بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
أيّها الأحبّة،
إنّ في شهر رمضان المبارك دروساً عظيمةً وجليلة، ينبغي للإنسان المؤمن أن ينظر إليها ويتعلّم منها، حتّى يستطيع الارتقاء أكثر فأكثر، سواء أكان على مستوى إيمانه، أم أخلاقه، أم حياته الدنيا.
نذكر منها دروساً ثلاثة، هي:
الدرس الأوّل: الصبر والإرادة
إنّ من أعظم الدروس التي يستقيها المرء في شهر رمضان المبارك، الصبر، بل ورد أنّ الصوم هو الصبر، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا نزلت بالرّجل النازلة الشديدة فليصم؛ إنّ الله -عزّ وجلّ- يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ﴾ يعني الصيام»[1].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «صيامُ شهر الصبر وثلاثة أيّام من كلّ شهر يُذهبن بلابل الصدور، وصيامُ ثلاثة أيّام من كلّ شهر صيامُ الدهر ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَ﴾»[2].
الإرادة
إنّ الصوم في نفسه ليس هو الذي يولّد الصبر والإرادة، إنّما هو مقدّمة، تنمو من خلالها قوّة الإرادة، حتّى يصبح المرء أشدّ عزيمة في مواجهة الشدائد والمصاعب، فيكون الصوم بذلك بمثابة الدرس التربويّ التدريبيّ، تُصقَل من خلاله شخصيّة الإنسان.
الدرس الثاني: الانضباط والنظام
اتّخذ الانضباط والنظام في الإسلام حيّزاً كبيراً، نستشعر ذلك في آيات القرآن الكريم التي وصفت بديع خلق الله -سبحانه-، وبأنّه خَلَقَ ما في هذا الكون ضمن نظام دقيق مُتقَن.
كذلك من خلال الدعوات الواردة في أحاديث النبيّ وآله (صلوات الله عليهم أجمعين)، كما عن الإمام عليّ (عليه السلام) في وصيّته: «أوصيكما وجميعَ ولدي وأهلي ومَن بلغه كتابي، بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم»[3].
وفي شهر رمضان المبارك، ثمّة التزامٌ من الصائم بأوقات محدّدة للإفطار والإمساك، وثمّة التزامٌ منه أيضاً في نهار الصوم بالكفِّ عن المفطرات واجتنابها، قال -تعالى-: ﴿وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[4].
إنّ ذلك كلّه يُسهِم في تقوية حسِّ الانضباط والنظام في نفسه، حتّى يسريَ في أمور حياته.
الدرس الثالث: الأمل والتفاؤل
ذلك أنّ شهرَ رمضان شهرٌ تتفتّح فيه أبواب السماء والرّحمة الإلهيّة؛ ما يزرع في نفس الإنسان الأملَ والتفاؤل، بأن لا ييأسَ ويصيبَه الإحباط، فمهما أخطأ وقصّر وأذنب، فإنّ بابَ رحمة الله -تعالى- مفتوحٌ لمن أناب وتاب.
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَبْوَابَ الْجِنَانِ فِي هَذَا الشَّهْرِ مُفَتَّحَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لَا يُغَلِّقَهَا عَنْكُمْ، وَأَبْوَابَ النِّيرَانِ مُغَلَّقَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لَا يُفَتِّحَهَا عَلَيْكُمْ، وَالشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لَا يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ»[5]
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص63.
[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 683.
[3] نهج البلاغة، ج3، ص76.
[4] سورة البقرة، الآية 187.
[5] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص78.