مِن خُطبةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) لَمّا زَوَّجَ فاطمةَ (عليها السلامُ) مِن عليٍّ (عليه السلام): «إنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ المصاهَرةَ نَسَباً لاحقاً، وأمْراً مفترَضاً، شَجَّ بها الأرحام، وألزَمَها الأنام، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرً﴾[1]. ثمّ إنَّ اللهَ تعالى أمرَني أنْ أزوّجَ فاطمةَ مِن عليّ، وقد زوّجْتُها إيّاهُ على أربعمائةِ مثقالٍ فِضّة، إنْ رضيتَ يا عليّ، قال: رضيتُ يا رسولَ الله»[2].
الزواجُ مِفتاحُ تكوينِ الأسرة، وبه يكونُ تكامُلُ الخَلْقِ في سَيْرِهِم نحوَ خالِقِهِم وما خُلقوا لأجْلِه، وأعظمُ ما في الأسرةِ هو هذا الترابطُ الذي يحصلُ فيتحقّقُ ببركتِه دائرةُ الأرحامِ التي أَمَرَ اللهُ بِصِلَتِها، وهذه الصِّلَةُ هي بابُ زيادةِ العدد، ففي خُطبةِ الزهراءِ (عليها السلامُ) قالت: «فَرَضَ اللَّهُ صِلَةَ الْأَرْحَامِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ»[3].
والعددُ المطلوبُ هو ما يكونُ مصداقاً لطَلَبِ النبيِّ زكريّا (عليه السلامُ) في سورةِ آلِ عِمران: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾[4]. ولو أردنا أن نستنطقَ القرآنَ في معنى الذريةِ الطيّبةِ، لوجدنا الجوابَ في قولِهِ تعالى في سورةِ مريم: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّ﴾[5]، والرضا هذا يتمثّلُ في تحقُّقِ العبوديةِ التامّةِ فيه للهِ عزَّ وجلَّ بامثتالِ أوامرِهِ والاجتنابِ عن معاصيه، وبهذا يتحقَّقُ الرضا الإلهيُّ عنه ورضا والدَيه، وهذا غايةُ ما ينبغي أن يكونَ مطلوباً في الأسرةِ عندَ الوالدَين.
وقوامُ الرضا الإلهيِّ يتحقّقُ بحسبِ ما دلّتْ عليه الآياتُ القرآنيةُ بأمرَين:
1. الإيمانُ والعملُ الصالح: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾[6].
2. الترابطُ الولائيُّ داخلَ الأُسرة: فيكونُ المعيارُ هو الوُدُّ في اللهِ والبغضُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[7].
وعلى أساسِ ذلك، لا بُدَّ مِن أن تكونَ عنايةُ الوالدَينِ في التربيةِ الأسريّةِ على ثلاثيّةِ الإيمانِ والعملِ الصالحِ والولايةِ للهِ عزَّ وجلَّ ولرسولِهِ ولأولي الأمر، وبذلك تكونُ حصانةُ الأسرةِ مِنَ الخلل، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه المولى): «الإنسانُ وُجد للتربيةِ وللهدايةِ وللتعالي وللكمال، وهذا لا يحصلُ إلّا في محيطٍ آمِنٍ، وهو المحيطُ الذي لا تتولّدُ فيه العُقَد، وتُلبَّى فيه احتياجاتُ الإنسان، وفيه تنتقلُ الإرشاداتُ مِن جيلٍ إلى جيل، ويوضَعُ الإنسانُ فيه منذُ طفولتِهِ تحتَ التعليمِ الصحيحِ السهلِ المنسجمِ مع طبيعتِهِ وفطرتِه، ومن قِبَلِ مُعلِّمَين، هما الأبُ والأمّ، هما أرحمُ الناسِ به مِن أيِّ إنسانٍ في هذا العالَم».
[1] سورة الفرقان، الآية 54.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج43، ص119.
[3] المصدر نفسه، ج71، ص94.
[4] سورة آل عمران، الآية 38.
[5] سورة مريم، الآيتان 5-6.
[6] سورة البيّنة، الآية 8.
[7] سورة المجادلة، الآية 22.