسائل الشيعة ج7 ص11 كتاب النكاح.