بسم الله الرحمن الرحيم
أحاديث في مقام الزهراء (عليها السلام) ومنزلتها عند الله وعند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
الأحاديث في هذا الباب كثيرة، حتى أن عدّةً من علماء الفريقين دوّنوها في كتب مفردة، وقد انتخبت من تلك الاحاديث هذه الاحاديث التي سأقرؤها، وسترون أن مصادرها من أقدم المصادر وأهمّها:
الحديث الاول:
"فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة"، أو "سيّدة نساء هذه الاُمّة"، أو "سيّدة نساء المؤمنين"، أو "سيّدة نساء العالمين"
هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في: صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، وفي مسند أحمد، وفي الخصائص للنسائي، وفي مسند أبي داود الطيالسي، وفي صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء، وفي المستدرك وصحيح الترمذي، وفي صحيح ابن ماجة، وغيرها من الكتب1. ففاطمة سيّدة نساء العالمين من الاوّلين والاخرين.
الحديث الثاني:
في أن فاطمة سلام الله عليها بضعة من النبي: "فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني".
هذا الحديث بهذا اللفظ في: صحيح البخاري، وعدّة من المصادر2.
"فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها".
بهذا اللفظ في: صحيح البخاري، ومسند أحمد، وصحيح أبي داود، وصحيح مسلم، وغيرها من المصادر3.
"إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها".
بهذا اللفظ في: صحيح مسلم4.
"إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها".
بهذا اللفظ في: مسند أحمد وفي المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، وفي صحيح الترمذي5.
"فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها".
بهذا اللفظ في: المسند، وفي المستدرك وقال: صحيح الاسناد، وفي مصادر أُخرى6.
الحديث الثالث:
"إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها".
هذا الحديث تجدونه في: المستدرك، وفي الاصابة، ويرويه صاحب كنز العمال عن أبي يعلى والطبراني وأبي نعيم، ورواه غيرهم7.
الحديث الرابع:
في أنّ النبي أسرّ إليها أنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به.
هذا كان عند وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّه دعاها فسارّها فبكت، ثمّ دعاها فسارّها فضحكت (في بعض الالفاظ: فشقّ ذلك على عائشة أن يكون سارّها دونها) فلمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حلّفتها عائشة أنْ تخبرها، فقالت: سارّني رسول الله أو سارّني النبي، فأخبرني أنّه يقبض في وجعه هذا فبكيتُ، ثمّ سارّني فأخبرني أنّي أوّل أهل بيته أتْبعه فضحكتُ. هذا الحديث في: الصحيحين، وعند الترمذي والحاكم، وغيرهما8.
الحديث الخامس:
عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها غير أبيها.
هذا الحديث تجدونه في: المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي، وفي الاستيعاب، وفي حلية الاولياء9.
الحديث السادس:
عن عائشة أيضاً: كانت إذا دخلت عليه - على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - قام إليها فقبّلها ورحّب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي أيضاً10.
الحديث السابع:
أخرج الطبراني أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم)قال لعلي: "فاطمة أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها".
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح11.
هذه الأحاديث كما رأيتم - في المصادر المهمّة بأسانيد صحيحة، ودلالاتها أيضاً لا تقبل أيّ مناقشة.
ومن دلالات هذه الاحاديث: إنّ فاطمة سلام الله عليها معصومة، بالاضافة إلى دلالة آية التطهير وغيرها من الادلة.
مضافاً إلى أن غير واحد من حفّاظ القوم وكبار علمائهم قالوا بأفضليّة الزهراء سلام الله عليها من الشيخين، بسبب هذه الاحاديث وحديث "فاطمة بضعة منّي" بالخصوص، بل قال بعضهم بأفضليّتها من الخلفاء الاربعة كلّهم، ولا مستند لهم إلاّ الاحاديث التي ذكرتها.
ولاقرأ لكم عبارة المنّاوي وكلامه المشتمل على بعض الاقوال من كبار علماء القوم، ففي فيض القدير في شرح حديث "فاطمة بضعة منّي" قال: استدل به السهيلي (وهو حافظ كبير من علمائهم، وهو صاحب شرح سيرة ابن هشام وغيره من الكتب) على أن من سبّها كفر (ولماذا؟ لاحظوا)لانّه يغضبه (أي لانّ سبّها يغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! إستدل به السهيلي على أن من سبّها كفر لانّه يغضبه) وأنّها أفضل من الشيخين.
وإذا كانت هذه اللام لام تعليل "لانّه يغضبه"، والعلة إمّا معمّمة وإمّا مخصّصة، ولابد أنْ تكون هنا معمّمة، يوجب الكفر، لانّه أي السب يغضبها، فيكون أذاها أيضاً موجباً للكفر، لأن الاذى - أذى الزهراء سلام الله عليها - يغضب رسول الله بلا إشكال.
قال المنّاوي: قال ابن حجر: وفيه - أي في هذا الحديث - تحريم أذى من يتأذّى المصطفى بأذيّته، فكلّ من وقع منه في حقّ فاطمة شيء فتأذّت به فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يتأذّى به بشهادة هذا الخبر، ولا شيء أعظم من إدخال الأذى عليها في ولدها، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة بالدنيا ولعذاب الآخرة أشد.
ففي هذا الحديث تحريم أذى فاطمة، وتحريم أذى فاطمة لانّها بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو موجب للكفر كما تقدّم.
وقال المنّاوي: قال السبكي: الذي نختاره وندين الله به أنّ فاطمة أفضل من خديجة ثمّ عائشة.
قال المنّاوي: قال شهاب الدين ابن حجر: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون.
قال المنّاوي: وذكر العَلَم العراقي: إنّ فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الاربعة باتفاق.
إذن، لا يبقى خلاف بيننا وبينهم في أفضلية الزهراء من الشيخين، وأن أذاها موجب للدخول في النار.
ثمّ إنّ هذه الاحاديث - كما قرأنا وسمعتم وترون - أحاديث مطلقة ليس فيها أي قيد، عندما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ الله يغضب لغضب فاطمة" لا يقول إنْ كانت القضية كذا، لا يقول بشرط أن يكون كذا، لا يقول إنْ كان غضبها بسبب كذا، ليس في الحديث أيّ تقييد، إن الله يغضب لغضب فاطمة، هذا الغضب بأيّ سبب كان، ومن أيّ أحد كان، وفي أيّ زمان، أو أيّ وقت كان. وعندما يقول: "يؤذيني ما آذاها"، لا يقول رسول الله: يؤذيني ما آذاها إنْ كان كذا، إنْ كان المؤذي فلاناً، إن كان في وقت كذا، ليس فيه أيّ قيد، بل الحديث مطلق "يؤذيني ما آذاها".
ودلّت الاحاديث هذه على وجوب قبول قولها، وحرمة تكذيبها، وقد شهدت عائشة بأنّها سلام الله عليها أصدق الناس لهجةً ما عدا والدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورسول الله قال كلّ هذا وفَعَله مع علمه بما سيكون من بعده.
* مظلومية الزهراء عليها السلام - بتصرّف-السيّد علي الحسيني الميلاني
1- الخصائص للنسائي: 34، الطبقات 2 / 40، مسند أحمد 6 / 282 حلية الاولياء 2/39، المستدرك 3 / 151.
2- صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمة (عليها السلام).
3- مسند أحمد 4 / 328.
4- صحيح مسلم، باب مناقب فاطمة (عليها السلام).
5- مسند أحمد 4 / 5، المستدرك 3 / 159.
6- المستدرك 3 / 158، مسند أحمد 4 / 323.
7- المستدرك على الصحيحين 3 / 153، كنز العمال 13 / 674، 12 / 111.
8- صحيح البخاري كتاب بدء الخلق، صحيح مسلم فضائل فاطمة، صحيح الترمذي، المستدرك 4 / 272.
9- المستدرك على الصحيحين 3 / 160، حلية الاولياء 2 / 41، الاستيعاب 4 / 1896.
10- المستدرك على الصحيحين 3 / 154.
11- مجمع الزوائد 9 / 202.