التاريخ: 28 صفر الحرام
قال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾1{ الزمر 30
لقاء الله
ذكر المؤرّخون أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم استدعى أحد مواليه في أواخر صفر وطلب منه مرافقته إلى البقيع قائلاً له: "إنّي قد أُمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي"، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر....، وقال لغلامه: "إنّي قد أوتيت مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ثمّ الجنّة، وخُيّرت بين ذلك وبين لقاء ربّي والجنّة، فاخترت لقاء ربّي والجنّة"، قال له غلامه: بأبي أنت وأمّي فخذ مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ثمّ الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا والله يا أبا مُوَيهبة، لقد اخترت لقاء ربّي والجنة"، ثمّ استغفر لأهل البقيع ورجع1.
طلب المسامحة من الناس
بعد ساعات وفي حشد من الناس دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسجد برأس معصوب وطلعة نالت منها الحمّى، فجلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: "إنّ عبداً من عباد الله خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله"2 ثمّ سكت والناس قد طأطأوا رؤوسهم، وتابع خطابه وفي باله صلى الله عليه وآلخ وسلم ما قد خطّط له لحرب الروم وجهّز له من جيش كبير بقيادة أسامة بن زيد البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً آمراً أصحابه وبقيّة المسلمين الانضواء تحت رايته لذا قال من منبر المسجد: "أيّها الناس، انفذوا جيش أسامة...3 ثم سكت ولهيب الحمّى يزداد اشتعالاً ثم قال: "أيّها الناس، إنّي أحمد إليكم الله، لقد دنا منّي خفوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقض منه، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه...، ولا يقل رجل إنّي أخاف الشحناء من رسول الله، ألا وإنّ الشحناء (أي العداوة) ليست من طبيعتي ولا من شأني، ألا وإنّ أحبّكم إليّ من أخذ منّي حقاً إن كان له، أو حللني فلقيت الله، وأنا طيب النفس..."4 ثمّ نزل من المنبر وأقام الصلاة وبعدها قام ينتظر الناس الذين أثقلهم سؤال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو المعصوم الكامل الذي امتدحه الله تعالى بأنّه على خلق عظيم، فجأة نهض رجل يضطرب ليقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنّ سوطه وقعت ذات يوم على بطنه (بطريق الخطأ) فإذا بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم يكشف بطنه طالباً من الرجل أن يقتصّ منه، فتقدّم الرجل وسط ذهول الناس ليقبّل جسده الشريف، ليكون آخر العهد منه أن يلامس جسدُه جسدَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعدها دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيته حيث كان الرحيل المحزن الذي أصيب به الخلق والذي دعانا أهل البيت عليهم السلام أن نتذكّره حين نصاب بأمر يخصّنا، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك، فاذكر مصابك برسول الله فإنّ الخلائق لم يصابوا بمثله قط"5.
وقد ورد في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه يستحب فيها أن نقول: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أُصبنا بك يا حبيب قلوبنا، فما أعظم المصيبة بك، حيث انقطع الوحي، وحيث فقدناك، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون"6.
* زاد المناسبات- المركز الإسلامي للتبليغ، ط1: كانون الثاني 2009م - 1430هـ، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ص: 31-34.
1- الزمر: 30
2- الشيخ الكليني _ الكافي – ج 3 - مكتبة أهل البيت عليهم السلام– ص 220
3- العلامة المجلسي – بحار الأنوار -ج 99 - مكتبة أهل البيت عليهم السلام– ص 212
4- الريشهري – محمد -القيادة في الإسلام – مكتبة أهل البيت عليهم السلام– ص 385.
5- ابن أبي الحديد – شرح نهج البلاغة -ج 13 – مكتبة أهل البيت عليهم السلام– ص 28.
6- الطبري- تاريخ الطبري – ج 2 – مكتبة أهل البيت عليهم السلام- ص 432.
7- الطبري -تاريخ الطبري -ج 2 -مكنبة أهل البيت عليهم السلام– ص 434.