بسم الله الرحمن الرحيم
مع عقائد اليهود وآثارها:
قبل أن نبدأ بالحديث عن العمليات العسكرية التي جرت بين المسلمين واليهود فيما بين بدر وأحد، نود أن نشير باختصار إلى بعض عقائد اليهود، ثم إلى بعض ما يرتبط بمواقفهم وخططهم، ومؤامراتهم على الاسلام، وعلى المسلمين، فنقول:
1 - عنصرية اليهود: اليهود شعب عنصري، مؤمن بتفوق عنصره على البشر كافة. والناس عندهم لا قيمة لهم ولا اعتبار، وانما خلقوا لخدمة الإسرائيليين وحسب. فكل الناس اذن يجب أن يكونوا في خدمتهم، وتحت سلطتهم، كما يقول لهم تلمودهم. فقد جاء في التلمود ما ملخصه: إن الإسرائيلي معتبر عند الله أكثر من الملائكة. وأن اليهودي جزء من الله. ومن ضرب يهوديا فكأنه ضرب العزة الإلهية. والشعب المختار هم اليهود فقط، وأما باقي الشعوب فهم حيوانات. ويعتبر اليهود غير اليهود أعداء لهم، ولا يجيز التلمود أن يشفق اليهود على أعدائهم. ويلزم التلمود الإسرائيليين بأن يكونوا دنسين مع الدنسين، ويمنع من تحية غير اليهودي الا أن يخشوا ضررهم، ولا يجيزون الصدقة على غير اليهودي. ويجوز لهم سرقة ماله، وغشه، كما أن على الأمميين أن يعملوا، ولليهود أن يأخذوا نتاج هذا العمل. ويجيز التلمود التعدي على عرض الأجنبي، لأن المرأة إن لم تكن يهودية فهي كالبهيمة. ولليهودي الحق في اغتصاب غير اليهوديات. ولا يجوز لليهودي الشفقة على غيره. ويحرم على اليهودي أن ينجي غيره1 إلى آخر ما هنالك، مما لا يمكن الإحاطة به في هذه المناسبة. نعم، هذه هي نظرة اليهود لغيرهم، وهذه هي حقيقة ما يبيتونه تجاه كل من هو غير يهودي. وقد نعى الله تعالى عليهم هذه النظرة السيئة، فقال: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء ...﴾2. فهو يؤكد لهم: أنهم كغيرهم من الخلق، يعذبهم الله بذنوبهم، ولا فضل لهم على غيرهم، لان التفاضل انما هو بالتقوى والعمل الصالح.
2 - اليهود وحب الحياة الدنيا: واليهودي أيضا يؤمن بالمادة، ويرتبط بها بكل وجوده وطاقاته، فهو يحب المال وجمعه حبا جما، وهو يعيش من أجله، ويعمل في سبيله بكل ما أوتي من قوة وحول، فهو من أجل المادة ولد، وفي سبيلها عاش ويعيش، وعلى حبها سوف يموت. ولأجل ذلك فلا ينبغي أن نستغرب إذا رأينا: أن ارتباطهم بالناس مصلحي ونفعي، وأن المال واللذة هما المنطق الوحيد لهم في كل موقف، والمقياس للحق وللباطل عندهم. ولا يجب أن نعجب أيضا إذا رأينا: أن الشيوعية، وهي التفكير الداعي إلى اعتبار المادة هي أساس الكون والحياة، وهي المحرك، والمنطلق، وهي الغاية، واليها ستكون النهاية، وهي المعيار والمقياس الذي لابد وأن يهيمن على كل شؤون الحياة والانسان والكون، وكل نظمه وقوانينه، وعلاقاته. نعم، لاعجب إذا رأينا: أن هذا التفكير يبدأ من اليهود، وإليهم ينتهي.3
3 - أكثر اليهود لا يؤمنون بالبعث: واليهودي يكره الموت، وهو يتمنى لو يعمر ألف سنة، قال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاة4ٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ...﴾5. ولعل سر ذلك يعود إلى أن توراة اليهود المحرفة الحاضرة لم تشر بشكل واضح إلى البعث والقيامة، وانما ورد حديث عن الأرض السفلى، والجب التي يهوى إليها العصاة، ولا يعودون (وان الذي ينزل إلى الهاوية لا يصعد). ويقول البعض: ان الكتاب المقدس نفسه يعد الحياة الدنيا وحدها هي عالم الانسان، وليس هناك اعتقاد بعد ذلك في بعث وجنة أو نار، وثوابهم وعقابهم مقصوران على الحياة الدنيا. وعلى العموم، فان فكرة البعث لم تجد لها أرضا خصبة لدى اليهود، وقد حاول بعض طائفة الفريسيين القول بها، ولكن هذه المحاولة لقيت معارضة شديدة، أما باقي الفرق اليهودية، فلم تعرف عنها شيئا. وإذا كان الانسان لا يعتقد بالبعث، ويؤمن بأن الجزاء ليس الا في هذه الدنيا، فمن الطبيعي أن يسعى إلى المنكرات واقتراف الآثام. 6
ملاحظة: هذا، وقد تفاقم فيهم حبهم للدنيا حتى بلغ بهم الحرص عليها: أن حرمهم من الاستفادة من الأموال التي يجمعونها، فتجد الكثيرين منهم يعيشون في دناءة من العيش وفيهم شح كبير، ولؤم وبخل ظاهر، وخسة لا يحسدون عليها. هذا إلى جانب اهمال الكثير منهم جانب النظافة المطلوبة، كما يظهر لمن سبر أحوالهم، وعاش في بيئتهم. ويعتقد اليهود: أن الله سيغفر لهم كل ما يرتكبونه من جرائم وعظائم. وهذا ما يشجعهم على الفساد والانحراف، والامعان في المنكرات والجرائم. وقد رد الله تعالى على عقيدتهم هذه7، حينما قال: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.8
4 - وبعد ما تقدم، وبعد أن كان اليهودي لا يعتقد بالآخرة، فان من الطبيعي أن يكون اليهود شعبا جبانا، لأنه يخشى الموت، ويرهب الاخطار، لأنه يرى بالموت نهايته الحقيقية9. ومن طبع الجبان أن يتعامل مع خصومه بأساليب المكر والخداع، والغدر والخيانة بالدرجة الأولى.
من أسباب عداء اليهود للاسلام:
ونشير هنا إلى أننا نلاحظ: ان اليهود بدأوا يحاربون الاسلام من أول يوم ظهوره، وكانوا وما زالوا يحقدون عليه، رغم أنهم كانوا أول من بشر بظهور النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، مستندين في بشاراتهم تلك إلى الدلائل القاطعة التي يجدونها في كتبهم. ونستطيع أن نذكر من أسباب عدائهم للمسلمين وللاسلام:
1 - انهم قد وجدوا أن هذا النبي يدعو الناس إلى دين هو نظام كامل وشامل للحياة، وأن هذا الدين قد جاء بنظام اقتصادي متكامل ومتوازن، واهتم بمحاربة الربا، والاحتكار، وجميع أنواع وأشكال استغلال انسان لانسان آخر، وجعل في أموال الناس حقا معلوما للسائل والمحروم، فلم ينسجم ذلك مع أطماعهم، ومع ما ألفوه وأحبوه، بل رأوه يتنافى مع تلك الأطماع ومع أهدافهم ومصالحهم، ومع نظرتهم للكون، وللحياة، والانسان.
2 - والذي زاد من حنقهم وحقدهم: أنهم كانوا يأملون أن يتم القضاء على هذا الدين من قبل قومه القرشيين، ومن معهم من ذؤبان العرب، دون أن يكلفهم ذلك أية خسائر، خصوصا في الأرواح، فرضوا بالمعاهدة التي سلف ذكرها. ولكن فألهم قد خاب، فها هو الاسلام يزداد قوة، واتساعا ونفوذا، يوما عن يوم. وها هو يسجل في بدر العظمى أروع البطولات، وأعظم الانتصارات، فلم يعد يقر لهم قرار، أو يطيب لهم عيش، إذ كان لابد - بنظرهم - من القضاء على هذا الدين قبل أن يعظم خطره ويكتسح المنطقة، ويضرى بهم اعصاره الهادر.
3 - وزاد في حنقهم وقلقهم: أنهم رأوا النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين معه، كما أنهم لا يخدعون، ولا يؤخذون بالمكر والحيلة، كذلك هم لا يستسلمون للضغوط، ولا تثنيهم المصاعب والمشقات مهما عظمت. وكلما زاد الاسلام اتساعا كلما زاد الطموح لدى المسلمين، والضعف لدى خصومهم، اذن، فلابد من اغتنام الفرصة، ومناهضة هذا الدين، والقضاء عليه بالسرعة الممكنة.
4 - ويقول الجاحظ: (إن اليهود كانوا جيران المسلمين بيثرب وغيرها، وعدوان الجيران شبيهة بعداوة الأقارب، في شدة التمكن وثبات الحقد، وانما يعادي الانسان من يعرف، ويميل على من يرى، ويناقض من يشاكل، ويبدو له عيوب من يخالط، وعلى قدر الحب والقرب يكون البغض والبعد، ولذلك كانت حروب الجيران وبني الأعمام من سائر الناس وسائر العرب أطول، وعداوتهم أشد. فلما صار المهاجرون لليهود جيرانا، وقد كانت الأنصار متقدمة الجوار، مشاركة في الدار، حسدتهم اليهود على نعمة الدين، والاجتماع بعد الافتراق، والتواصل بعد التقاطع.. الخ).10
5 - ثم هناك حسدهم للعرب أن يكون النبي الذي تعد به توراتهم منهم، وليس إسرائيليا، وقد أشار إلى ذلك تعالى فقال: ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾11. ولعل هذا هو السر في أنهم حسبما يقوله البعض حينما طلب النبي (صلى الله عليه وآله) منهم أن يدخلوا في الإسلام امتعضوا، وأخذوا يخاصمون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).12
6 - لقد عز عليهم وأرهبهم: ما رأوه من قدرة الاسلام على توحيد أهل المدينة: الأوس والخزرج، الذين كانوا إلى هذا الوقت أعداء يسفك بعضهم دماء بعض، قال تعالى: ﴿َأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.13
7 - ثم إنهم قد رأوا: أن هذا الدين يبطل مزاعمهم، ويقضي على اليهودية، وعلى أحلام بني إسرائيل وقد أبطل اسطورتهم في دعواهم التفوق العلمي، وأظهر كذبهم في موارد كثيرة، وتبين لهم: أن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه. أضف إلى ذلك: أنه قد ظهر أن نبي الاسلام أفضل من موسى (عليه السلام)، ومن سائر الأنبياء. وأصبحوا يرون الناس يؤمنون بدين جديد، هو غير اليهودية، وهم يقولون: ﴿وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ...﴾14. وفوق ذلك كله، فان الاسلام يرفض اعطاء الامتيازات على أساس عرقي، وهو يساوي بينهم وبين غيرهم، وهذا ذنب آخر لا يمكن لهم الإغماض عنه بسهولة.
* الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)-للعلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي - بتصرّف
1- راجع: الكنز المرصود ص 48 - 106، ومقارنة الأديان (اليهودية) لأحمد شلبي ص 272 - 274 عنه وعن: التلمود شريعة بني إسرائيل 22 - 25 و 40 - 44 و 65.
2- المائدة: 18.
3- الخطر اليهودي ص 67 وفيه: أن أعضاء المجلس الشيوعي الذي كان يحكم روسيا سنة 1951 كان يتألف من سبعة عشر عضوا كلهم يهود صرحاء باستثناء ثلاثة هم: ستالين، وفيرشيلوف، ومولوتوف. وهؤلاء الثلاثة زوجاتهم يهوديات، وفيهم يهودي الام، أو الجدة، أو صنيعة مجهول النسب من صنائع اليهود، كما أن المنظر الأكبر للشيوعية هو اليهودي كارل ماركس.
4- (الحياة) للتحقير، أي مهما كانت تافهة وحقيرة.
5- البقرة: 96.
6- راجع: أحكامهم هذه في كتاب، مقارنة الأديان (اليهودية) ص 199 و 200، واليهود في القرآن ص 37.
7- اليهود في القرآن 44 / 45.
8- الأعراف: 168 / 169.
9- ويلاحظ: أن العرب في هذه الأيام يجبنون عن مواجهة اليهود في حرب الكرامة والشرف، لماذا؟ أليس لأجل ابتعادهم عن دينهم واستسلامهم لانحرافاتهم، وحبيهم للحياة، وقلة يقينهم بالموت والمعاد.
10- ثلاث رسائل للجاحظ (رسالة الرد على النصارى) ص 13 / 14 نشر يوشع فنكل سنة 1382 ه.
11- البقرة: 89 - 90
12- راجع: اليهود في القرآن ص 23.
13- الأنفال: 63.
14- آل عمران: 73.