في كتابه الفوائد الطوسيّة عَرَضَ المحدّث الفقيه الشيخ الحر العاملي لوجوهٍ اثْنَي
عَشَرَ في تفسير الحديث المعروف بـ حديث النفس المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"مَن عَرفَ نفسَه فقد عَرفَ ربَّه":
الأول: لما حرَّكَت النّفس البدنَ، والرّوحُ
الجسدَ لزم من معرفة ذلك له معرفة أنّ للعالم مُدَّبراً، وللسكون مُحرِّكاً، فمعرفة
النفس من جملة الأدلة الموصلة إلى معرفة الرب.
الثاني: إنّ مَن عَرفَ أن نفسَه واحدة وأنها
لو كانت اثنتين لأمكن التعارض والممانعة عَرفَ أنّ الربَّ واحد:
﴿لو كان فيهما
آلهة إلا الله لفسدتا﴾.
الثالث: من عَرفَ أنّ النفس تُحرّك الجسد
بإرادتها، علم أنه لا بدّ للعالم من مُحرّكٍ مختار للقطع بوجوب كمال الخالق،
وتنزهُهُ عن النقص، وللعلم بامتناع الحركة والتأثير ممن عُدِمت نفسَه وفارقت بدنه.
الرابع :من عَرفَ أنه لا يخفى على النفس أحوال
الجسد، علم أنه لا يعزب عن الباري مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء لامتناع علم
المخلوق وجهل الخالق تعالى.
الخامس :من عَرفَ أنّ النفس ليست إلى شيءٍ من
الجسد أقرب منها إلى شيءٍ منه، علم أنّ نسبة الأشياء كلّها إلى قدرة الله تعالى
وعلمه على السواء.
السادس: من عَرفَ أنّ النفس موجودة قبل البدن
باقيةٌ بعده عَرفَ أن ربّه كان موجوداً قبل المخلوقات، وهو باقٍ بعدها لم يزل ولا
يزال.
السابع: من عَرفَ أن نفسَه لا يُعرف كُنْهُ
ذاتها وحقيقتها عَرفَ أنّ ربّه كذلك بطريق أولى.
الثامن: مَن عَرفَ أن نفسَه لا يُعرف لها مكان
ولا يُعلم لها أَيْنيَِّة عَرفَ أن ربّه مُنزهٌ عن المكان والأَيْنيّة.
التاسع: من عَرفَ أن النفس لا تُحَسّ ولا
تُمَسّ ولا تُدرك بالحواس الظاهرة عَرفَ أنّ الله تعالى سبحانه كذلك .
العاشر: من عَرفَ نفسَه عَلِمَ أنّها أمارةٌ بالسوء، فاشتغلَ بمجاهدتها
وبعبادة ربّه، ومن عبدَ الله وأطاعه كانت معرفته صحيحة، ومن عصاه فكأنه لم يعرفه إذ
لم ينتفع بمعرفته، فهو أسوأُ حالاً ممن لم يعرفه، فكأنه قال من عَرفَ نفسَه جاهدَها
وعبدَ ربّه، ومن عبده فقد عرفه حقّ المعرفة وحصل له ثمرة العلم به، وهذا ما خطر
بخاطري ولم يذكره أحد في ما أعلم.
الحادي عشر: من عَرفَ نفسَه بصفات النقص عرف
ربّه بصفات الكمال إذ النقص دلَ على الحدوث، فيلزم ملازمة الكمال المقدّم.
الثاني عشر: إنه علّقَ مُحالاً على مُحال، أي
كما لا يمكن معرفة حقيقة النفس كذلك لا يمكن معرفة حقيقة الربّ، فيجب أن يُوصف بما
وصَفَ نفسَه تعالى، والله أعلم.