محاور الموضوع الرئيسيّة:
قيمة صلة ذي القربى في الإسلام
صلة الأرحام في تراث أهل البيت
آثار قطيعة الأرحام الدنيوية والأخروية
كيف نصل الرحم
الهدف:
تعزيز الالتزام بصلة الأرحام وذي القربى، والتحذير من آثار قطيعة الأرحام الدنيوية والاجتماعية.
تصدير الموضوع:
في رواية أنّ رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا رسول الله، أهل بيتي أبوا إلاّ توثّباً عليَّ وقطيعة لي وشتيمة، فأرفضهم"؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذن يرفضكم الله جميعاً" قال: كيف أصنع ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: " تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك، فانك إذا فعلت ذلك، كان لك من الله عليهم ظهير" 1.
مقدمة
من السنن الإلهية المودعة في فطرة الإنسان هي الارتباط الروحي والعاطفي بأرحامه وأقاربه، وهي سُنّة ثابتة يكاد يتساوى فيها أبناء البشر، فالحب المودع في القلب هو العلقة الروحية المهيمنة على علاقات الإنسان بأقاربه، وهو قد يتفاوت تبعاً للقرب والبعد النسبي إلاّ أنّه لايتخلّف بالكلية.
قيمة صلة ذي القربى
ولقد راعى الإسلام هذه الرابطة، ودعا إلى تعميقها في الواقع، وتحويلها إلى مَعلَم منظور، وظاهرة واقعية تترجم فيه الرابطة الروحية إلى حركة سلوكية وعمل ميداني.فانظر كيف قرن تعالى بين التقوى وصلة الأرحام، فقال:﴿واتّقُوا اللهَ الذي تَساءَلُونَ بهِ والأرحام إنّ اللهَ كانَ عليكُم رقيباً﴾ 2.
وذكر صلة القربى في سياق أوامره بالعدل والإحسان، فقال: ﴿إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاء ذِى القُربى وينَهى عن الفحشَاءِ والمنكرِ والبَغي يَعظُكُم لعلّكُم تَذكَّرونَ﴾ 3.
وجعل قطيعة الرحم سبباً للعنة الإلهية فقال: ﴿فَهل عَسَيتُم إن تَولَّيتُم أن تُفسدُوا في الأرضِ وتُقطّعُوا أرحامَكُم * أولئكَ الَّذينَ لَعنَهُم اللهُ فأصمّهم وأعمَى أبصارَهُم﴾4.
صلة الأرحام في تراث أهل البيت
أ - أصالة الوصل لا القطع: لقد دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت إلى صلة الأرحام في جميع الأحوال، وأن تقابل القطيعة بالصلة حفاظاً على الأواصر والعلاقات، وترسيخاً لمبادىء الحب والتعاون والوئام.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الرحم معلقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافىء، ولكن الواصل من الذي إذا انقطعت رحمه وصلها"5. وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: "أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أصل رحمي وإن أدبَرَت" 6.وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "صلوا أرحامكم وإن قطعوكم" 7.
ب- صلة الأرحام خير أخلاق أهل الدنيا: ومما جاء في فضل صلة الأرحام في الحديث الشريف أنها خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة، وأنها أعجل الخير ثواباً، وأنها أحبّ الخطى التي تقرب العبد إلى الله زلفى، وتزيد في إيمانه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ من عفا عمن ظلمه، ووصل من قطعه، وأعطى من حرمه"8. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أعجل الخير ثواباً صلة الرحم، وأسرع الشر عقاباً البغي" 9. وقال الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "صلة الأرحام وحسن الخلق زيادة في الإيمان" 10.
ج- حقوق الرحم: ولقد رتّب الإمام علي بن الحسين عليه السلام حقوق الأرحام تبعاً لدرجات القرب النسبي، فيجب صلة الأقرب فالأقرب، فقال: "وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة، فأوجبها عليك حقّ أُمك، ثم حقّ أبيك، ثم حقّ ولدك، ثم حقّ أخيك، ثم الأقرب فالأقرب، والأول فالأول" 11.
وتتجلى مظاهر الصلة بالاحترام والتقدير والزيارات المستمرة وتفقد أوضاعهم الروحية والمادية، وتوفير مستلزمات العيش الكريم لهم، وكفّ الأذى عنهم.ولقد دعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى تفقّد أحوال الأرحام المادية وإشباعها، فقال: "ألا لا يعدلنَّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة أن يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه، ولا ينقصه إن أهلكه، ومن يقبض يده عن عشيرته، فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة، وتقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة" 12.
د- كيف نصل الرحم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "صلوا أرحامكم ولو بالسلام" 13.وأدنى الصلة المادية هي الاسقاء، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "صل رحمك ولو بشربة ماء"14.
ومن مصاديق صلة الأرحام كفّ الأذى عنهم، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "عظّموا كباركم، وصلوا أرحامكم، وليس تصلونهم بشيء أفضل من كفّ الأذى عنهم" 15.
آثار قطيعة الأرحام الدنيوية والأخروية
الإسلام دين التآزر والتعاون والوئام، لذا حرّم جميع الممارسات التي تؤدي إلى التقاطع والتدابر، لأنها تؤدي إلى تفكيك أواصر المجتمع، وخلخلة صفوفه، فحرّم قطيعة الرحم، وجعلها موجبة لدخول النار والحرمان من الجنّة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم" 16.وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "اثنان لا ينظر الله إليهما يوم القيامة: قاطع رحم، وجار السوء" 17.وقطيعة الرحم موجبة للحرمان من البركات الإلهية، كنزول الملائكة وقبول الأعمال.قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم" 18.وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أعمال بني آدم تعرض كلّ عشية خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم" 19.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخوف على المسلمين من قطيعتهم لأرحامهم، وكان يقول: "إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدين، ومنع الحكم، وقطيعة الرحم، وأن تتّخذوا القرآن مزامير، تقدّمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين"20.
الآثار الروحية والمادية لصلة الأرحام وقطيعتها
لصلة الأرحام آثار ايجابية في الحياة الإنسانية بجميع مقوماتها الروحية والخلقية والمادية، قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: "صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسئ في الأجل" 21.
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "صلة الأرحام تُحسن الخلق، وتسمّح الكف، وتطيب النفس، وتزيد في الرزق، وتنسئ في الأجل" 22.
وصلة الرحم تزيد في العمر، وقد دلّت الروايات على ذلك، وأثبتت التجارب الاجتماعية ذلك من خلال دراسة الواقع، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: "ما تعلم شيئاً يزيد في العمر إلاّ صلة الرحم، حتى أن الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولاً للرحم فيزيده الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة، فيكون قاطعاً للرحم فينقصه الله ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين"23.
والواصل لأرحامه يكون محل احترام وتقدير من قبلهم ومن قبل المجتمع، وهو أقدر من غيره على التعايش مع سائر الناس، لقدرته على إقامة العلاقات الحسنة، ويمكنه أن يؤدي دوره الاجتماعي على أحسن وجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعكسه القاطع لرحمه، فإنّه يفقد تأثيره في المجتمع، لعدم الوثوق بنواياه وممارساته العملية.
1-الكافي 2: 150.
2-النساء: 4.
3-النحل: 16.
4- محمد:22-23.
5-جامع الأخبار/السبزواري: 287.
6-لخصال/الصدوق 2: 345/12.
7-بحار الأنوار 74: 92.
8-جامع الأخبار: 287.
9-جامع الأخبار: 290.
10-جامع الأخبار: 290.
11-تحف العقول: 183.
12-نهج البلاغة: 65، الخطبة: 23.
13-تحف العقول: 40.
14- بحار الأنوار 74: 88.
15-الكافي 2: 165.
16-الخصال 1: 179/243.
17-كنز العمال 3: 367/6975.
18-كنز العمال 3: 367/6974.
19-كنز العمال 3: 370/6991.
20-عيون أخبار الرضا/الشيخ الصدوق 2: 42.
21-21الكافي 2: 150.
22-الكافي،2،باب صلة الأرحام.
23- المصدر نفسه،ص153.