الجهاد تكليف إلهي
الهدف:
التعرّف على فضل الجهاد في الآيات والروايات، وبيان أهمية القيام بالجهاد كتكليف
إلهي وشرعي.
المحاور:
- فضل الجهاد وأهميّته في القرآن
- فضل الجهاد وأهميّته في الروايات
- من أهداف الجهاد:
التصدير:
قال تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ
فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم﴾[1].
مقدمة
اشتقّت كلمة "الجهاد" من "الجَهْد" و "الجُهْد" بمعنى "المشقّة والعناء" وبمعنى
"الوسع والطّاقة"، وعليه، يكون معنى الجهاد: هو بذل الوسع والطّاقة أو تحمّل العناء
والمشقة.
فضل الجهاد وأهميّته في القرآن:
استخدم القرآن المجيد في آياته التي تحدّثت عن موضوع بذل الجهد والوسع في قتال
العدو، مفردتين اثنتين هما: الجهاد والقتال، في قوله تعالى ﴿انْفِرُوا خِفافاً
وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[2]، وقوله عزّ وجلّ ﴿وَقاتِلُوا في
سَبيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَميعٌ عَليمٌ﴾[3].
وقد اعتبر بعض المفسِّرين أنّ آيات الجهاد الواردة في القرآن الكريم ناظرة في
الواقع إلى هذين النوعين من الجهاد: جهاد النفس وجهاد العدو. فعلى سبيل المثال،
فسّر العلامة الطبرسي(قده) معنى الجهاد في قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[4]
بجهاد الكفار، وبمجاهدة أهواء النفس[5]. أمّا كلمة "القتال" فهي بمعنى الحرب، ولم
تستعمل في القرآن المجيد سوى للإشارة إلى الحرب مع العدو الظاهري والخارجي.
وعندما ننظر إلى آيات القرآن الكريم نجد أنّه قلّما نزلت آيات بشأن فرعٍ من فروع
الدين الإسلامي كما هو الحال بشأن الجهاد. ثم نجد أنّه نزلَ البعضُ منها بلسانٍ
صريحٍ، ينصّ على الجهاد والقتال، والبعض الآخر بلسانٍ غير مباشر، يتعرّض إلى
المسائل الجانبية المتعلّقة به.
ويلاحظ المرء أنَّ كل الآيات التي تحدّثت عن فضل وعلوّ منزلة المجاهدين في سبيل
الله، تحكي في الوقت نفسه عن أهمّيّة الجهاد وفضله، حيث إن الجهاد يتقوّم
بالمجاهدين ولا ينفكّ عنهم كما في قوله تعالى: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدينَ
بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ
الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدينَ عَلَى الْقاعِدينَ أَجْراً عَظيم﴾[6].
وفي آية أخرى جعل الله تعالى نفسه مشتريَ أرواحِ المؤمنين المجاهدين وأموالهم، في
صورة تدلّل على قبول الله تعالى لجهاد المجاهدين المؤمنين، فهو تعالى يمتدحهم
ويقدّم الوعد الجميل، حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ
وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[7].
كما أشار تعالى إلى أنّ المجاهدين هم أحباؤه واقعاً: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾[8]،
ووعدهم بالأجر العظيم والجزيل، واعتبرهم الفائزين في هذا العالم وبشّرهم برحمةٍ منه
ورضوان، وجنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار، وخصّهم بها دون العالمين: ﴿الَّذِينَ
آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ *
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا
نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾[9].
ويكفي لمعرفة أهمّيّة الجهاد الالتفات إلى ما وعد الله تعالى به من الأجر العظيم
حيث قال عزّ من قائل: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ
أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم﴾[10]. إذ أطلق الله تعالى لفظ
الأجر العظيم ولم يحدّد ماهيته وقدره، لكي يوضح لنا أنّ هذا الأجر هو فوق ما
يتصوّره الإنسان.
فضل الجهاد وأهميّته في الروايات:
لقد أوضحت الروايات الكثيرة أهمّية الجهاد وحقيقته وفضله، ومنها:
- أنّ أبا ذرّ الغفاري سأل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): (أيُّ الأعمالِ
أحبُّ إلى الله عزّ وجلّ؟ فقال: إيمان بالله، وجهادٌ في سبيله. قال: قلتُ: فأي
الجهاد أفضل؟ قال: من عقرَ جواده وأُهريقَ دمُه في سبيل الله)[11].
- وفي حديث آخر رُوي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال (الخير كلّه في
السيف، وتحت ظلّ السيف)[12].
- وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (من مات ولم يغز، ولم يحدّث به نفسه،
مات على شعبةٍ من نفاق)[13].
- وروي أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بعث بسريّةٍ كان فيها ابن رواحة، وتحرّك
الجيش مع الفجر نحو المنطقة المحدّدة، ولكنّ ابن رواحة تخلّف عنه ليصلي وراء النبي
الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم). وبعد الصلاة، رآه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
فقال: (ألم تكن في ذلك الجيش؟ فأجاب: بلى، ولكنّي أحببتُ أن أصلّي خلفك هذه الصلاة
ثم ألحقَ بهم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (والذي نفسُ محمدٍ بيده
لو أنفقتَ ما في الأرض جميعاً ما أدركتَ فضلَ غدوتهم).
- وعن الإمام الباقر(عليه السلام) قال لأحد أصحابه: (ألاَ أُخبرك بالإسلام وفرعه
وذروته وسنامه؟ قال: قلتُ: بلى جعلت فداك، قال(عليه السلام): أمّا أصله فالصلاة،
وفرعه فالزكاة، وذروته وسنامه الجهاد)[14].
وبالإضافة إلى ما ذُكِرَ منَ الآيات والروايات، فإنّ التدقيق في دور الجهاد في
الإسلام، ومنزلته بالنسبة لسائر الواجبات الدينية، يطلعنا أيضاً على أهمّيّته
وعظمته. فالجهاد الدفاعي سبب في توفير الأمن، والذي في ظلّه فقط يمكن إقامة سائر
الواجبات والحدود الإلهية. وفي الجهاد الابتدائي أيضاً رفع للموانع من أجل تبليغ
الدين الإلهي، وهو موجب لميل عددٍ من المجتمعات البشرية نحو الدين الحقّ، ومن الام
تبليغ الدين الإلهي، وهو ما يسبب في ميل عدد من المجتمعات البشرية نحو الدين الحق.
.
واجبات الدينية، يطلعنا أيضاً على أهميته وواضح أنّه مع تحقّق هذا الميل وازدياد
عدد المسلمين يصبح بالإمكان إرساء قواعد حكومة العدل وتنفيذ الأحكام الإسلامية
بشكلٍ أوسع. وباختصار إنّ تبليغ أصول الدين والعمل بفروعه، وحفظ الكرامات والدماء
والأعراض والأرض وسائر المقدّسات مرهون في كثيرٍ من الموارد بأداء هذه الفريضة
الإلهية الكبرى.، وهو ما يدلّ بدوره على عظمتها وفضلها. وخير شاهدٍ على هذا في هذا
العصر جهاد الثورة الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان.
من أهداف الجهاد:
قد تتعدّد الأهداف الشخصية للجهاد وتختلف من شخصٍ إلى آخر، فأبواب طاعة الله تعالى
كثيرة، ولكن يمكن أن نختصر هذه الأهداف الفردية بثلاثة أهداف أساسية، وكل الأهداف
الأخرى في الحقيقة ترجع إليها وهي:
1- الدفاع عن النفس:
من حق كلّ نفس بشرية أن تدافع عن كل ما كان المساس به مهدداً لوجودها، وعن المال
والعرض والأرض والكرامة والوطن. فقد ورد في كتاب الله تعالى قوله: ﴿وَقَاتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[15]. ولهذا جاء في حديث عن النبي(صلى الله عليه وآله
وسلم): (من مات دون عقال من ماله مات شهيداً)[16]. وقد أفتى فقهاء المسلمين جميعاً
بوجوب الدفاع عن النفس، فلا إشكال في أنه من حقّ الإنسان أن يدفع المحارب والمهاجم
واللصّ ونحوهم عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع، حتى لو أدّى ذلك إلى قتل
المهاجم[17].
2- نيل رضى الله تعالى:
وهو الهدف الأسمى والأساسي الذي تتمحور حوله كلّ حركة يقوم بها الإنسان المؤمن أو
سكون يلتزم به. وإذا غدا الجهاد طريقاً لتحقيق رضا الله تعالى، وباباً للتقرّب منه،
فأيّ نعمة وأيّ توفيق لمن أتيح له الدخول إلى هذا الميدان الذي عبّر عنه أمير
المؤمنين (عليه السلام) قائلاً: (أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله
لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنّته الوثيقة)[18].
3- الفوز بمقام الشهادة:
إن الشهادة كانت أمنية الصلحاء، بل نجد الأئمة المعصومين(عليه السلام) ينتظرون لحظة
الشهادة ويعتبرونها كرامة من الله تعالى، فهذا الإمام زين العابدين (عليه السلام)
يقول مخاطباً ابن زياد: (أبالقتل تهدّدني يا ابن زياد؟! أما علمت أن القتل لنا عادة
وكرامتنا الشهادة)[19]. هذا هو النهج الإسلامي الصحيح الذي يؤكّد على حب الشهادة،
فكما أن النصر والظفر هي أمنيته فكذلك الشهادة هي أمنية له. يقول تعالى في كتابه
الحكيم: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾[20]. إنها
حقاً لكرامة ليس دونها كرامة أن تُختم حياة الإنسان بالشهادة في سبيل الله!
[1] النساء، 74.
[2] التوبة،41.
[3] البقرة، 244.
[4] العنكبوت، 69.
[5] يُراجع: تفسير مجمع البيان، ج8، ص41.
[6] النساء، 95.
[7] التوبة، 111.
[8] الصف، 4.
[9] التوبة، 20-21.
[10] النساء، 74.
[11] بحار الأنوار، ج97، ص11.
[12] . م.ن، ص9.
[13] ميزان الحكمة، ج1، ص444.
[14] . بحار الأنوار، ج66، ص392.
[15] البقرة، 190.
[16] وسائل الشيعة، ج11، ص93.
[17] تحرير الوسيلة، الإمام الخميني(قده)،ج1،ص487 .
[18] ميزان الحكمة، ج1، ص444.
[19] بحار الأنوار، ج45، ص118.
[20] التوبة، 52.