محاور الموضوع
1- مقدمة
2- هل يُمنع أحد من الرحمة الإلهية في شهر رمضان؟
3- لماذا يُحرم بعض الناس من التوفيق لعبادة الصوم؟
الهدف:
بيان الأسباب الرئيسية التي تحرم فئة من الناس من بركات صوم شهر رمضان
المبارك مع معالجتها.
تصدير:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الشقي من حرم غفران الله
في هذا الشهر العظيم"1.
مقدمة:
شهر رمضان هو شهر الله عزوجل، وهو شهر الخير والبركة والرحمة والمنح
الإلهية كما تفيد العديد من الروايات. ولخصوصية هذا الشهر وتميّزه عن باقي الشهور
فقد ذُكر اسمه في القرآن الكريم، وجاء ذكره ليبرز حقيقة نزول القرآن الكريم فيه حيث
قال تعالى: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس﴾2، فاقترن نزول
أعظم كتاب بخير زمان.
هل يُمنع أحد من الرحمة الإلهية في شهر رمضان؟:
إن الإنسان ضيف الله سبحانه في هذا الشهر كما جاء في نص الخطبة الشهيرة
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه
من أهل كرامة الله..﴾3. وكون المضيف هو الله سبحانه الجواد الكريم، الذي
لا حد لعطائه، فهذا يعني أن ما يمكن أن يخرج به الإنسان -الضيف- من منح وجوائز
وعطاءات من المائدة الربانية لا حد له أيضاً فيما لو وفّر الأرضية وكان مؤهلاً
لتلقي ذلك. فلا أحد يخرج خاسراً من هذه المأدبة فيما لو شارك فيها فعلاً ولم يحرم
نفسه من الاغتراف منها، وقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن
أبواب السماء تفتح في أول ليلة من شهر رمضان، ولا تغلق إلى آخر ليلة منه"4.
من هنا علينا أن نحذر من كل ما من شأنه أن يحول بيننا وبين الاستفادة من هذه الفرصة
الربانية التي لا تأتي إلا مرة كل عام ولمدة شهر، ومن يدري فلعل المفوّت لفرصة
الاستفادة من هذا الشهر الكريم في هذا العام لا يُمدّ له في عمره ليعوّض ما فاته في
العام القابل.
لماذا يُحرم بعض الناس من التوفيق لعبادة الصوم؟:
الحرمان من التوفيق لعبادة الصوم يكون إما بتقاعس المكلف عمداً عن
أدائها ومن دون عذر أو أنه يؤديها ولكنها تقع منه باطلة بسبب تقصيره. وأسباب
الحرمان عديدة ولعل أبرزها الأمور الآتية:
1- عدم التفقه بأحكام الصوم: فالتقصير في تعلم
أحكام الصوم وشرائطه، وعدم ضبط أقسام المفطرات لمراعاة أحكامها عند الابتلاء بها
يؤدي إلى بطلان صوم المكلف ووقوعه في الإثم بسبب تقصيره، فيضيع عليه بركات صوم هذا
الشهر الكريم.
العلاج: ينبغي على المكلف السعي إلى التفقه في أحكام الصوم قبل حلول شهر
رمضان، ومراجعة المسائل التي يتوقع ابتلاءه بها خلال فترة صيامه.
2- حب الدنيا: ورد عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أنه قال: "حب الدنيا أصل كل معصية وأول كل ذنب"5. ومن أبرز
نتائج حب الدنيا الغفلة والإنشغال عن الآخرة وعن طاعة الله عزوجل، قال الإمام
الكاظم عليه السلام: "من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه"6. وقال
أمير المؤمنين عليه السلام: "لحبِّ الدنيا صمّت الأسماع عن سماع الحكمة، وعميت
القلوب عن نور البصيرة"7. وهذا ما يؤدي بالإنسان إلى الابتعاد عن عبادة
ربه ومنها صوم شهر رمضان المبارك.
العلاج: ينبغي على المكلف أن ينبه قلبه بذكر الآخرة قبل حلول شهر رمضان
وأثناءه، ومع المداومة والإكثار تُقبِل نفسُه على الطاعة وقلبه على العبادة، قال
أمير المؤمنين عليه السلام: "من أكثر من ذكر الآخرة قلّت معصيته"8، وقال
أيضاً: "ذكر الآخرة دواء وشفاء، ذكر الدنيا أدوأ الأدواء"9.
3- طول الأمل: يُبتلى العديد من الناس -
وخصوصاً الشباب - بطول الأمل، ويمنون أنفسهم بقضاء ما عليهم من صيام لاحقاً، فيقعون
فريسة لرغباتهم العاجلة والفانية، ولا يلتزمون بفريضة الصوم فيحرمون من ألطاف ومنح
الله في هذا الشهر الكريم، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إن الأمل يسهي القلب،
ويكذب الوعد، ويكثر الغفلة، ويورث الحسرة"10.
العلاج: تنبيه القلب دائماً بعواقب طول الأمل، والاطلاع على حال من غدرت بهم
الدنيا من العصاة والمذنبين الذين انتقلوا إلى دار الحسرة من دون توبة، ومن ثم
المبادرة إلى أداء الفرائض والواجبات فوراً ومن دون تسويف. يقول أمير المؤمنين عليه
السلام: "اتقوا خداع الآمال، فكم من مؤمل يوم لم يدركه، وباني بناء لم يسكنه، وجامع
مال لم يأكله"11.
4- التهاون بالتكاليف الإلهية: بعض الناس لا
يصومون متذرعين بأتفه الأسباب، أو بسبب تهاونهم وقلة اكتراثهم ولا مبالاتهم، فترى
أحدهم قد يفطر لأنه غضب، وثانٍ يشرب الماء لإحساسه ببعض الإعياء، وآخر يدخّن لأنه
لا يتحمل ترك التدخين طوال النهار.. والأمثلة كثيرة. وليعلم هؤلاء أنهم إنما
استهانوا واستخفوا بالله عز وجل من خلال استخفافهم بطاعته وفرائضه.
العلاج: ينبغي أن يطّلع هؤلاء على عِظَم الجناية التي يرتكبونها بتهاونهم
بطاعة الله عز وجل، وعلى الخسارة التي يقعون بها جراء تفويتهم لبركات الصيام في هذا
الشهر الكريم. ولعل قراءة خطبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال
شهر رمضان المبارك وغيرها من النصوص والروايات التي تحث على الطاعة وتنبه من
المعصية يكون بها التأثير على سلوكهم بإذنه تعالى.
5- مصاحبة رفاق السوء: إن مصاحبة من يستهتر
بصيام شهر الله ويستخف بأحكامه قد يكون لها التأثير على سلوك حتى من اعتاد الصوم
والالتزام بالأحكام الشرعية ولو بعد حين. فالصحبة تعدي، ولذلك ورد عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"12.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء..."13
العلاج: بترك رفقة السوء على الفور، واستبدالها بمصاحبة أهل الآخرة والدين،
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من دعاك إلى الدار الباقية وأعانك على العمل لها،
فهو الصديق الشفيق"14.
6- الذنوب والمعاصي: قال تعالى:
﴿كلا بل ران
على قلوبهم ما كانوا يكسبون﴾15، وقال الإمام الصادق عليه السلام:
"كان
أبي عليه السلام يقول: ما من شيئ أفسد للقلب من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة فما
تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله"16. وغيرها من الروايات
المستفيضة التي تبين أثر المعاصي في قلب الإنسان وسلوكه وكيف أنها تسلب البركة
والنعم من حياته، ومن ضمن التوفيقات التي قد تسلب منه عدم التوفيق لصيام شهر رمضان
بسوء اختياره.
العلاج: على الإنسان العاصي المبادرة إلى التوبة النصوحة قبل حلول شهر رمضان
المبارك، وليكثر من الاستغفار، وعليه أن يصلح مأكله ومشربه، وأن يُرجع الحقوق إلى
أصحابها، وأن يصل رحمه المقطوعة.. إلخ، ويستطيع أن يستثمر شهري رجب وشعبان للقيام
بهذه الإصلاحات فيدخل إلى شهر رمضان وهو مهيأ لصيام أيامه وإحياء لياليه بالطاعة
والعبادة.
7- الرياء في العبادة: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "إن الله لا يقبل عملاً فيه مثقال ذرة من رياء"17، وورد
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "لكل شيئ آفة.. وآفة العبادة الرياء"18.
والصوم من العبادات التي يشترط فيها قصد القربة، وبالتالي، الصيام من دون نية خالصة
محبط له، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ،
وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء"19.
العلاج: على المكلف أن يجعل صومه لله وحده، فلا يحبطه بالرياء وعليه تنبيه
القلب بالتفكّر في عواقب الرياء وثمرات الإخلاص لله عز وجل، قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة عمياء"20.
1- ميزان الحكمة،
الريشهري، ج 2، ص 1118.
2- سورة البقرة، الآية 185.
3- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 10، 313
4- م. ن.
5- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 2، ص 896.
6- م. ن، ج 2، ص 897.
7- م. ن، ج 2، ص 897-898.
8- م. ن، ج 1، ص 34.
9- م. ن، ج 1، ص 34.
10- م. ن، ج 1، ص 103.
11- م. ن، ج 1، ص 102.
12- م. ن، ج 2، ص 1582.
13- م. ن.
14- م. ن، ص 1584.
15- سورة المطففين، الآية 14.
16- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 2، ص 994.
17- م. ن، ج 2، ص 1017.
18- م. ن، ج1، ص 84.
19- روضة الواعظين، النيشابوري، ج 2، ص 350.
20- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، ص 755.