مِن خطبةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) في كربلاءَ، مخاطباً القومَ الذينَ اجتمعوا على قتالِهِ: «فسُحقاً لكُم يا عَبيدَ الأُمَّةِ، وشُذَّاذَ الأحزابِ، ونَبَذَةَ الكِتابِ، ومُحرِّفي الكَلِمِ، ونَفْثَةَ الشيطانِ، وعُصْبَةَ الآثامِ، ومُطفِئي السُّننِ، وقَتَلةَ أولادِ الأنبياءِ، ومُبيدي عِترةِ الأوصياءِ... أنتُمُ ابنَ حَربٍ وأشياعَهُ تَعْضُدونَ، وعنَّا تخاذَلُونَ، أجَلْ -وَاللهِ- غَدْرٌ فيكُم قَديمٌ، وَشَجَتْ عَليهِ أصولُكُم، وتأزَّرَتْ عليهِ فروعُكُم، وثبتَتْ عليهِ قُلوبُكُم»[1].
في تحليلِ واقعةِ كربلاءَ وما جرى فيها مِن أحداثٍ، كانَ الخذلانُ عنواناً واضحاً لكلِّ مَنْ تركَ نصرةَ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) في عاشوراءَ، وبتتبّعِ أسبابِ هذا الخذلانِ الذي شملَ أمّةً أصبحَت تستحقُّ اللعنَ، نجدُ دورَ الخواصِّ بارزاً في ذلك:
1. مَنْ همُ الخواصُّ؟ الخواصُّ ليسوا طبقةً خاصّةً مِنَ الناسِ، بلْ هُمْ بتعريفِ الإمامِ الخامنئيِّ (دام ظلّه): «هذهِ الفئةُ... تضمُّ بينَ أفرادِها أشخاصاً متعلِّمينَ، وآخرينَ غيرَ متعلِّمينَ... حينما نقولُ الخواصُّ، فلا يعني ذلكَ أنَّهم فئةٌ ترتدي زيّاً بعينِهِ، فقدْ يكونُ رجلاً، وقدْ يكونُ امرأةً، وقدْ يكونُ ثريّاً، وقدْ يكونُ فقيراً... الخواصُّ همُ الذينَ عندما يُؤدّونَ عملاً يتّخِذونَ موقفاً، والنهجُ الذي يختارونَهُ، يختارونَهُ عنْ فكرٍ وتحليلٍ؛ أيْ إنَّهم يفهمونَ ويقرِّرونَ ويعملونَ، والذينَ يقفونَ في الجانبِ المقابلِ لهمْ همُ العوامُّ»[2].
2. خواصُّ الحقِّ والدنيا: وكما يوجدُ خواصُّ الحقِّ، يوجدُ خواصُّ للباطلِ، وأخطرُ ما يُوجبُ الوقوعَ في الزللِ لخواصِّ الحقِّ هوَ مُغرياتُ الدنيا؛ ولذلكَ يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «إنَّ خواصَّ الحقِّ يُقسمونَ إلى فريقينِ:
أ. الفريقُ الأوّلُ: همُ الذينَ يتغلّبونَ في الصراعِ معَ مُغرياتِ الدنيا والحياةِ، مِنَ الجاهِ والشهوةِ والمالِ واللذةِ والرفاهِ والسمعةِ.
ب. والفريقُ الآخرُ: همُ الذينَ يُخفِقونَ في هذا الصراعِ، حيثُ... انغمسَ فيها إلى الحدِّ الذي يعجزُ عنِ اجتنابِها فيما إذا استدعَتِ التكاليفُ الصعبةُ منهُ ذلكَ.
3. تأثيرُ خياراتِ الخواصِّ: وفي تحليلِ المجتمعِ، نجدُ أنَّ خواصَّ الحقِّ، إذا كانَ أكثرُهُم مِن فريقِ التعلّقِ بالدنيا، فسيكونُ الخيارُ أمّةً تخذلُ الإمامَ الحسينَ (عليه السلام)، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «كلُّ مجتمعٍ يوجدُ فيهِ هذانِ النمطانِ منْ أنصارِ الحقِّ، إذا كانَ الفريقُ الصالحُ منهما -أيْ الذينَ يستطيعونَ عندَ الحاجةِ الانتهاءَ منْ متاعِ الدنيا- همُ الأكثرَ، فلنْ يقعَ المجتمعُ بما وقعَ فيهِ على عهدِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، وكونوا على ثقةٍ أنَّ المستقبلَ سيكونُ مضموناً إلى الأبدِ.
أمّا إذا كانوا قِلّةً، وكانَ ذلكَ الفريقُ منَ الخواصِّ؛ أي المناصرينَ للحقِّ، ولكنْ في الوقتِ نفسِهِ تنهارُ معنويّاتُهم أماَم المغرياتِ الدنيويّةِ، بما فيها مِن ثروةٍ ودارٍ وشهرةٍ ومنصبٍ وجاهٍ، والذينَ يُعرِضونَ عنْ سبيلِ اللهِ لأجلِ أنفسِهِم، فيلتزمونَ الصمتَ حيثما يجبُ قولُ الحقُّ، حفاظاً على أرواحِهِم أو مناصبِهِم أو أعمالِهِم أو ثرواتِهِم أو لحبِّ الأولادِ والأسرةِ والأقاربِ والأصدقاءِ. هؤلاءِ إذا كانوا همُ الكثرةَ، فالويلُ الويلُ حينئذٍ! عندها ينزلُ السائرونَ على خُطى الحسينِ إلى أرضِ الشهادةِ، ويُقادونَ إلى مسالخِ الذبحِ، ويتسلّطُ أتباعُ يزيدَ على مقاليدِ الأمورِ، وسيحكمُ بنو أُميّةَ الدولةَ التي أسّسَها رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، ويطولُ حكمُهُم ألفَ شهرٍ، وتتحوّلُ الإمامةُ إلى مُلكٍ وسلطانٍ»[3].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] راجع: السيّد محسن الأمين، لواعج الأشجان، ص130؛ والعلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص9.
[2] من كلامٍ له (دام ظلّه) في لقاء جمع من قادة فرقة محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، في محرّم 1417هـ.
[3] المصدر نفسه.