الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1658 03 شهر رمضان 1446 هـ - الموافق 04 آذار 2025م

إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين

وَاسْتَعِينُوا بِالْقُرْآنِيجب بثّ الأمل والاطمئنان بين الناس مراقباتالوحدة تعني التأكيد على المشتركاتوَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَمراقبات

العدد 1636 28 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 02 تشرين الأول 2024 م

والْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلَامِ

البصيرةمراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1658 03 شهر رمضان 1446 هـ - الموافق 04 آذار 2025م

إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «التائب من الذنب كمَن لا ذنب له، والمقيم على الذنب، وهو مُستغفِر منه، كالمُستهزئ»[1].

إنّ التوبة من المعصية أوّل طريق السالكين إلى الله، ورأسمال الفائزين، ومفتاح استقامة المريدين، وأصل النجاة، وبالتوبة تُجتَنب المهالك، ويكفي قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين﴾[2].

تبيّن لنا هذه الرواية عظمة التوبة وعظيم أثرها؛ إذ عندما يتوب العبد توبة صادقة، يُحْسَبُ وكأنّه لم يُذنب قطّ. وشهر رمضان هو فرصة خاصّة للتوبة، والرجوع إلى الله تعالى؛ إذ تُفتَح في هذا الشهر المبارك أبواب الجنّة، وتُغلَق أبواب النار، وتُغلّ الشياطين، وكلّ ما في هذا الشهر الشريف من فيوضات رحمانيّة يساعدنا على تطهير الروح من أدرانها، والعودة إلى بارئنا، فما أجدر بالعبد أن يغتنم هذه الفرصة الذهبيّة لتحقيق التوبة النصوح والإنابة الصادقة.

في هذا الشهر الفضيل، يمكننا أن نحقِّق ذلك، أن نتوجّه إلى الله بكلّ ما فينا من ضعف وندم، ونعاهده صادقين على أن لا نعود إلى ما مضى؛ لأنّ التوبة ليست مجرّد كلمة ننطق بها، بل هي عملٌ قلبيّ يعبّر عن الندم على ما فات، والعزم على التغيير، والرجوع إلى الله سبحانه. وإنّه تعالى يدعونا إلى ذلك في كتابه الكريم لتحقيق الفلاح، إذ يقول: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[3].

خصوصيّة التوبة في شهر رمضان
ولا شكّ في أنّ التوبة في شهر الرحمة والمغفرة تكون أكثر قبولاً وتيسيراً؛ إذ إنّ لشهر رمضان خصوصيّة كبيرة في جميع العبادات، ومن بين أهمّ هذه العبادات التوبة، فهذا الشهر يتميّز عن غيره من الأشهر بأنّ التوبة فيه تكون أشد تأثيراً في تطهير القلوب ورفع الدرجات. ويمكن بيان هذه الخصوصيّة في جوانب عدّة:

1. شهر الهداية والرحمة والمغفرة
لقد جاء ذكر شهر رمضان في الكتاب الكريم في قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾[4]، تبيّن هذه الآية الكريمة أنّ شهر رمضان هو شهر الهداية، وأنّه شهر لا يُشبِهُه شهر آخر، فيه يفتح الله تعالى أبواب المغفرة والرحمة على مصراعَيها، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أيّها الناس، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة. شهرٌ هو عند الله أفضل الشهور»[5]، ولا شكّ في كون التوبة أقرب إلى التحقّق والقبول؛ لأنّ الله في هذا الشهر لا يردّ تائباً، ولا يحرمه من مغفرته ورحمته.

2. أبواب الجنان مُفتَّحة وأبواب النيران مُغلَّقة
إنّ من أعظم خصوصيّات شهر رمضان وفضائله، أنّ الله سبحانه وتعالى يفتح فيه أبواب الجنّة ويغلق أبواب النيران، كما جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أيّها الناس، إنّ أبواب الجنان في هذا الشهر مُفتَّحة، فاسألوا ربّكم أن لا يغلقها عنكم، وأبواب النيران مُغلَّقة، فاسألوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربّكم أن لا يسلِّطها عليكم»[6]، فهذا الوضع الخاصّ يجعل الفرصة أمام التائبين عظيمة؛ إذ تكون أبواب الجنّة مفتوحة لاستقبال التائبين، وتقلّ فرص المعاصي بفعل تقييد الشياطين، ممّا يجعل القلب أكثر استعداداً للعودة إلى الله.

3. ليلة القدر
إنّ ليالي شهر رمضان هي أعظم الليالي، وثمّة ليلة بينها هي خير من ألف شهر، ألا وهي ليلة القدر، وهي الفرصة الذهبيّة التي يتقبّل فيها الله الدعاء والتوبة بشكلّ خاصّ، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه»[7]، ولا شكّ في عِظَم الأمل بقبول التوبة في هذه الليلة المباركة.

4. الاستغفار وتطهُّر القلوب
إنّ شهر رمضان هو شهر التطهّر والاعتراف بالتقصير أمام الله، ويُستحبّ فيه أن يكثر المؤمن من الاستغفار، وفي ذلك محو للذنوب والآثام، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء؛ فأمّا الدعاء فيُدفَع به عنكم البلاء، وأمّا الاستغفار فيُمحي ذنوبكم»[8].

5. توجّه المؤمن إلى الله
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الأسباب المادّيّة والدوافع والمغريات المادّيّة تشبه الأشواك والقمامة التي تعتلي هذا الجوهر، وعندما يأتي شهر رمضان فكأنّ نسيماً هبّ ليزيل هذه الزوائد كلّها ويُظهِر ذلك الجوهر، وليحلَّ محلّه ذلك التوجّه إلى الله تعالى»[9].

من مميّزات شهر رمضان أنّ المؤمن يمتنع عن المفطرات في نهاره، من طعام وشراب... الأمر الذي يتيح له فرصةً أكبر للتوجّه إلى الله بالدعاء والعبادة. وهذا البُعد عن الملهيات يعزّز من قدرة المؤمن على التوبة والإقبال على الله، ويُتيح له الوقت والتفرّغ لتصفية قلبه من الذنوب والآثام، فيكون أكثر استعداداً للندم والعزم على عدم العودة إلى المعاصي.

6. الدعاء المستجاب
يتميّز شهر رمضان بأنّ الدعاء فيه مستجاب، خصوصاً في الأوقات الفضيلة كوقت الإفطار، وقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ للصائم عند إفطاره دعوةً لا تُرَدّ»[10]، فالدعاء في رمضان له قبول خاصّ، فكيف إذا كان دعاءً بالتوبة والمغفرة.

الوقت الأمثل للتغيير والإصلاح
إنّ من أبرز ميّزات التوبة في شهر رمضان هي أنّه شهر التغيير وشهر الإصلاح، وأنّه محطّة تطهيريّة للنفس من أدرانها وآثامها، وإنّ توبة العبد في شهر رمضان تكون فرصة عظيمة للتغيير الجذريّ في حياته؛ لأنّه يوفّر البيئة المثاليّة للتطهّر والعودة إلى الله. وإنّ تجربة الصيام تساعد على السيطرة على الشهوات والغرائز والميول، وبالتالي على التحكّم بهذه النفس وأهوائها، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «هو فرصة تنعتق فيها هذه النفس بهذه الرياضة الطويلة الممتدّة لشهر كامل من العوامل المادّيّة التي تحيط بنا، وتدرك منجاتها، وتتنفّس، وتكتشف النورانيّة. الشارع المقدّس قد جعل شهر رمضان لأجل هذا، إنّها فرصة»[11]. لذا، على المرء أن يتيقّن بأنّه هذا الشهر الشريف هو الوقت الأمثل للتوبة، وأنّ الله تعالى يغفر الذنوب مهما كانت عظيمة إذا كانت التوبة صادقة، ومبنيّة على نيّة صافية.

اتّقاء السيّئة
في الختام، إنّ التوبة وإن كانت تمحو ما تمحوه من السيّئات، كما يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ﴾[12]، بل إنّ ظاهر قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابً﴾[13]، أنّ التوبة بنفسها أو بضميمة الإيمان والعمل الصالح توجب تبدّل السيّئات حسنات، إلّا أنّ اتّقاء السيّئة يبقى أفضل من اقترافها ثمّ محوها بالتوبة؛ فإنّ الله سبحانه قد أوضح في كتابه الكريم أنّ المعاصي إنّما تنتهي إلى وساوس شيطانيّة، ثمّ  عبّر تعالى عن المخلَصين الذين لا يقعون فريسة الإغراءات الشيطانيّة، ولا تقع أقدامهم في زلّة المعاصي وعثرة السيّئات، بما لا يعادله مدح، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾[14]، فهؤلاء عباد اختصّهم الله بمقام العبوديّة اختصاصاً لا يشاركهم فيه غيرُهم من الصالحين التائبين.


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص435.
[2]  سورة البقرة، الآية 222.
[3]  سورة النور، الآية 31.
[4]  سورة البقرة، الآية 185.
[5]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.
[6]  المصدر نفسه.
[7]  الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص136.
[8]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص88.
[9]  من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 10/09/2010م.
[10]  الراونديّ، الدعوات، ص27.
[11]  من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 18/08/2010م.
[12]  سورة البقرة، الآية 275.
[13]  سورة الفرقان، الآيتان 70 - 71.
[14]  سورة الحجر، الآيات 39 - 42.

05-03-2025 | 04-38 د | 125 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net