ورد عن رسول الله (صلّى
الله عليه وآله): «عَجَبٌ لِغَافِلٍ ولَيْسَ بِمغَفُولٍ عَنْهُ، وعَجَبٌ
لِطَالِبِ الدُّنيْا والْمَوْتُ يَطْلُبُهُ، وعَجَبٌ لِضَاحِكٍ مِلْءَ فِيهِ وهُوَ
لاَ يَدْرِي أَرَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَمْ سَخِطَ»[1].
يعيش الانسان في حياته معركة قاسية مع الشيطان الذي وضع أمامه هدف غواية هذا
الإنسان وإضلاله عن الهدى، وفي هذه المعركة يكمُن الشيطان للإنسان منتظراً منه لحظة
تؤاتيه ليصطاده ويدخِله في شراكه.
ويظهر بوضوح أنّ لحظة الضعف التي تشكل فرصة للشيطان هي الغفلة، ويقابلها التحصين
بأن يكون الإنسان ذاكراً لله -عزّ وجلّ- دائماً. وقد وصف الإمام الصادق (عليه
السلام)حال الإنسان الذاكر، مقابل الغافل، فيما روي عنه أنّه قال: "الذَّاكِرُ
لِلَّه عَزَّ وجَلَّ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُقَاتِلِ فِي الْمُحَارِبِينَ"[2].
وفي الحديث المذكور عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نجد تنبيهاً واضحاً إلى
ثلاث حالات تُعرض لهذا الإنسان، يعيش الغفلة فيها مع بيان المنبّه له الموجِب
لليقظة؛ وهي:
الحالة الأولى: أنّ الانسان يعيش الغفلة
التامّة، حتى أنه لا يدرك أنّه لا يكون مغفولاً عنه، وعلاج ذلك أن يذكر أنّ الله -عزّ
وجلّ- هو الشاهد الذي لا يغيب عنه الإنسان في أيّ آن أو مكان، ومن يلتفت إلى ذلك؛
سوف يخرج من كمين الغفلة، في أمَن من مصيدة الشيطان.
الحالة الثانية:
أنّ الإنسان يستغرق في طلب الدنيا، فيسعى لها، بكلّ ما لديه من إمكانات وبكلّ
ما أعطاه الله من نِعَم، فيستزيد منها، وبطلبه للزيادة؛ يغفل عن أنّ هذه الدنيا
مصيرها الزوال والفناء، وبهذا يكون للشيطان فرصة يقتنصه فيها، وقد ورد عن رسول الله
(صلّى الله عليه وآله):"قليل من بني آدم إلّا وفي غفلة ونقص، ألا ترى إذا نمى له
مال بالزيادة فيسرّ بذلك، وهذا الليل والنهار يجريان بطيّ عمره فلا يهمّه ذلك، لا
يحزنه وما يغني عنه مال يزيد وعمرٌ ينقص"[3].
إنّ دواء هذه الغفلة، أن يلتفت الطالب للدنيا بأنّ هناك طالب يطلبه ويلاحقُه دائماً،
وهو الموت، وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "أَهْلَ الدُّنْيَا
يُصْبِحُونَ ويُمْسُونَ عَلَى أَحْوَالٍ شَتَّى : فَمَيِّتٌ يُبْكَى، وآخَرُ
يُعَزَّى، وصَرِيعٌ مُبْتَلًى، وعَائِدٌ يَعُودُ، وآخَرُ بِنَفْسِهِ يَجُودُ،
وطَالِبٌ لِلدُّنْيَا والْمَوْتُ يَطْلُبُهُ، وغَافِلٌ ولَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ
وعَلَى أَثَرِ الْمَاضِي مَا يَمْضِي الْبَاقِي أَلَا فَاذْكُرُوا هَادمَ
اللَّذَّاتِ، ومُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ، وقَاطِعَ الأُمْنِيَاتِ"[4].
الحالة الثالثة: أنّ الانسان يعيش لحظات فرح
وسرور، ولو أنّ هذه اللحظات كانت مع علم وإدراك بأنّها في مواطن رضا الله -عزّ وجلّ-
فلن يكون الإنسان في غفلة، ولكن الغفلة تتحقّق إذا كان الإنسان لا ينظر في علاقته
بربّه وما يحكم هذه العلاقة؛ الرضا أو السخَط؟ وبهذا تكون الغفلة ويكون في مكمَن
الشيطان الرجيم. وفي مقابل ذلك صاحب التقوى الذين يصفه أمير المؤمنين (علي السلام)
بقوله: "يُمْسِي وهَمُّه الشُّكْرُ ويُصْبِحُ وهَمُّه الذِّكْرُ، يَبِيتُ حَذِراً
ويُصْبِحُ فَرِحاً، حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ، وفَرِحاً بِمَا أَصَابَ
مِنَ الْفَضْلِ والرَّحْمَةِ"[5].
[1] بحار الأنوار،
العلّامة المجلسيّ، ج 74 ص 130
[2] الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 2 ص 502
[3] إرشاد القلوب، الحسن بن محمّد الديلميّ، ج 1 ص 87
[4] نهج البلاغة، الخطبة 99.
[5] النهج، الخطبة 193.