التسبيح آثاره وبركاته
تسبيح الزهراء (عليها السلام) نموذجاً
الهدف:
التعرّف على فضل تسبيح الزهراء؛ وبركاته وأسراره.
المحاور:
- معنى التسبيح
- ثواب تسبيح الزهراء (عليها السلام)
- أوقات تسبيح الزهراء (عليها السلام)
- آداب التسبيح
- أسرار الأعداد والترتيب في التسبيح والأذكار
التصدير:
روي عن الإمام الباقر(عليه السلام): «ما عُبد اللَّه بشيء من التحميد
أفضل من تسبيح فاطمة، ولو كان شيء أفضل منه لنحلهُ رسول اللَّه فاطمة»[1].
مدخل:
يعتبر تسبيح الزهراء (عليها السلام) من أفضل تعقيبات الصلاة التي أكّدت
عليه الروايات على فضله وثوابه، وفتاوى الفقهاء على استحبابه، ويستحسن المداومة
عليه بعد الصلاة الواجبة وقبيل النوم وقبل زيارة الأئمة المعصومين (عليهم السلام)،
وكذا يستحسن الاجتناب عن تركه والمسامحة فيه ولا شك في لزوم الخشوع عند إتيانه؛
لأنّ الأحاديث متواترة في فضيلته وعلو شأنه.
روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار عن دعائم الإسلام أن أمير المؤمنين(عليه
السلام) قال: «أرسل بعض ملوك العجم عبيداً إلى رسول اللَّه وقلت لفاطمة اذهبي إلى
رسول اللَّه واسأليه أن يعطينا خادماً ليساعدك في أعمال المنزل فذهبت فاطمة إلى
الرسول، فقال رسول اللَّه: «يا فاطمة أعطيك ما هو خير لك من خادم، ومن الدنيا بما
فيها: تكبرين اللَّه بعد كل صلاة أربعاً وثلاثين تكبيرة، وتحمدين اللَّه ثلاثاً
وثلاثين تحميدة، وتسبحين اللَّه ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، ثم تختمين ذلك ب(لا إله إلا
اللَّه)، وذلك خير لك من الذي أردتِ ومن الدنيا وما فيها، فلزمت صلوات اللَّه عليها
هذا التسبيح بعد كل صلاة، ونُسب إليها»[2].
معنى التسبيح:
التسبيح يعني تنزيه اللَّه سبحانه من كل صفة غير محمودة. يقول الراغب
الأصفهاني في مفرداته: السبح: المرُّ السريع في الماء وفي الهواء، يقال: سَبَحَ
سبْحاً وسباحة، والتسبيح تنزيه اللَّه تعالى، وأصله المرُّ السريع في عبادة اللَّه
تعالى وجعل ذلك في حبل الخير... »[3].
سُئِلَ الإمام علي(عليه السلام)، عن معنى التسبيح فأجاب: «هو تعظيم اللَّه عزّ وجلّ
وتنزيهه عما قال فيه كل مشرك...»[4]
ثواب تسبيح الزهراء (عليها السلام):
تسبيح الزهراء (عليها السلام) والذي يتكوّن من التكبير والتحميد
والتسبيح له درجات عليا من الأجر والثواب ونذكر هنا بعضها بالاستعانة بالأحاديث
والروايات التالية:
- أفضل من صلاة ألف ركعة: عن ابن خالد القمّاط قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه
السلام) يقول: «تسبيح فاطمة في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في
كل يوم»[5].
- يوجب ثقل الميزان لأعمال الإنسان: روي عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنه قال:
«قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «التسبيح نصف الميزان، والحمد للَّه يملأ الميزان
واللَّه أكبر يملأ ما بين السماء والأرض»[6]
- يرضي الرحمن: عن أبي جعفر(عليه السلام): «من سبّح تسبيح فاطمة (عليها السلام) ثم
استغفر غُفر له، وهي مائة باللسان، وألف في الميزان، ويطرد الشيطان ويرضي
الرحمن»[7].
- تسبيح فاطمة (عليها السلام) سبيل إلى الجنّة: روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)
حيث قال: «من سبّح تسبيح فاطمة في دبر المكتوبة من قبل أن يبسط رجليه أوجب اللَّه
له الجنة»[8].
أوقات تسبيح الزهراء (عليها السلام):
ورد في الروايات والأحكام الشرعية التأكيد على استحباب المداومة على
تسبيح الزهراء (عليها السلام) بعد الصلاة الواجبة مباشرة، وقبيل النوم، وقبل زيارة
الأئمة المعصومين(عليه السلام).
- بُعيد الصلاة مباشرة: حيث روي عن الصادق(عليه السلام): «من سبّح تسبيح فاطمة
الزهراء (عليها السلام) قبل أن يُثني رجليه من صلاة الفريضة غفر اللَّه له، وليبدأ
بالتكبير»[9]. ويستفاد من قوله(عليه السلام) قبل أن يُثني رجليه استحباب الإتيان
بالتسبيح بعد التسليم مباشرة قبل أن يشتغل بشيء آخر ولهذا أسرارٌ وفوائد أيضاً..
يقول الشيخ البهائي في هذا الشأن: «... وليكن جلوسك في التعقيب متصلاً بجلوسك في
التشهد وعلى تلك الهيئة من الاستقبال، والتورُّك، واترك في أثنائه الكلام والتلفت
ونحوهما، فقد روي «أن ما يضرّ بالصلاة يضرّ بالتعقيب»[10].
- قُبيل النوم: حيث روي عن الصادق(عليه السلام): «من بات على تسبيح فاطمة كان من
الذاكرين للَّه كثيراً والذاكرات».
- عند السفر إلى زيارة الإمام الحسين(عليه السلام): يقول الشيخ عباس القمي في
المفاتيح أثناء عرضه لآداب سفر الزيارة: ثمّ ودّع أهلك وانهض وَقف بالباب فسبّح
الله بتسبيح الزّهراء(عليه السلام) واقرأ سورة الحمد أمامك وعن يمينك وعن شمالك
وكذلك آية الكرسي...
- قُبيل زيارة المعصومين(عليه السلام): ورد في العديد من الزيارت استحباب تسبيح
الزهراء (عليها السلام) قبل البدء بقراءة الزيارة، روى عن أبي سعيد المدائني قال:
أتيت الصّادق (عليه السلام) فسألته ءأذهب الى زيارة قبر الحسين (عليه السلام) فأجاب
بلى اذهب الى زيارة قبر الحسين (عليه السلام) ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم)أطيب الطيّبين واطهر الطّاهرين وأحسن المحسنين، فاذا زرته فسبّح عند رأسه
بتسبيح امير المؤمنين (عليه السلام) ألف مرّة، وسبّح عند رجليه بتسبيح الزّهراء
(عليه السلام) ألف مرّة.
آداب التسبيح:
1- التوجه والخشوع في التسبيح: الخشوع هو شرط مهم في جميع العبادات حتى
المستحبة منها وفي تسبيح الزهراء بالطبع مؤكد، وبدون الخشوع يصبح التسبيح لقلقة
لسان ولا يستفيد الشخص من بركاته لأن قلبه لا يتوجه إلى اللَّه عزّ وجلّ ولا يحصل
على الكمال ما دام قلبه مشغولاً عن ذكر اللَّه. يقول الإمام الخميني قدس سره عن
الآداب القلبية لتسبيح فاطمة: «كما ذكرت في آداب التسبيحات الأربعة يجب في تسبيح
فاطمة أيضاً التبتل والتضرّع والانقطاع والتذلل في القلب، ومع التكرار يتعوّد القلب
على هذه الحال وإيصال الذكر من اللسان إلى القلب حتى يذوب القلب في الذكر والتوجه
إلى اللَّه».[11]
2- الموالاة في التسبيح: أي عدم الفصل والقطع بين الأذكار وهذا سرٌ من أسرار هذا
التسبيح المبارك يروي الشيخ الكليني في كتابه فروع الكافي، عن محمد بن جعفر أنه
قال: «أنه كان يسبّح تسبيح فاطمة فيصله ولا يقطعه»[12].
3- من شك في التسبيح يبني على الأقل إن لم يتجاوز المحل، فلو سها فزاد على عدد
التكبير أو غيره رفع اليد عن الزائد وبنى على (34) أو (33)، والأولى على نقص واحدة
ثم يكمل العدد بما في التكبير والتحميد دون التسبيح. روي عن الصادق(عليه السلام):
«إذا شككت في تسبيح فاطمة الزهراء فأعده»[13].
4. التسبيح بالسبحة المتخذة من تربة الحسين(عليه السلام): عن الإمام الصادق(عليه
السلام): «من أدار سبحة من تربة الحسين مرة واحدة بالاستغفار أو غيره كتب اللَّه له
سبعين مرة»
أسرار الإعداد والترتيب في التسبيح الأذكار:
إن الأدعية والأذكار والأحاديث التي تحظى بالعدد والترتيب لها أسرار غير خفية على
أهل السلوك والعرفان ولكنها مستورة عن المحجوبين بالحجاب المادي. وكذلك في قنوت
صلاة الوتر يستحب الدعاء لـ(40) مؤمناً وقول (300 مرة) العفو أو (70 مرة) استغفر
الله ربي وأتوب إليه، إلى غير ذلك من الأمثال. وتسبيح الزهراء عليها السلام هو مائة
مرة = 34 تكبيرة - 33 تحميدة - 33 تسبيحة. يقول العلامة السيد بحر العلوم في "رسالة
السير والسلوك" عن سر العدد (40) "رأينا بالعين وعلمنا بالعيان أن لهذا العدد
الشريف خواص خاصة ولها تأثير مخصوص في ظهور الاستعدادات والوصول إلى أقصى الكمالات
عند الصعود في الدرجات والمنازل". عن الصادق عليه السلام: "اعلموا أن أسماء الله
كنوز والأعداد ذراعها إذا قصر الذراع لم يصل إلى الأرض، وإذا طال الذراع دخل في
الأرض". ويقال إن العدد مثل أسنان المفتاح إذا نقصت أو زادت لا يفتح الباب إذن يجب
المحافظة على عدد الأذكار مع أنها مستحبة وعدم الزيادة والنقصان فيها والعمل بها
وبالأدعية كما أمرنا المعصومون عليهم السلام لنستفيد منها الاستفادة المطلوبة.
[1] وسائل الشيعة 1026 4.
[2] بحار الأنوار 336 85.
[3] المفردات (مادة سبح) ص226.
[4] معاني الأخبار 9.
[5] الكافي كتاب الصلاة 343.
[6] الكافي 506 2.
[7] وسائل الشيعة 1023 4.
[8] فلاح السائل لابن طاووس 165.
[9] التهذيب للشيخ الطوسي 105 2.
[10] مفتاح الفلاح 178. وسائل الشيعة: 458 6.
[11] الآداب المعنوية للصلاة ص408.
[12] فروع الكافي (كتاب الصلاة) ص342.
[13] الكافي (كتاب الصلاة) ص342.