بسم الله الرحمن الرحيم
قد أجمع الناس كافة على أن علي عليه السلام أزهد الناس (في الدنيا) بعد رسول الله -
صلى الله عليه وآله وسلم - وأكثرهم تركا لها طلق الدنيا ثلاثا.
روى الخوارزمي في مناقبه1 عن2 عمار ياسر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله
وسلم - يقول: يا علي إن الله - تعالى - زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إليه3
منها زهدك فيها وبغضها4 إليك وحبب إليك الفقراء فرضيت بهم أتباعا ورضوا بك إماما يا
علي طوبى لمن أحبك وصدق بك5 والويل لمن أبغضك وكذب عليك أما من أحبك وصدق بك6 فإخوانك
في دينك وشركاؤك جنتك وأما من أبغضك وكذب عليك فحقيق على الله - تعالى - أن يقيمه
يوم القيامة مقام الكذابين7. قال عبد الله بن أبي الهذيل8: رأيت على علي - عليه
السلام - قميصا (زريا)9 إذا مده بلغ الظفر وإذا أرسله كان مع نصف الذراع.
وقال عمر بن عبد العزيز10: ما علمنا أن أحدا كان في هذه الأمة بعد النبي - صلى الله
عليه وآله وسلم - أزهد من علي بن أبي طالب - عليه السلام -.
وقال قبيصة بن جابر11: ما رأيت في الدنيا أزهد12 من علي بن أبي طالب.
وقال سويد بن غفلة13: دخلت على علي بن أبي طالب - عليه السلام - فوجدته جالسا بين
يديه صحيفة فيها لبن14 أجد ريحه من شدة حموضته15 وفي يده رغيف أرى آثار16 قشار الشعير في
وجهه وهو يكسره17 بيده أحيانا أعيى عليه كسره بركبته وطرحه في اللبن18.
فقال ادن فاصب من طعامنا هذا.
فقلت: إني صائم. فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: (من منعه
الصيام من طعام يشتهيه كان حقا على الله أن يطعمه من طعام الجنة ويسقيه من شرابها).
فقلت لجاريته وهي قائمة (بقرب منه:)19 ويحك يا فضة ألا تتقين الله في هذا الشيخ ألا
تنخلين20 له طعاما مما أرى فيه من النخالة؟
فقالت لقد تقد إلينا لا ننخل له طعاما.
قال لي21: ما قلت لها؟
فأخبرته.
فقال: بأبي وأمي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله
- عز وجل -22.
واجتاز يوما في السوق فاشترى قميصا بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين
وقال حين لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به الناس23.
وقال - عليه السلام - يا صفراء غري غيري. يا بيضاء غري غيري24. وخرج - عليه السلام -
يوما إلى السوق ومعه سيفه25 ليبيعه فقال: من يشتري مني هذا السيف؟ فوالذي فلق الحبة
لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولو كان عندي
من إزار26 لما بعته27. وخرج - عليه السلام - يوما وعليه إزار مرقوع فعوتب.
فقال يخشع القلب بلبسه28 ويقتدي به المؤمن إذا رآه علي29.
واشترى يوما ثوبين غليظين فخير قنبرا فيهما فأخذ واحدا ولبس هو الآخر فرأى في كمه
طولا عن أصابعه فقطعه30.
وكان - عليه السلام - قد ولى على عكبر رجلا من ثقيف فقال- عليه السلام -: إذا صليت
الظهر غدا فعد إلى.
قال: فعدت إليه فلم أجد عنه حاجبا يحجبني31 دونه فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز ماء
فدعا بوعاء مسدودا32 مختوم فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلي جواهر33 فكسر الختم
وحله فإذا فيه سويق فأخرج منه قبضة34 في القدح وصب ماء فشرب وسقاني. فلم أصبر فقلت:
يا أمير المؤمنين أتصنع هذا في العراق وطعامه كما ترى في كثرته؟!
فقال - عليه السلام - أما والله ما أختم عليه بخلا به ولكني أبتاع قدر ما يكفيني
فأخاف أن ينفض35 فيوضع فيه من غيره وأنا أكره أن أدخل بطني إلا طيبا فلذلك احترز كما
ترى فإياك وتناول ما لا تعلم حله36. والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.
* العلامة الحلي-بتصرّف يسير
1- مناقب الخوارزمي / 66.
2- م، ش ود: قال سمعت.
3- أ: إلى الله.
4- م: بغضك.
5- هكذا في المصدر. وفي النسخ: عليك.
6- هكذا في المصدر. وفي النسخ: عليك.
7- المصدر: الكاذبين.
8- ش، د و م: الهذملي. والحديث في نفس المصدر والموضع.
9- المصدر و أ: داريا.
10- نفس المصدر / 67.
11- نفس المصدر / 71.
12- ش، ج و أ: أزهد في الدنيا.
13- نفس المصدر / 67 - 68.
14- المصدر: لبن حازر.
15- هكذا في المصدر، وفي النسخ: (أجد ريح حموضة) بدل: (أجد ريحه من شدة حموضته).
16- من المصدر.
17- هكذا في م. وفي سائر النسخ: يكسر.
18- هكذا في المصدر. وفي النسخ: (ويطرحه فيه) بدل: (أحيانا... وطرحه في اللبن).
19- من المصدر.
20- هكذا في أ. وفي م: (تتخابن). وفي سائر النسخ: تنخلون.
21- من المصدر.
22- راجع كشف الغمة 1 / 163 ذيل الخبر كلام الآملي.
23- نفس المصدر / 70.
24- مناقب أحمد بن حنبل، ح 7.
25- م: سيفه.
26- ش و م: أداتي.
27- مناقب أحمد بن حنبل، ح 20.
28- ش ود: بلبسة.
29- نفس المصدر، ح 16.
30- أسد الغابة 4 / 24.
31- ج: يحسبني.
32- هكذا في ش ود. وفي سائر النسخ: مشدود.
33- هكذا في ش ود. وفي سائر النسخ: جوهرا.
34- هكذا في ش ود. وفي سائر النسخ: فصبه.
35- م: ينقص.
36- كتاب الورع، لأحمد بن حنبل / 43 + حلية الأولياء 1 / 82.