التاريخ: 1 رمضان
تعددت النصوصُ الشريفة المبيِّنةُ لحكمةِ تشريع الصوم، ففي حين رسم القرآن الكريم (التقوى) هدفاً أساساً بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾1 بيَّنت روايات أهل بيت العصمة عليهم السلام أهدافاً متعدِّدة تصبُّ في خانة التقوى نذكر منها:
الشعور بالفقراء
وهو ما ذكره الإمام الصادق عليه السلام لصاحبه الجليل هشام بن الحكم حينما سأله عن حكمة وجوب الصيام فقال عليه السلام: "إنما فرض الله عز وجل الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك أن الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير، لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عز وجل أن يسوي بين خلقه وان يذيق الغني مَّس الجوع والألم ليرقَّ على الضعيف فيرحم الجائع"2.
تذكر الآخرة
فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام تبيان لحكمة الصوم بقوله: "لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش، فيستدلوا على فقر الآخرة.."3.
الصبر على الطاعة
ويكمل الإمام الرضا عليه السلام الحديث السابق بقوله: "..وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً لما أصابه من الجوع والعطش.."4.
التحرُّر من سيطرة الشهوات
ويكمل الإمام عليه السلام بقوله: "مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات…"5 فالصوم يعرِّف الإنسان بقدرته على السيطرة على شهواته وعاداته لينظمها هو كما يريد بدل أن تجرفه هي إلى حيث تميل.
التذلل لله تعالى
فعن أمير المؤمنين أمير المؤمنين: "وعن ذلكَ ما حرسَ اللهُ عبادهُ المؤمنين بالصلواتِ والزكوات ومجاهدةِ الصيام في الأيام المفروضاتِ، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهمْ، وتخفيضاً لقلوبهمْ، وإذهَاباً للخُيلاءِ عنهمْ. لِما في ذلك من تعفيرِ عِتَاقِ الوجوه بالترابِ تواضعاً، والتصاقِ كرَائِم الجوارح بالأرض تصاغُراً، ولُحُوقِ البطون بالمُتُونِ من الصيام تَذُلُّل"6.
تثبيت الإخلاص
وهذا ما ذكرته سيدة نساء العالمين عليها السلام في خطبتها المعروفة قائلة: "فرض الله الصيام تثبيتاً للإخلاص"7.
ففي الصوم خصوصية بين العبادات عبَّر عنها أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "الصوم عبادة بين العبد وخالقه لا يطلع عليها غيره وكذلك لا يجازي عنها غيره"8.
فالصائم يشعر ولو كان وحيداً بمراقبة الله تعالى له مما يثبِّت حالة الإخلاص لله في نفسه، ومع مراعاة هذا الأدب الباطني يشعر الصائم بالأنس مع الله تعالى فيعشق عبادته ليكون افضل الناس كما حدثَّنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها، واحبها بقلبه، وباشرها بجسده وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر"9.
ولعل عشق العبادة التي منها الصيام يتبين حينما نتعرف على معنى العشق في اللغة، فإن كلمة العشق مأخوذة من نبتة تسمَّى "عشقة " تلصق نفسها بشجرة تعيش عليها ولا تتركها حتى تذبل الشجرة فيقال لها: أصابتها عشقة.
فالعاشق إنسان أصابته العبادة فصام لله تعالى واستكان إليه وخضع له فاصفر لونه و ضعف بدنه، لذا قالوا: إن من أسرار الصيام هو انه يقلل النشاط الحيواني للإنسان مثل الشجرة التي أصابتها عشقة فاثر ذلك عليها.
وهذا العشق للصيام يوصل الإنسان إلى القرب الإلهي الذي بينّ الله تعالى مرتبته بقوله: "الصوم لي وأنا اجزي به"، فلم يكتف تعالى بالقول "الصوم لي" بل قال "وأنا أجزي به"10 فقدم ضمير المتكلم "أن" على الفعل ولم يقل "وأجزي به" ليبين المرتبة العليا لمن سار في طريق عشق الصيام عشقا لكاتبه على الذين آمنوا لعلهم يتقون.
* زاد المناسبات - المركز الإسلامي للتبليغ، ط1: كانون الثاني 2009م - 1430هـ، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ص: 154-158.
2- الشيخ الصدوق – من لا يحضره الفقيه –ج 2 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 73
3- العلامة المجلسي – بحار الانوار – ج 93 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 369
4- العلامة المجلسي – بحار الانوار – ج 93 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 370
5- العلامة المجلسي – بحار الانوار – ج 6 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 79
6- خطب الامام علي عليه السلام _ نهج البلاغة- ج 2 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 149
7- العلامة المجلسي – بحار الانوار – ج 93 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 368
8- ابن ابي الحديد – شرح نهج البلاغة – ج 20 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 296
9- الريشهري – محمد – ميزان الحكمة – ج 3 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 1796
10- العلامة المجلسي – بحار الانوار – ج 70 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 12