التاريخ: 25 محرم سنة 95 هـ
قال الله تعالى: ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾1.
عبادة الإمام
قد سطعت عبادة الإمام علي بن الحسين عليه السلام في حياته لتبرز في ألقابه التي منها "السجّاد" لكثرة سجوده و"ذو الثفنات" التي برزت على جبهته الشريفة و"زين العابدين" لعبادته لله و"سيّد العابدين" وهو اللقب الذي اختاره له جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري: "كنتُ جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسين عليه السلام في حجره وهو يداعبه فقال صلى الله عليه وآبه وسلم: يا جابر يولد له مولود اسمه علي عليه السلام إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيّد العابدين"2، وكيف لا تبرز معالم العبادة في ألقابه وهو الذي كان إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه فيقال له: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيجيب عليه السلام: "أتدرون بين يدي من أقوم!"3
وكان عليه السلام إذا قام في الصلاة غشي لونه لوناً آخر وأخذته رعدة بين يدي الله تعالى لم يعد عندها يلتفت إلى ما حوله، لذا حينما وقع حريق في بيته وهو ساجد فرَّ مَن في البيت بينما بقي الإمام عليه السلام ساجداً ولمّا سُئَل في ذلك كان جوابه عليه السلام: "ألهتني عنها النار الكبرى"4.
خوف الله
وعلّمنا الإمام السجّاد عليه السلام كيف نخاف الله في حواره مع طاووس اليماني الذي رآه يطوف من وقت العشاء إلى السحر، ونظر طاووس إلى الإمام عليه السلام فرآه يرمق السماء بطرفه ويقول: "إلهي غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عرصات القيامة"، ثمّ بكى وأطال الدعاء والبكاء، فدنا منه طاووس وقال له: "ما هذا الجزع والفزع؟! ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا، ونحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن علي عليه السلام وأمك فاطمة الزهراء عليها السلام، وجدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالتفت إليه الإمام عليه السلام وقال: "هيهات يا طاووس! دع عنّي حديث أبي وأمي وجدي، خلق الله الجنّة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبداً حبشياً وخلق النار لمن عصاه، ولو كان ولداً قرشياً، أما سمعت قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ﴾5، "والله لا ينفعك غداً إلاّ تقدمة تقدّمها من عمل صالح"6.
الصحيفة السجّاديّة
وقد جاء في سيرة الإمام السجّاد عليه السلام أنّه كان يخطب الناس في كلّ جمعة ويعظهم ويدعوهم إلى طاعة الله ناشراً بينهم ألوان الدعاء والحمد والثناء التي تمثّل العبوديّة المخلصة لله تعالى فكانت الصحيفة السجّاديّة التي سمّيت بإنجيل أهل البيت عليهم السلام وزبور آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم والتي سجّل فيها الإمام القيم الخُلُقيّة والحقوق والواجبات معالجاً فيها مشاكل الفرد والمجتمع ناشراً فيها أجواء روحيّة تثبت المسلم عندما تعصف به المغريات وتشدّه إلى ربّه حينما تجرّه الأرض إليها.
وقد تناقل علماؤنا هذه الصحيفة المباركة بأسانيد معتبرة وطرق عالية ذكر والد العلاّمة المجلسي بأنّها تزيد على الآلاف، وقد ذكر هذا العالم الجليل أنّه رأى ذات يوم في الرؤيا صاحب الزمان وخليفة الرحمن عجل الله تعالى فرجه الشريف وسأله أن يعطيه كتاباً يعمل عليه فأرشده إلى الصحيفة السجّاديّة.
ولقيمة هذه الصحيفة كانت محلّ افتخار كبير في وصيّة الإمام الخميني قدس سره الراحل الذي قال فيها: "نحن فخورون بأنّ الأدعية التي تهب الحياة والتي تسمّى بالقرآن الصاعد هي من أئمتنا المعصومين، نحن نفخر أنّ منّا مناجاة الأئمّة الشعبانيّة ودعاء عرفات للحسين بن علي عليه السلام، والصحيفة السجّاديّة زبور آل محمد..".
* زاد المناسبات- المركز الإسلامي للتبليغ، ط: كانون الثاني 2009م- 1430هـ، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ص: 19-22.
1- آل عمران:17.
2- السبحاني – الشيخ جعفر -الأئمة الاثنى عشر – مكتبة أهل البيت عليهم السلام– ص 104
3- الحائري –جعفر عباس- بلاغة الإمام علي بن الحسين عليه السلام- مكتبة اهل البيت عليهم السلام– ص 199
4- العلامة المجلسي – بحار الأنوار – ج 46 – مكتبة أهل البيت عليهم السلام- ص 80
5- المؤمنون: 101.
6- الإمام زين العابدين عليه السلام – الصحيفة السجادية (البطحى) – مكتبة أهل البيت عليهم السلام- ص 176