قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم،
فإنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً)[1].
لو قرأنا الزيارة الجامعة الكبيرة الواردة بسند صحيح عن الإمام الهادي (عليه
السلام) والتي تعدّ من أفضل وأعظم الزيارات، لوجدناها تذكر وتبيّن شؤون الإمامة
بصورة عامّة، ومعرفة الإمام بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام)،
فكلّ واحد منهم ينطبق عليه أنّه عيبة علمه وخازن وحيه.
إلاّ أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) لا تزار بهذه الزيارة، فلا يقال في شأنها:
موضع سرّ الله، خزّان علم الله، عيبة علم الله... فهذا كلّه من شؤون حجّة الله على
الخلق، وفاطمة الزهراء هي حجّة الله على الحجج، كما ورد عن الإمام العسكري (عليه
السلام): نحن حجج الله على الخلق، وفاطمة الزهراء حجّة الله علينا .
ثمّ فاطمة الزهراء هي ليلة القدر، فهي مجهولة القدر كليلة القدر في شهر رمضان، فلا
يمكن تعريفها وأنّ الخلق فطموا عن معرفتها. ولا زيارة خاصّة لها، ربما لأنّ أهل
المدينة بعيدون عن ولايتها ويجهلون قبرها فكيف تزار، أو يقال: لا يمكن للزهراء أن
تعرّف في قوالب الألفاظ، فإنّ الشخص تارةً يعرف بأنّه عالم ورع، واُخرى يقال: فلان
لا يمكن وصفه ومعرفته، فالزهراء (عليها السلام) إمام على ما جاء في زيارة الجامعة
الكبيرة.
كما أنّه ورد في توقيعات صاحب الأمر (عليه السلام) أنّ اُسوته ومقتداه اُمّه فاطمة
الزهراء (عليها السلام)، فالجامعة زيارة الإمام، ولكن اُسوة الأئمة وحجّة الله
عليهم هي فاطمة الزهراء، فلا يمكن وصفها وبيان قدرها.
ومن خصائصها: كما أنّ لها مبان خاصّة في الفقه والعقائد والمعارف السامية، إلاّ
أنّه من خصائصها أنّ حبّها ينفع في مئة موطن، وحبّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام)
ينفع في سبعة مواطن للنجاة من أهوال يوم القيامة.
ومنها: أنّها في خلقتها النورية تساوي النبيّ، فهي كما قال النبيّ: روحه التي بين
جنبيه، وربما الجنبين إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل، فهي واجدة روح النبيّ بعلمه
وعمله وكلّ كمالاته إلاّ النبوّة فهي الأحمد الثاني، فهي علم الرسول وتقواه وروحه.
ويحتمل أن تكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية، فقد ورد في الخبر
النبوي الشريف: «ظاهري النبوّة وباطني الولاية» التكوينية والتشريعية على كلّ
العوالم، كما ورد: «ظاهري النبوّة وباطني غيب لا يدرك»، وأنفسنا في آية المباهلة
تجلّيها وظهورها ومصداقها هو أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، فالزهراء يعني رسول
الله وأمير المؤمنين، فهي مظهر النبوّة والولاية، وهي مجمع النورين: النور المحمّدي
والنور العلوي، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيتها: (اللهُ نُورُ
السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ) [2]بأ نّه كالمشكاة، وورد في تفسيره وتأويله أنّ المشكاة
فاطمة الزهراء وفي هذه المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنين ثمّ بعد ذلك الأئمة
الأطهار (عليهم السلام) يهدي الله لنوره من يشاء.
فالنبوّة والإمامة في وجودها، وهذا من معاني (والسرّ المستودع فيها) فهي تحمل أسرار
النبوّة والولاية، تحمل أسرار الكون وما فيه، تحمل أسرار الأئمة وعلومهم، تحمل
أسرار الخلقة وفلسفة الحياة.
الشيخ محمد باقر الكجوري
[1] فرائد السمطين 2:
68.
[2] النور: 35.