بسم الله الرحمن الرحيم
أجمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الخروج إلى الحج في سنة عشر من الهجرة، وأذن في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجته تلك التي يطلق عليها حجة الوداع، وحجة الإسلام، وحجة البلاغ، وحجة الكمال، وحجة التمام، ولم يحج غيرها منذ هاجر إلى أن توفاه الله سبحانه، فخرج صلى الله عليه واله وسلم من المدينة مغتسلا متدهنا مترجلا متجردا في ثوبين صحاريين، إزار ورداء، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة، واخرج معه نساءه كلهن في الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامة المهاجرين والأنصار، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس.
سار النبي صلى الله عليه واله وسلم بركبه باتجاه مكة فدخلها نهار الثلاثاء، فلما قضى مناسكه، وانصرف راجعا نحو المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات، وصل إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة، نزل إليه جبرائيل الأمين عليه السلام عن الله بقوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك....)، وأمره أن يقيم عليا علما للناس، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة، فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد، حتى إذا أخذ القوم منازلهم، فقمّ ما تحتهن (أي كنس)حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن، فصلى بالناس تحتهن، وكان يوما هاجرا يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه، من شدة الرمضاء، وظلل لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف من صلاته صلى الله عليه واله وسلم، قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل، وأسمع الجميع، رافعا عقيرته، فقال صلى الله عليه واله وسلم:"الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسن، ومن سيئات أعمالن، الذي لا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير:أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله.وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وانتم مسئولون، فماذا أنتم قائلون؟
قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجاهدت، فجزاك الله خيرا.
قال:"ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟".
قالوا:بلى نشهد بذلك.قال:"اللهم اشهد"، ثم قال:"أيها الناس ألا تسمعون؟"
قالوا: نعم.
قال:"فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين".
فنادى مناد:وما الثقلان يا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم؟
قال:"الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلو، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكو، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا".
ثم أخذ بيد علي عليه السلام فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال:"أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟"قالوا:الله ورسوله أعلم.
قال:"إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه"، يقولها ثلاث مرات وفي لفظ احمد إمام الحنابلة أربع مرات ثم قال: "اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب".
ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله:بقوله:﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي..﴾.
فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:"الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي".
ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وممن هنأه في مقدمة الصحابة الشيخان:أبو بكر وعمر كل يقول:بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.قال ابن عباس:وجبت والله في أعناق القوم.
فقال حسان:ائذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتا تسمعهن، فقال: "قل على بركة الله".
فقام حسان فقال:يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في الولاية ماضية، ثم قال:
يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم وأسمع بالرسول مناديا
وقال:فمن مولاكم ووليكم؟
فقالوا:ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت ولينا ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا: اللهم وال وليه وكن للذي عادى عليا معاديا
فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:"لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك".
أما ما ورد في فضل هذا اليوم، فعن النبي صلى الله عليه واله وسلم:"يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، هو اليوم الذي أمرني الله فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب فيه علما لأمتي يهتدون به بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام دينا"، ثم قال:"معاشر الناس، إن عليا مني وأنا من علي، خلق من طينتي، وهو بعدي يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي، وهو أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المؤمنين، وخير الوصيين، وزوج سيدة نساء العالمين، وأبو الأئمة المهديين".
كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في فضل صيام هذا اليوم:"صوم يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدني، لو عاش إنسان عمر الدني، ثم لو صام ما عمّرت الدني، لكان له ثواب ذلك، وصيامه يعدل عند الله عز وجل مائة حجة ومائة عمرة، وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله عز وجل نبيا إلا وتعبد في هذا اليوم، وعرف حرمته، واسمه في السماء يوم العهد المعهود.ومن صلى فيه ركعتين من قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة شكرا لله عز وجل، ويقرأ في كل ركعة سورة الحمد عشرا و(قل هو الله احد) عشر، و(إنا أنزلناه في ليلة القدر)عشر، وآية الكرسي عشر، عدلت عند الله عز وجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة.وما سأل الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة كائنة ما كانت إلا أتى الله عز وجل على قضائها في يسر وعافية، ومن فطّر مؤمنا كان له ثواب من أطعم بعددهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في حرم الله عز وجل، وسقاهم في يوم ذي مسغبة، والدرهم فيه بمائة ألف درهم، ثم قال:لعلك ترى أن الله عز وجل خلق يوما أعظم حرمة منه؟ لا والله، لا والله، لا والله، ثم قال:وليكن من قولك إذا لقيت أخاك المؤمن:الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم، وجعلنا من المؤمنين، وجعلنا من الموفين بعهده الذي عهده إلين، وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة أمره، والقوام بقسطه، ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذبين بيوم الدين، ثم قال:وليكن من دعائك في دبر الركعتين أن تقول:"ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا..."الدعاء موجود في "الإقبال" و"المصباح" و"البلد الأمين".