ومن ذلك ما رواه محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى باسناده إلى الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه السيد الشهيد الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خطبنا ذات يوم فقال:
أيها الناس! انه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، ان يوفقكم الله لصيامه وتلاوة كتابه، فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. اذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه ابصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده، ويجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه. أيها الناس! ان أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخففوا عنها 1بطول سجودكم، واعلموا ان الله عز وجل ذكره أقسم بعزته ان لا يعذب المصلين والساجدين، ان لا يروعهم بالنار، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
أيها الناس! من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل: يا رسول الله وليس كلنا نقدر على ذلك؟ فقال عليه السلام: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء. أيها الناس! من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف منكم في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه. الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، من أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.
أيها الناس! ان أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم ان لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا ربكم ان لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم الا يسلطها عليكم. قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: فقمت وقلت: يا رسول الله! ما أفضل في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن! أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل، ثم بكى، فقلت: يا رسول الله! ما يبكيك؟ فقال: يا علي! لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعثت أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فيضربك ضربة على قرنك 2 تخضب منها 3 لحيتك. قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله! وذلك في سلامة من ديني؟ فقال عليه السلام: في سلامة من دينك، ثم قال: يا علي! من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبك فقد سبني، لأنك مني كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، ان الله عز وجل خلقني وإياك، واصطفاني وإياك، اختاروني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي. يا علي أنت وصيي وأبو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتك وبعد موتي، امرك أمري ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية انك حجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته في عباده 4.
* إقبال الأعمال-السيد ابن طاووس
1- فخففوها (خ ل).
2- القرن: الزيادة العظيمة التي تنبت في رؤوس بعض الحيوانات، وفي الانسان موضعه من رأسه.
3- بها (خ ل).
4- بشارة المصطفى:...، رواه الصدوق في أماليه: 84، فضائل الأشهر الثلاثة: 77، عيون الأخبار 1: 295، عنهم