الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1335 - 19 ربيع الثاني 1440 هـ - الموافق 27 كانون الأول 2018م
الغيبة ومفاسدها

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الغيبة ومفاسدها

محاور الخطبة
- النهي عن الغيبة.
- ما هي الغيبة؟
- مخاطر الغيبة.
- من عقاب المغتاب.
- المفاسد الاجتماعيّة للغيبة.
- موارد استثناء الغيبة المُحرّمة.

الصلاة والسلام على سيّدنا محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

مطلع الخطبة
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}[1].

أوّلًا، النهي عن الغيبة
أيّها الأحبّة،
إنّ أبرز ما يميّز الدين الإسلاميّ، في تشريعاته، هو ما شرّعه في حفظ كرامة الإنسان واحترامه؛ فلا يكاد يوجد أمرٌ فيه توهينٌ أو استخفافٌ بالإنسان وكرامته، إلّا وحكمَ بحرمته. وليس هناك شيءٌ يحفظها، إلّا وأمر به، وجوبًا أو ندبًا.

وإنّ لبعض الأفعال آثارًا سلبيّةً على شخص الإنسان ذاته، وبعضُها يتعدّى إلى أن يتأثّر بها المجتمع عامّةً؛ فتشتدّ الحرمة، ويعظم قبحها، كلّما اتّسعت دائرة فسادها.

ومن تلك الأمور، التي حرّمها الله -تعالى-، والتي لها آثارٌ على الصعيد الفرديّ والجماعيّ، في آنٍ معًا، الغيبةُ والبهتانُ والنميمةُ وقذفُ المحصنات، وما شاكل ذلك. ومن أعظمها قبحًا، الغيبةُ، التي ذكرها الباري -سبحانه وتعالى- في مُحكَم كتابه، قائلًا:  ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾.

وكذلك، ما ورد في أحاديث المعصومين (عليهم السلام)، والتي شدّدوا فيها على ذمّ هذا الفعل. منها، ما ورد،في أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لَمّا رُجِمَ الرجل في الزنا، قال رجلٌ لصاحبه: "هذا أُقعِص[2] كما يُقعَص الكلب"، فمرّ النبيّ معهما بجيفةٍ، فقال: "انهشا منها"، فقالا: "يا رسول الله، ننهش جيفةً؟"، فقال: "ما أصبتما من أخيكما، أنتنُ من هذه"[3].

وعن أمير المؤمنين‏ (عليه السلام): "اِجتَنِب الغيبةَ؛ فَإنّها إداُمُ كِلَابِ النَّارِ. ثمّ قالَ:يَا نَوْفُ- كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ وُلِدَ مِنْ حَلَالٍ، وَهُوَ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ بِالْغِيبَةِ!"[4].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الغيبةُ أسرعُ في دينِ الرجلِ المسلِمِ مِن الأكلةِ في جوفِه"[5].

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "إنّ الجلوسَ في المسجدِ-انتظارَ الصلاةِ- عبادةٌ، ما لم يُحدِثْ. قيل: يا رسولَ الله، وما يُحدِث؟ قال: الاغتياب"[6].
 
ثانيًا، ما هي الغيبة؟
هي "ذِكرُ الإنسانِ، حالَ غَيبتِه، بما يَكرَه نِسبَتَهُ إليهِ، ممّا يُعَدُّ نقصانًا في العرف، بقصدِ الانتقاصِ والذمِّ".

وقد ورد بعضُ الروايات، التي تُشرَح فيها الغيبة؛ فعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): هَل تَدْرُونَ ما الغيبة؟ فقالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكرَهُ. قِيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَد اغْتَبْتَهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَقَد بَهَتَّه"[7].

وإنّ ها هنا نقطتَين مهمّتَين:
1- هل يُشتَرَطُ أن تكونَ الغيبة باللسان، كما يتصوّر بعضهم؟
المستفاد من الروايات، أنّ الغيبة لا تقتصر على ألفاظ اللسان، بل تتعدّى إلى الإشارة والكتابة؛ ذلك إذا ما أدّت إلى معنى الغيبةِ، بقصد الانتقاص أو التوهين. وقد ورد ما يدلّ على ذلك، كما في الرواية عن عائشةٍ، قالت: "دَخَلَتْ‏ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ، فَلَمَّا وَلَّتْ،‏ أَوْمَأْتُ‏ بِيَدِي‏ أَنَّهَا قَصِيرَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله): قَدِ اغْتَبْتِهَا""[8].
 
2- هل الاستماع للغيبة حرام؟
إذا كانت الاستغابة حرامًا، فكذلك الاستماع إليها حرامٌ، بل هو من الكبائر أيضًا. ويظهر من بعض الروايات، أنّ حُكمَ الاستماع، كحُكمِ الاستغابة، حتّى في مِثلِ التسامح من المغتاب.
فعن عليٍّ (عليه السلام): "السَّامِعُ أَحَدُ المَغْتَابَينِ"[9].
بل ورد في بعض الروايات، ما يُوجِبُ رَدَّ الغيبة؛ أي الانتصار والدفاع عن الغائب. ففي وصيّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لعليٍّ (عليه السلام): "يَا عَلِيُّ، مَنِ اغْتِيبَ‏ عِنْدَهُ‏ أَخُوهُ‏ الْمُسْلِمُ‏، فَاسْتَطَاعَ‏ نَصْرَهُ، فَلَمْ يَنْصُرْهُ، خَذَلَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"[10].
 
ثالثًا: مخاطر الغيبة
الروايات التي تتحدّث عن عواقب الغيبة على المستغيبِ، عديدةٌ وكثيرةٌ، منها:

1- الخروج من ولاية الله:
عن الإمام الصادق(عليه السلام): "وَمَن اغْتَابَهُ بِمَا فِيهِ، فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ وِلَايَةِ اللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-، دَاخِلٌ فِي وِلَايَةِ الشَّيْطَانِ"[11].

2- أربى الربا:
عنه (صلّى الله عليه وآله) أنّه خطب يومًا، فقال: "إِنَّ الدِّرْهَمَ يُصِيبُهُ الرَّجُلُ مِنَ الرِّبَا، أّعْظَمُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زِنْيَةً، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ المُسْلِمِ"[12].

3- أدنى الكفر:
عنه (صلّى الله عليه وآله): " أَدْنَى الْكُفْرِ أَنْ يَسْمَعَ‏ الرَّجُلُ‏ مِنْ‏ أَخِيهِ‏ الْكَلِمَةَ، فَيَحْفَظَهَا عَلَيْهِ؛ يُرِيدُ أَنْ يَفْضَحَهُ بِهَا، {أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُم}‏"[13].

4- عدم قبول التوبة دون مغفرة المغتاب:
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، في وصيّته لأبي ذرٍّ (رضوان الله -تعالى- عليه): "أَبَا ذَرٍّ، إِيَّاكَ‏ وَالْغِيبَةَ؛ فَإِنَّ الْغِيبَةَ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا! قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِمَ ذَاكَ -بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي-؟ قَالَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ يَزْنِي، فَيَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَالْغِيبَةُ لَا تُغْفَرُ حَتَّى يَغْفِرَهَا صَاحِبُهَا"[14].
 
رابعًا، من عقاب المغتاب
1- فضحه في الآخرة: عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): "مَن اغْتَاب امْرَءًا مُسْلِمًا... وَجَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ يَفُوحُ مِنْ فِيهِ رَائِحَةٌ أَنْتَنُ مِنَ الجِيفَةِ، يَتَأَذَّى بِهِ أَهْلُ المَوْقِفِ"[15].

2- فضحه في البرزخ:
عنه، أيضًا، (صلّى الله عليه وآله): "مَرَرْتُ،‏ لَيْلَةَ أُسْرِيَ‏ بِي،‏ عَلَى‏ قَوْمٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ بِأَظَافِيرِهِمْ، فَقُلْتُ: يَا جَبْرَئِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ النَّاسَ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِم‏"[16].

3- فضحه في الدنيا:
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "يَا مَعْشَرَ مَنْ‏ أَسْلَمَ‏ بِلِسَانِهِ‏، وَلَمْ يَخْلُصِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تَذُمُّوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ‏؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِهِمْ، تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عَوْرَتَهُ، يَفْضَحْهُ، وَلَوْ فِي بَيْتِه"[17].

4- إحباط أعماله، ومحو حسناته:
عنه (صلّى الله عليه وآله): "يُؤْتَى‏ بِأَحَدٍ يَوْمَ‏ الْقِيَامَةِ، يُوقَفُ‏ بَيْنَ‏ يَدَيِ اللَّهِ، وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ كِتَابُهُ، فَلَا يَرَى حَسَنَاتِهِ؛ فَيَقُولُ: إِلَهِي، لَيْسَ هَذَا كِتَابِي، فَإِنِّي لَا أَرَى فِيهَا طَاعَتِي؛ فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ رَبَّكَ لَا يَضِلُّ وَلَا يَنْسَى، ذَهَبَ عَمَلُكَ بِاغْتِيَابِ النَّاسِ. ثُمَّ يُؤْتَى بِآخَرَ، وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ كِتَابُهُ، فَيَرَى فِيهَا طَاعَاتٍ كَثِيرَةً؛ فَيَقُولُ: إِلَهِي، مَا هَذَا كِتَابِي، فَإِنِّي مَا عَمِلْتُ هَذِهِ الطَّاعَاتِ؛ فَيُقَالُ: لِأَنَّ فُلَانًا اغْتَابَكَ؛ فَدُفِعَتْ حَسَنَاتُهُ إِلَيْك"[18].‏
 
خامسًا: المفاسد الاجتماعيّة للغيبة
إنّ للغيبة مفاسد اجتماعيّةً عديدةً، أبرزها أنّها تعمل على تحطيم أواصر العلاقات الطيّبة بين المؤمنين، والتي أمرهم الله -تعالى- بها، في أن يكونوا صفًّا واحدًا، وأنّهم إخوةٌ في دين الله، وأنّ عليهم أن يحفظوا بعضهم بعضًا، وأن يكونوا كالجسد الواحد؛ فإنّ كلّ ما يتناقض مع هذه الدعوات في توحيد أواصر المجتمع، يُعَدُّ أمرًا مبغوضًا لدى الله -سبحانه-؛ ومن ذلك، الغيبةُ، التي شدّد على ذمّها في آياته -سبحانه-.
 
سادسًا: موارد استثناء الغيبة المُحرّمة
1- الفاسق، أو المتجاهر بعملٍ ما، لا غيبة له بالنسبة لذلك العمل الخاصّ.
ولا بدّ من الإشارة هنا، إلى أنّه لا صحّة لمقولة «طَهِّروا ألسنتَكم بالفاسقين»، التي يردّدها بعض الناس؛ فهي لم ترد في نصٍّ شرعيٍّ أصلًا. وعلى فرضِ وُرودِها، فإنّه لا يُقصَد بها تعميمُ غيبةِ الفاسق، فلا يجوز بما لم يتجاهر به أمام الناس، وإن كان الأفضل -على كلّحالٍ- عدم ذكر معايب الناس، حتّى أمثال هذا الصنف منهم.

2- تجوز الغيبة للتظلُّم والترافع إلى المحاكم، بهدف بيان الواقع، الذي قد ينطبق عليه عنوان الغيبة. قال الله -عزَّ وجلّ-: ﴿لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾[19].

3- يجوز ذكرُ المؤمن بما قد ينطبق عليه من صفاتٍ، في حالةِ الاستشارة عنه؛ لمعرفة حاله، في مثل الزواج أو العمل وما شاكل، في الأمور الضروريّة، وأن يقتصر، في توصيفه، على قدر الضرورة، دون ما ليس له علاقةٌ بموضوع الاستشارة.

[1]سورة الحجرات، الآية12.
[2]أي أُجْهِزَ عليه، قُضِيَ عليه.
[3]النراقيّ، جامع السعادات، ج2، ص229.
[4]الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج12، ص283.
[5]الكلينيّ، الكافي، ج2، ص357.
[6]الكلينيّ، الكافي، ج2، ص357.
[7]المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص222.
[8]المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص224.
[9]المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص226.
[10] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج12، ص291.
[11]المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص248.
[12]المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، 232.
[13]الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج17، ص211.
[14]الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج12، ص281.
[15]المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص247.
[16]المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص232.
[17]الكلينيّ، الكافي، ج2، ص354.
[18]المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص259.
[19]سورة النساء، الآية148.

27-12-2018 | 14-25 د | 3205 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net