إنّ للدعاء فضلاً عظيماً عند الباري سبحانه، فبِهِ يؤكّد الإنسان حاجته إليه وفقره بين يديه، وأن لا شيء في الوجود إلّا وهو تحت سلطته وقوّته، وعندها تتحطّم في نفسه روح العناد والتكبّر على أوامر الله، وتتَّضِع جوانحه لمَن هم أمثاله من الناس، إذ إنّهم جميعاً إلى الله محتاجون.
والدعاء ليس طلباً فحسب، بل هو إقرار وتوكّل وتسليم، بأن لا قدرة تعلو قدرةَ الله، وهو الملجأ عندما تعيى بالإنسان السبل.
وقد وصفه تعالى في كتابه الكريم بأنّه عبادة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «الدعاء هو العبادة التي قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾[1]، ادعُ اللهَ عزّ وجلّ، ولا تقل إنّ الأمر قد فُرِغ منه»[2].
وللدعاء ارتباط وثيق بتغيير القدر، فبه يُرَدّ القضاء، ويُدفَع البلاء، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الدعاء يردّ القضاء، بعدما أُبرِم إبراماً؛ فأكثِروا من الدعاء، فإنّه مفتاح كلّ رحمة، ونجاح كلّ حاجة، ولا ينال ما عند الله عزّ وجلّ إلّا بالدعاء، وإنّه ليس باب يكثر قرعه إلّا يوشك أن يُفتح لصاحبه»[3].
ولكي يكون الدعاءُ ناجعاً، بيّنت النصوصُ الشريفة آدابَه وشروطَه، منها:
1. الطهارة والصلاة
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غَمٌّ من غموم الدنيا أن يتوضّأ، ثمّ يدخل مسجده، فيركع ركعتين، فيدعو الله فيها؟ أما سمعت الله يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾[4]»[5].
2. الابتداء بالبسملة
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لا يُرَدّ دعاءٌ أوَّله بسم الله الرحمن الرحيم»[6].
3. الصلاة على النبيّ وآله
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا يزال الدعاء محجوباً حتّى يُصلّى على محمّد وآل محمّد»[7].
4. التوسّل بالنبيّ وآله
إنّ للفيض الإلهيّ وسائل، أعظمها أولياؤه، والتوسّل بهم مدعاة للاستجابة، عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «الأوصياء منّي إلى أن يردوا عليّ الحوض، كلّهم هادٍ مهتدٍ، لا يضرّهم مَن خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، فبهم تُنصَر أمّتي، بهم يمطرون، وبهم يُدفع عنهم البلاء، وبهم يُستجاب دعاؤهم»[8].
5. حسن الظنّ بالله
على الإنسان أن يُوقِن برحمة الله اللامتناهية، وبأنّه سبحانه لا يمنع أحداً من فيض نعمته، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قال الله عزَّ وجلَّ: مَن سألني، وهو يعلم أنّي أضرّ وأنفع، استجبتُ له»[9].
6. تسمية الحوائج
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، ولكنّه يحبّ أن تُبثَّ إليه الحوائج، فإذا دعوتَ فسمِّ حاجتك»[10].
7. الإلحاح بالدعاء
المواظبة على الدعاء، سواءٌ حصل المراد أم لا، لئلّا يكون ممّن ينسَون فضل الله، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَا تَكُنْ مِمَّنْ [...] إِنْ أَصَابَه بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً، وإِنْ نَالَه رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً»[11].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] سورة غافر، الآية 60.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص467.
[3] المصدر نفسه، ج2، ص470.
[4] سورة البقرة، الآية 45.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج66، ص342.
[6] الراونديّ، الدعوات (سلوة الحزين)، ص52.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص491.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج36، ص257.
[9] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص153.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص476.
[11] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص497، الحكمة 150.