في دعاءِ النُّدبةِ: «أَيْنَ المُعَدُّ لِقَطْعِ دابِرِ الظَّلَمَةِ؟ أَيْنَ المُنَتَظَرُ لإِقامَةِ الأَمْتِ وَالعِوَجِ؟ أَيْنَ المُرْتَجى لإِزالَةِ الجَوْرِ وَالعُدْوانِ؟»[1].
يَحيا الإنسانُ على أساسِ الأملِ بمستقبلٍ أفضلَ، يسعى للوصولِ إليهِ، ويُحاربُ اليأسَ والكسلَ والفشلَ من خلالِ هذا الأملِ، وكلَّما كانَ الهدفُ المرسومُ لهذا المستقبلِ أعظمَ، كانتِ الحاجةُ فيهِ إلى أملٍ أعظمَ وأرسخَ.
إنَّ الأملَ الذي تعيشُهُ الإنسانيَّةُ، وحملتْهُ رسالةُ الأنبياءِ (صلواتُ اللهِ عليهمْ جميعًا)، هوَ رسالةُ إقامةِ دولةِ العدلِ وإزالةِ كلِّ مظهرٍ من مظاهرِ الجورِ والعدوانِ، والدولةُ الموعودةُ في خاتمةِ قافلةِ البشريَّةِ هيَ هذهِ الدولةُ المأمولةُ.
إنَّ الاعتقادَ بالإمامِ الحُجَّةِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فَرَجَهُ) هوَ الذي يُبثُّ الأملَ في النُّفوسِ، وهوَ أملٌ يستتبعُ العملَ والنشاطَ وبذلَ الجُهدِ والعطاءِ، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «إنَّ الأملَ يدفعُ الإنسانَ لأنْ يُكافحَ، ويَفتحَ الطريقَ، ويَتقدَّمَ، فحينما يُقالُ لكُم انتظروا؛ فهذا يعني أنَّ الظُّروفَ التي تُؤلِمُكُم اليومَ، وتَعتصرُ قُلوبَكُم ألمًا بسببِها، ليستْ أبديَّةً، بل إنَّها ستنتهي يومًا ما، فانظروا كم يَكتسبُ الإنسانُ نشاطًا وحيويَّةً [خلالَ الانتظارِ]، وهذا هوَ دَورُ الاعتقادِ بالإمامِ الحُجَّةِ (صلواتُ اللهِ عليهِ وأرواحُنا لهُ الفداءُ)، هذا هوَ دورُ الإيمانِ بالمَهديِّ الموعودِ»[2].
والبُعدُ الآخرُ الذي يُضفيهِ هذا الاعتقادُ هوَ النَّظرُ إلى أنَّ التَّغييرَ المُستقبليَّ أمرٌ حتميٌّ، وهوَ ما يَشدُّ من عزيمةِ أهلِ الجهادِ، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «إنَّ الإيمانَ بالمَهديِّ الموعودِ يَملأُ القلوبَ بنورِ الأملِ، ولا معنى لليأسِ الذي يَستحوذُ على الكثيرِ منَ النُّخبِ في هذا العالمِ. بالنِّسبةِ لنا نحنُ المؤمنينَ بالظُّهورِ الحتميِّ للمَهديِّ الموعودِ (عجَّلَ اللهُ فرَجَهُ) في المستقبلِ، لا نَشكُّ بإمكانيَّةِ تغييرِ الخارطةِ السِّياسيَّةِ للعالمِ، ولا بإمكانيَّةِ مُقارعةِ الظُّلمِ ومراكزِ القوَّةِ. وهذا المعنى ليسَ مُمكنًا فقط في المستقبلِ، بل هوَ حتميٌّ. وإذا ما آمنَ شعبٌ بإمكانيَّةِ تغييرِ الخارطةِ الشَّيطانيَّةِ الظَّالمةِ القائمةِ اليومَ في العالمِ، تملَّكَتْهُ الشَّجاعةُ، والشُّعورُ بأنَّ يدَ القضاءِ لم تَكتُبْ بشكلٍ محتومٍ هيمنةَ الظَّالمينَ إلى الأبدِ، ولدى بني الإنسانِ القُدرةُ على السَّعيِ لرفعِ رايةِ العدلِ، ولو في رُبوعِ بُقعةٍ محدودةٍ»[3].
إنَّ خصوصيَّةَ هذا الأملِ بدولةِ العدلِ المهدويَّةِ أنَّهُ عبارةٌ عن وَعدٍ إلهيٍّ، وبهذا فهوَ ليسَ مجرَّدَ فكرةٍ بشريَّةٍ، يقولُ شهيدُنا الأسمى السَّيِّدُ حسنُ نصرُ اللهِ: «في أخبارِ الغيبِ، وَعَدَنا اللهُ سبحانَهُ وتعالى أنَّ هذهِ الأرضَ في نهايةِ المطافِ سيرِثُها الصَّالحونَ والصِّدِّيقونَ والمُبارَكونَ، وسيُقامُ فيها العدلُ، وتتحقَّقُ فيها العدالةُ، والسَّلامُ، والأمنُ، والاستقرارُ، والسَّلامةُ، والعافيةُ، وستُفتَحُ فيها الكثيرُ من أبوابِ الخيرِ للبشريَّةِ. هذا وَعدٌ إلهيٌّ، على الرَّغمِ ممَّا ستمتلئُ بهِ على مدى آلافِ السِّنينَ من ظُلمٍ، وفسادٍ، وسَفكٍ للدِّماءِ، وعُلوٍّ، وعُتُوٍّ، واستكبارٍ، واستضعافٍ، وحروبٍ، وفِتنٍ، وصِراعاتٍ.
سيأتي زمانٌ على البشريَّةِ تتخلَّصُ فيهِ من هؤلاءِ الطُّغاةِ، والجَبابرةِ، والفَراعنةِ، والنَّماردةِ القُدامى والجُدُدِ، والمُتوحِّشينَ ماليًّا، واقتصاديًّا، وأخلاقيًّا، وبَطشًا، وقَمعًا، وستتَّجهُ البشريَّةُ حُكمًا إلى اليومِ الذي يتحقَّقُ فيهِ هذا النَّوعُ من المُجتمعِ البشريِّ، الذي تُلخِّصُهُ بعضُ الرِّواياتِ عن رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه)، عندما يتحدَّثُ عنِ الإمامِ المهديِّ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرَجَهُ)، فيقولُ مثلًا: «يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا»[4]. وهذا الوَعدُ الإلهيُّ سيتحقَّقُ على يدِ مجموعةٍ كبيرةٍ من النَّاسِ اللَّائقينَ، وقادةٍ كبارٍ من أُوليائِهِ العِظامِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] ابن المشهديّ، المزار الكبير، ص579.
[2] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 15 شعبان 1416هـ.
[3] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 15 شعبان 1423هـ.
[4] النعمانيّ، الغيبة، ص81.