عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): رَجَبٌ شَهْرُ اَلاِسْتِغْفَارِ لِأُمَّتِي، أَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ اَلاِسْتِغْفَارِ، فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَشَعْبَانُ شَهْرِي. اِسْتَكْثِرُوا فِي رَجَبٍ مِنْ قَوْلِ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ، وَسَلُوا اَللَّهَ اَلْإِقَالَةَ وَاَلتَّوْبَةَ فِي مَا مَضَى، وَاَلْعِصْمَةَ فِي مَا بَقِيَ مِنْ آجَالِكُمْ... وَسُمِّيَ شَهْرُ رَجَبٍ اَلْأَصَبَّ؛ لِأَنَّ اَلرَّحْمَةَ تُصَبُّ عَلَى أُمَّتِي فِيهِ صَبّاً»[1].
تُنبِئُ التسميةُ الخاصّةُ لهذا الشهرِ بـ«شهرِ الاستغفارِ» عن عظمةِ هذا العملِ فيهِ، ممّا يحثُّ الإنسانَ على أن يجعلَ من أهمِّ ما يعتني بهِ في هذا الشهرِ التخلّصَ منَ الذنوبِ، والتحلُّلَ من آثارِها. وليسَ الاستغفارُ مجرّدَ ذكرٍ لسانيٍّ، بل لا بدَّ من أن يقترنَ بالبحثِ عنِ الحقوقِ وأدائِها، سواءٌ أكانَت من حقوقِ اللهِ تعالى أم من حقوقِ الناسِ.
وأن يلهجَ لسانُ الإنسانِ بالاستغفارِ في هذا الشهرِ، فإنّما هوَ ليُقرِنَ القولَ بالعملِ، وليبقى في حالةِ يقظةٍ مستمرّةٍ، فلا يغفلَ، ولا يقعَ مرّةً أُخرى في أسبابِ العقوبةِ، وقد وردَ في المرويِّ عنِ النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «مَنْ قَالَ فِي رَجَبٍ: «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ» مِئَةَ مَرَّةٍ، وَخَتَمَهَا بِالصَّدَقَةِ، خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَمَنْ قَالَهَا أَرْبَعَمِئَةِ مَرَّةٍ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ مِئَةِ شَهِيدٍ، فَإِذَا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ اللَّهُ لَهُ: قَدْ أَقْرَرْتَ بِمُلْكِي، فَتَمَنَّ عَلَيَّ مَا شِئْتَ حَتَّى أُعْطِيَكَ، فَإِنَّهُ لَا مُقْتَدِرَ غَيْرِي»[2].
وإنَّ للاستغفارِ والتوبةِ آثاراً عظيمةً على الإنسانِ، منها:
1. الخيرُ والبركةُ: ثمّةَ ارتباطٌ وثيقٌ بينَ الاستغفارِ وصلاحِ المجتمعِ ونزولِ البركاتِ والحياةِ الطيّبةِ، قالَ تعالى حكايةً عن هودٍ (عليه السلام): ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾[3].
وعنِ الإمامِ الرضا (عليه السلام)، عن آبائِهِ (عليهم السلام): «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه واله): مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنِ اسْتَبْطَأَ الرِّزْقَ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَمَنْ حَزَنَهُ أَمْرٌ فَلْيَقُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ«[4].
2. الأمانُ منَ العذابِ: من آثارِ الاستغفارِ الطيّبةِ رفعُ العذابِ عن هذهِ الأمّةِ، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا، فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ؛ أَمَّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله)، وَأَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالاسْتِغْفَارُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[5]»[6].
3ـ طردُ الشيطانِ: الاستغفار يُبعِدُ الشيطانَ ويُحبِطُ مؤامراتِهِ، فعن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) لأصحابِهِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ، إِنْ أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ، تَبَاعَدَ الشَّيْطَانُ عَنْكُمْ كَمَا تَبَاعَدَ الْمَشْرِقُ مِنَ الْمَغْرِبِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الصَّوْمُ يُسَوِّدُ وَجْهَهُ، وَالصَّدَقَةُ تَكْسِرُ ظَهْرَهُ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمُؤَازَرَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَقْطَعُ دَابِرَهُ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَقْطَعُ وَتِينَهُ»[7].
4. طهارةُ القلوبِ: الاستغفارُ -كما وردَ في النصوصَ الشريفةَ- يُجلي القلوبَ ويُطهِّرُها من كلِّ خَبَثٍ ونَجَسٍ، قالَ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه واله): «إِنَّ لِلْقُلُوبِ صَدَأً كَصَدَإِ النُّحَاسِ، فَاجْلُوهَا بِالاسْتِغْفَارِ»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص512.
[2] المصدر نفسه، ج10، ص484.
[3] سورة هود، الآية 52.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج90، ص190.
[5] سورة الأنفال، الآية 33.
[6] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص483، الحكمة 88.
[7] الشيخ الصدوق، مَن لا يحضره الفقيه، ج2، ص75.
[8] الحلوانيّ، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص28.









